تلاميذنا بألوان قوس قزح

  • 9/17/2014
  • 00:00
  • 18
  • 0
  • 0
news-picture

الحديث عن التعليم ذو شجون، وفوق ذلك فإن المستفيدين من منظومته هم المجتمع بأكمله؛ ذكوره وإناثه، والكهل والرجل والمرأة والمراهق والصغير، والمواطن والوافد. فضلاً عن أن للناس توجهاتهم الفكرية - حتى لا أقول العقدية - والثقافية، فمثلاً ستجد من يرى أن الاكتفاء بما لدينا كافٍ لتأسيس وإعداد التلميذ، في حين هناك من يرى أن العالم المتقدم علمياً وتقنياً واقتصادياً يزخر بما يمكن أن نستفيد منه ونفيد منه أبناءنا، كما أن مواقعنا تتفاوت حول تعليم اللغة الأجنبية؛ هل تكون من الصغرّ أو بعد إكمال مرحلة دراسية معينة؟ وهناك من يقول إنه لا فائدة ترجى من تدريس الفلسفة ولا حتى مبادئها، في حين أن هناك من يرى أن في ذلك ترتيبا للمعرفة وتعريفا بأسس المنطق وعلم الكلام. وللمستفيدين كذلك وجهات نظر متفاوتة وتصل أحياناً لحدّ التعارض فيما يتعلق بدور المعلم وعلاقته بالطالب، فمنهم من مازال يرى سلامة "العظم لنا واللحم لكم" ومنهم يرى أن طفله يستحق كل رعاية ويجب ألا يلام حتى إن أخطأ فهو لا يخطئ أبداً! ولذا تجده يأتي للمدرسة وكأنه وحش كاسر يعاتب المدير والمدرسين ويلوم الطلبة إن أتى ابنه في يوم يشتكي! وللمستفيدين من التعليم وجهات نظر متفاوتة وأحياناً متعارضة من استخدام تقنيات التعليم وتقنيات المعلوماتية؛ فمن الأهالي من يعيش هواجس الغزو الفكري القادم من وراء الحدود، ومن الفضاء، بل وحتى من الداخل إذ يتصور أن ابنه أو بنته سيكون أو تكون فريسة لمدرس "علماني"، وبالمقابل ستجد من يخاف على سلامة أفكار أبنائه من تأثير "المتشددين". وعلينا أن ندرك أن منطلق كل هذا أننا نريد أن يخرج أبناؤنا نسخا منا. أحياناً ننفي ذلك، لكننا في الحقيقة نمارسه، ونسعى لتقييد اختياراتهم واستبعاد التأثير عليهم لإتاحة الفرصة كاملة ليكونوا استمراراً لنا، وهذا لا يقتصر على مجتمعنا فقط، فمن شابه أباه فما ظلم، كما يقال، بل لهذا السبب تجد أن للمجتمعات توجهات سائدة وطباعا غالبة. فعند أي حدّ يجب أن نوقف تدخلنا ونسمح لأبنائنا وللعملية التربوية أن تُعمل عجلتها في ذهن الطالب؟ بالقطع، فليس ملائما أن تتدخل المدرسة في تكوين التوجهات الفكرية للطالب، فتلك خيارات توكل لأسرته، فتوقعاتنا عندما نأخذ أبناءنا للمدرسة ان المدرسة تعلمهم المعرفة وحسن السلوك أما توجهاتهم الفكرية فتلك مهمة أخرى، بل إن المناهج يجب أن تترك مساحة من المرونة تستوعب من خلالها الاختلاف والتفاوت، رغبة في تحقيق مهمتها الوطنية الأساس وهي إعداد المواطن المعتد بوطنه ومواطنيه؛ وإلا تصور أن يكون لدينا منظومة تعليم وطنية ثم تُخرّج طلابا لا يستوعبون أن وطنا الشاسع فيه تنوع، وأن التنوع لا يجعل مواطناً أميز من مواطن أو أثقل أو أخف في ميزان الولاء والإخلاص للوطن. وهكذا، نرى أن المهمة الملقاة على منظومة التعليم شاقة، كانت ولم تزل، فهي تحد كبير، ليس فقط للملمة المتناقضات والمتعارضات، بل إنها تعدّ تلاميذ سيكونون رجال ونساء الغد، ولا محالة أن يأخذوا دورهم لإدارة الوطن لخدمته وخدمة سائر مواطنيه. وكما نلمس، فإن أمام بلادنا تحديات شتى، لا بد أن نقابلها جميعاً بتعاضد، ولن يتحقق التعاضد إن لم يك هناك اعتداد متبادل وقبول بأن تراب هذا الوطن يجمعنا وأن سحناتنا وتوجهاتنا المتعددة وتنوعنا يزيدنا قوة ومنعة، وأن علينا أن نظهر بأسنا لمن يعادينا وليس لبعضنا بعضاً، فالمواطنة خط أحمر لن يتجاوزه أي مواطن للتعدي على حقوق مواطنيه. وهي مهمة شاقة، ليس فقط بأن على مدارسنا أن تكون بوتقات لصهر الصغار ليصبحوا مواطنين محبين لوطنهم ولأهله، بل كذلك لزرع الإيجابية والتحرق وروح التحدي بما يجعل كلا منهم ريادياً راغباً في أن يبدع وينتج، وإلا كيف سنتقدم علمياً واقتصادياً؟ وكيف سنستطيع منافسة بقية البلدان؟ وكيف سنرتقي سلالم الترتيبات العالمية في نظم التعليم والشفافية والتنافسية لنحل في مراكز متقدمة إن لم نهيئ الأجيال القادمة حتى تحقق ذلك؟ وكيف سنستطيع أن ننوع اقتصاد بلادنا ونخرج من شرنقة النفط التي سيطرت عليه لنحو ستة عقود، فجعلت قلوبنا ترفرف قلقاً إن تراجع سعر النفط أو إن زاد إنتاج الدول المستوردة من البدائل (مثل النفط الصخري)؟ هناك من لا يرانا فينا اقتصادياً إلا النفط، ومهمتنا جميعاً ان نعمل بحذق وتفانٍ لنري العالم أن في دواخلنا طاقة بناء وإبداع هائلة تفوق النفط في قدرتها على صنع اقتصاد متقدم ومتنوع متعدد المصادر. والتقدم الاقتصادي المرتكز على الإنتاج وتوليد القيمة لا يأتي عفو الخاطر، بل نتيجة تطور تقني وتقدم علمي في مجالات متعددة، تتطلب أن نوجد جيلاً باحثاً ريادياً يريد أن يحدث فرقاً بان يساهم بأكبر قدر في عمارة الأرض، بان يخترع مادة جديدة أو تقنية مبدعة أو ما يسعد الناس ويجعل حياتهم أكثر إنتاجية وراحة، وذلك سيتحول لسلع وخدمات ينتجها اقتصادنا فتولد وظائف وترسل الصادرات، وينتعش الاقتصاد، وتتعزز قوتنا بأن الآخرين يعتمدون على ما نصنع. كل ذلك رهن بما نصنع بهذا التلميذ اليافع في مدرسته وفي منزل أسرته. *متخصص في المعلوماتية والإنتاج

مشاركة :