مساء رمادي بلون الروح بقلم: علي السوداني

  • 11/25/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ها هو برتقال الشمس يذوب ويذهب إلى مغطسه، فتصير الألوان كلها باردة تموء حول الرمادي الداكن الذي سقط على صف طويل من شجيرات الزيتون النائمة.العرب علي السوداني [نُشر في 2017/11/25، العدد: 10823، ص(24)] وتشريننا الثاني لا يشبه تشريننا الأول. اليوم نحن نعيش أوشال الثاني حيث معزوفة ورق الشجر الأصفر أشد وضوحا وأكثر ضجيجا، وسمفونية الحنين قد تخرج على النص من دون أن تتسبب بمثقال نشاز. شرفتي الدافئة مثل مرصد أو مثابة فوق تُليل، وعيناي تهاجر عصرا صوب سماء غريبة، مرة تبكي فتقدم لك ترتيلة بدر شاكر السياب على طبق من حزن حزين، وثانية تلعب الغيمات المشاكسات على سفح السماء وفي قمتها وخواصرها لعبة التشكيل والتخفّي، لتنتج لك غيلانا وسعالي وفيلة وأحصنة وقردة وجمالا وكائنات أخرى منها وجه طفلة يخرج من عينيها شعاع شمس ذاهبة ببطء إلى مخدعها البعيد. الآن ثمة بحيرة لونها سماوي خالص في طريقها إلى التشكل. الغيوم التي تسورها كانت رمادية منحازة إلى الدكنة، ثم تبدلت قليلا وأخذت من لون الغيمات القطنيات المنتوفات بعض بهجة ومسرة سبحان من صنعها وسواها نعمة للناظرين. ها هو برتقال الشمس يذوب ويذهب إلى مغطسه، فتصير الألوان كلها باردة تموء حول الرمادي الداكن الذي سقط على صف طويل من شجيرات الزيتون النائمة، حتى بدت المدينة مثل منجم مهجور شالت حوائطه أحلام الكادحين وجنون المقامرين الذين كانوا يرون بصقاتهم الجافة كما لو أنها بشارة ذهب قريب. في هذه الحال صارت كل الأشياء منسجمة ومتناغمة وبلون يكاد يكون واحدا لا مشتقات له. لون الروح كان رماديا، ومثله قطط الزقاق المنقوعات بخرير المزبلة، وصفحة الإسفلت وقرميد الكراجات ومدخنة مطبخ ما زالت قائمة على سطح دار تحكي قصة عشق مخمور. فتى أشهب بطاقية رصاصية معقلة بنطاق أسود ظهر الآن في بطن الزقاق. على ظهره حقيبة المدرسة ويقبض بكلتا يديه على سندويجة لم يبق من ألقها سوى عضّة أخيرة. تقديري هو أن الولد الابتدائي كان أنانيا وحقيرا، لأن طريقته في التهام اللفّة كانت توحي بأنه يريد الوصول إلى عتبة الدار وقد استقر كل جسد السندويجة ببطنه، ولأنني من الصنف الذي يحب المشاكل والأحزان والأشجان، فسوف أفترض أن لهذا الطفل الخنزير أخا صغيرا ينطره من أجل لقمة فلافل أو خبزة معفرة بما تبقى من عطر المأكول الرخيص. ل قد كرهتُ هذا الولد القاسي كرها شديدا حدّ أنني تمنيت أن يرسب باختبار الحساب، ويتلقى خمسين صفعة على خده وأربع ركلات على مؤخرته من مرشد الصف المتوحش. علي السوداني

مشاركة :