قالت صحيفة فيننشيال تايمز البريطانية، إن الإجراءات التي يتخذها ولي العهد السعودي في المملكة الآن، ستنزلق إلى نوع من الحملات الاستبدادية والتعسفية، بينما تتسبب في كسر الإجماع السياسي، وإضعاف ثقة المستثمرين والأسواق المالية. وأضافت الصحيفة في تقريرها أنه أكثر من ذلك، فإن هذا الأسلوب الخشن قد يؤدي في نهاية المطاف إلى إعاقة جهود ولي العهد السعودي لتحقيق أهدافه المرجوة، عوضاً عن مساعدته.يشير التقرير إلى أن بن سلمان -كونه ولياً للعهد- فإنه بالتأكيد يتصرف بناء على افتراض أنه سيكون الملك لمدة خمسة عقود مقبلة أو أكثر، وهي مدة طويلة يتوقع فيها توقف الاعتماد على النفط كمحرك رئيسي للمكانة العالمية التي تتمتع بها السعودية، والتوقف عن كونه مصدراً رئيسياً للازدهار. وهو من هذا المنطلق -يتابع التقرير- يرى نفسه في مهمة تاريخية، لعمل تحول جذري في الاقتصاد السعودي، والأهم من وجهة نظره تنفيذ عملية تحديث للمجتمع السعودي. وينوه التقرير بأن التاريخ والشعب السعودي سيحمّلانه المسؤولية عن نجاح أو فشل هذا المشروع المصيري، وهو سبب مرجح لعمليات تعزيز سلطاته في المملكة. ويقول إن الأمير يراهن فيما يبدو على المستقبل، بدعم من النساء السعوديات والنخبة المتعلمة، والأهم من ذلك الجيل الشاب، الذي شكل ثلثي سكان المملكة. ويوضح التقرير أن رؤية ولي العهد السعودي للمستقبل تعتمد على خلق اقتصاد أكثر تنوعاً، وقطاع خاص متوسع وحيوي، وإعلاء دور المرأة في المجتمع السعودي، واستبدال العمالة السعودية بالعمال الأجانب تدريجياً في مختلف القطاعات الاقتصادية، أما على الصعيد الاجتماعي والثقافي، فإن الرؤية تتنبأ بمجتمع أكثر اعتدالاً، ومنفتح على جميع الأديان والشعوب والتقاليد. لكن على قدر ما تثير هذه الأهداف الإعجاب -يشرح التقرير- فإن الأمير الشاب يواجه 3 تحديات شاملة لمشروع التحديث المزعوم تشمل: عملية تنويع الاقتصاد، والتحديث الاجتماعي والثقافي، وأخيراً خلق بيئة إقليمية وداخلية هادئة، يمكن تحقيق تلك الأهداف من خلالها. عن التحدي في تنويع الاقتصاد، يشرح التقرير أن اعتماد المملكة على النفط يظل أمراً رئيسياً، ويشكل نسبة 80 % من العائدات، ولكي تخفض الرياض من الاعتماد على النفط، سيتوجب عليها تكرار تجربة عدد من الاقتصادات الناشئة، التي حدت بشكل كبير من اعتمادها على الثروات الناضبة، مثل المكسيك وماليزيا وإندونيسيا. وأضاف التقرير أن هذه الدول الثلاث بدأت مبكراً في حقبة العولمة، وربطت اقتصاداتها بالنشاطات التجارية والإنتاجية العالمية، وشملت أهداف تلك الدول: التحرر الاقتصادي الانتقائي، وتقييد نمو الأجور، وتحرير سعر الصرف عقب تجارب كارثية مع أسعار الصرف الثابتة، وركزت سياسات التوريد فيها على الإصلاح المؤسسي وعلى الاستثمار في المهارات والتعليم. وعلى العكس من تلك الدول، يقول التقرير إن النظام التجاري السعودي لا يطبق فرض الضرائب، في الوقت ذاته فإن النمو القوي في الأجور، والعملة المبالغ في تقييمها وربطها بالدولار الأميركي، قد تسببا بانعدام التنافسية. الأهم -يقول التقرير- هو وجود تفاوت بين المؤهلات التعليمية والمهارية للسعوديين، وبين متطلبات السوق، خاصة أن معظم السعوديين موظفون لدى الحكومة، بينما يعمل 19 % فقط في القطاع الخاص، حيث يهيمن عليه العمال الأجانب، ومن ثم فإن تنويع عمليات التوظيف السعودي لخلق هيكل صناعي متوازن سيكون صراعاً مريراً. وتحدث التقرير عن التحدي الثاني الذي يواجه المملكة، وهو جهود بن سلمان لتحديث وتحرير المجتمع السعودي، من خلال تقليص التوجهات والعادات الثقافية المتزمتة. ويلفت التقرير إلى أن هناك صعوبة في إصلاح النظام التعليمي، بسبب النفوذ الكبير للمؤسسة الدينية عليه، وهو سبب جزئي في تعثر إصلاحات التعليم في الماضي، مشيراً إلى أن المهمة كبيرة، وتحكمها تعقيدات السياسة والأعراف الاجتماعية المحافظة، والقدرة التقنية المحدودة. التحدي الثالث -الذي تحدث عنه التقرير- هو تحقيق نوع من الإجماع داخل الأسرة الحاكمة ومجتمع الأعمال، وهو أمر ستحتاجه المملكة بلا شك، لكن الإجراءات الأخيرة التي نفذها بن سلمان داخلياً وخارجياً قد غطت على النجاحات المحتملة، عوضاً عن كشف النقاب عنها.;
مشاركة :