أثارت استقالة رئيس الحكومة اللبنانية المفاجئة سعد الحريري وإقامته وسط ظروف ملتبسة في الرياض الخشية من دخول لبنان مجدداً في حالة من الفوضى، لكن عودته قبل أيام إلى بيروت أعادت لبنان إلى خانة الانتظار والترقب في خضم صراع إقليمي حاد. ويُجمع محللون ومراقبون على أن لبنان سيواصل اعتماد سياسة الهروب إلى الأمام، ومحاولة كسب الوقت إزاء الملفات الخلافية الكبرى، طالما تشهد المنطقة انقساماً كبيراً بين المحورين السعودي الداعم تقليدياً للحريري، والإيراني الداعم لحزب الله.وشهدت الأسابيع الثلاثة الأخيرة سابقة في تاريخ لبنان، مع تقديم الحريري استقالته بشكل مفاجئ من الرياض، وبقائه فيها لأسبوعين وسط ظروف غامضة، ترافقت مع شائعات حول «احتجازه»، قبل أن تثمر وساطة فرنسية انتقاله إلى باريس، ثم إلى بيروت، مروراً بمصر وقبرص. وأثارت استقالة الحريري خشية من دخول لبنان في أزمة فراغ مؤسساتي، ومن تدهور قيمة الليرة اللبنانية، وصولاً إلى حصول اضطرابات أمنية. وكان أعلن أن سبب الاستقالة تدخل حزب الله بدعم من إيران في نزاعات المنطقة، ما يرتب تداعيات لا يمكن للبنان تحملها. وبعد إعلانه الأربعاء تريثه في المضي باستقالته، واستعداده لإجراء مشاورات مع القوى السياسية وفي مقدمتها حزب الله، أبرز مكونات حكومته، يكون الحريري، وفق محللين، فتح الباب مجدداً أمام تسوية سياسية. ورغم الانقسامات السياسية إزاء ملفات كبرى، كانت حكومة الحريري التي تشكلت قبل حوالى السنة، نجحت في تحقيق استقرار إلى حد كبير في بلد يقوم نظامه السياسي على تقاسم السلطة وفق حصص طائفية، وعلى «ديمقراطية توافقية». ويقول الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس كريم بيطار لوكالة فرانس برس «عدنا إلى واحدة من تلك التسويات الهشة التي لطالما اعتاد لبنان عليها، أي التسوية التي لا ترضي أحداً». وكان الحريري تسلم رئاسة الحكومة بموجب تسوية سياسية تضمن انتخاب ميشال عون، أبرز حلفاء خصمه حزب الله، رئيساً، وتمثيل كل التيارات السياسية في الحكومة. الحد من الأضرار ويرى الباحث السياسي والأستاذ الجامعي زياد ماجد أن «الهدف اليوم هو الحد من الأضرار»، معتبراً أن لبنان سيكون مجدداً «في حالة انتظار وترقب» في محاولة لمنع الأمور من التدهور أكثر. ولم يتردد حزب الله الذي تشكل ترسانته العسكرية المادة الخلافية الأبرز في لبنان، في الترحيب بعودة الحريري، معتبراً أنها «تبشر بإمكانية عودة الأمور إلى طبيعتها». وكان الحريري اعتبر في خطاب استقالته، أن إيران «تطاولت على سلطة الدولة، وأنشأت دولة داخل الدولة»، واتهم حزب الله بـ»فرض أمر واقع بقوة سلاحه»، قبل أن يربط لاحقاً عودته عن الاستقالة باحترام سياسة «النأي بالنفس». ويقول بيطار «من الممكن القول إن الحريري كسب مزيداً من الوقت، لكن أياً من مشاكله لم تحل، وقد يجد نفسه في الأشهر المقبلة عالقاً بين نيران عدة». ويضيف «من جهة، عليه أن يواصل إدارة هذه الحكومة التي يشكل حزب الله جزءاً منها، ومن جهة أخرى لن يكون باستطاعته الابتعاد عن الخط الاستراتيجي الذي حددته السعودية»، ما يعني أن عليه «أن يبرهن قدراته في الحفاظ على التوازن». ولطالما شكل لبنان ساحة لتجاذبات بين القوى الإقليمية وخصوصاً سوريا، السعودية وإيران. وربط محللون استقالة الحريري بتصاعد التوتر بين الرياض وطهران خصوصاً على خلفية أزمة اليمن. ويقول بيطار «طالما لا يوجد اتفاق سعودي -إيراني حقيقي، من الصعب أن نرى كيف يمكن أن يكون لبنان بمعزل عن التقلبات الإقليمية». ويقول مصدر دبلوماسي أوروبي «السائد في لبنان هو صيغة التوافق الرمادي التي يمقتها السعوديون الذين يريدون احتواء حزب الله»، لكنهم «عملياً في كل مرة يتركون الأرض للإيرانيين»، بحسب تعبيره، مشيراً إلى أنهم «لا يملكون استراتيجية تجاه لبنان». حرب بالوكالة ورغم أن إنضاج أي تسوية حقيقية في لبنان لا يمكن أن يتم بمعزل عن توافق إقليمي عريض، إلا أن الحوار الداخلي في لبنان يبدو مطلباً سياسياً جامعاً في الوقت الفاصل. وفي مقابلة تلفزيونية مساء الخميس، قال وزير الداخلية نهاد المشنوق المقرب من الحريري إن نزع سلاح «حزب الله» ليس مطروحاً، لكنه شدد على أن لبنان لا يستطيع أن يتحمل مسألة «تمدد حزب الله خارج لبنان»، في إشارة إلى دوره في صراعات المنطقة. وتتهم السعودية حزب الله بدعم المتمردين الحوثيين في اليمن الذين قالت إنهم أطلقوا صاروخاً بالستياً باتجاه أراضيها، تمكنت من تدميره قرب مطار الرياض في الرابع من الشهر الحالي، اليوم الذي قدم فيه الحريري استقالته. ويرى محللون أن بإمكان حزب الله أن يتخذ مبادرة حسن نية بفك ارتباطه عن اليمن، لترجمة سياسة «النأي بالنفس» التي لم يطبقها يوماً عملياً. ويقاتل الحزب الشيعي إلى جانب قوات النظام في سوريا منذ سنوات.;
مشاركة :