لا تقاس قوة الدول اليوم بما تملكه من جيوش وأساطيل تهيمن بها على مساحات شاسعة من العالم، ولا موروثات حضارية وثقافية يمتد عمرها آلاف السنين، ولامواقع جغرافية ظلت لعدة قرون تشكل حلقة الوصل التجارية بين الشرق والغرب، ولاكثافة سكانية تزيد عن المليار ونصف مليار نسمة تقطن دولة واحدة، وإنما تقاس القوة بما تحققه الدول من تفوق ذاتي غير مسبوق في أحد القطاعات يمنحها «قوة ناعمة» تزيد من جاذبيتها لدى شعوب العالم، وتوظفها للتأثير فيهم بما يحقق لها منافع اقتصادية وسياسية تفوق المنافع التي تحققها القوة العسكرية للدول الكبرى. وتظهر دولة الإمارات رغم حداثة تأسيسها، كنموذج اقتصادي تنموي لافت للنظر، يتزايد تأثيره على الساحة الاقتصادية العالمية عبر استثماراته الخارجية، التي تعد قوة ناعمة للإمارات تنشر بها نموذجها الهادف لجودة حياة الشعوب وتدعم بها حضورها ونفوذها خارج حدودها الجغرافية. نموذج الإمارات وتتعدد مصادر القوة الناعمة للاستثمارات الإماراتية في الخارج، ولعل أبرز هذه المصادر هو انتماؤها لدولة الإمارات التي تمثل نموذجاً اقتصادياً عربياً غير مسبوق، احتل المرتبة الأولى في العديد من المؤشرات التنموية كما تشهد بذلك تقارير المؤسسات الدولية، وتمتلك الإمارات اقتصاداً تنافسياً عالمياً، إذ تتخذ نحو 25% من أكبر 500 شركة عالمية من الإمارات مقراً لعملياتها الإقليمية. ضخامة رؤوس أموال الإستثمارات الإماراتية في الخارج يعد مصدراً مهماً لقوتها الناعمة، وتشير آخر إحصائيات متوفرة لدى مجلس الإمارات للمستثمرين في الخارج إلى أن أصول الاستثمارات الإماراتية في الخارج تصل لنحو 5 تريليونات و129 مليار درهم(تريليون و393 مليار دولار). وتتوزع هذه الأصول بين إستثمارات 6 أجهزة وصناديق للثروة السيادية في الإمارات يصل إجمالي أصولها أربعة تريليونات و779 مليار درهم ( تريليونا و298.7 مليار دولار) تشكل نسبة 17.7% من إجمالي قائمة أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم البالغ إجمالي أصولها 7.33 تريليونات دولار، وأكثر من 220 شركة إماراتية مستثمرة في الخارج يزيد حجم استثماراتها المتراكمة والمباشرة عن 350 مليار درهم (95.1 مليار دولار). ويتصدر جهاز أبوظبي للاستثمار الذراع الاستثماري لحكومة أبوظبي وثاني أكبر صناديق الثروة السيادية في العالم هذه الأصول بنحو 828 مليار دولار، تليه مؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية بأصول 200.5 مليار دولار تحتل بها المركز الحادي عشر عالمياً، ثم شركة مبادلة للإستثمار بأصول 125 مليار دولار تحتل بها المركز الـ 14عالميا. وتتميز الاستثمارات الإماراتية في الخارج بأنها استثمارات تديرها شركات إماراتية عابرة للقارات تنتشر في قارات العالم الست عبر مراكزها الإقليمية أو مكاتب التمثيل أو الوكلاء، فشركة الإمارات العالمية للألومنيوم التي تعد رابع أكبر منتج للألومنيوم في العالم تصدر إنتاجها البالغ 2.4 مليون طن سنوياً إلى 60 دولة في قارات العالم ولديها مكاتب إقليمية وتمثيلية في 69 دولة، وموانيء دبي العالمية تدير78 ميناء ووجهة بحرية في 40 دولة، وجهاز أبوظبي للإستثمار يستثمر في 40 دولة، وتتوزع المحفظة الاستثمارية لمؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية الذراع الاستثماري لحكومة دبي على 54 دولة، وأسست 42 شركة في قارات العالم، كما تطير طيران الإمارات إلى 165 وجهة عالمية وتوزع الظاهرة الزراعية إنتاجها في 54 دولة. 12 قطاعاً استثمارياً وتستهدف الإستثمارات الإماراتية غالبية القطاعات الاقتصادية الاستثمارية، وتركز على 12 قطاعاً استثمارياً رئيسياً ضخت فيه مليارات الدولارات، وتصدرت هذه القطاعات قطاع البنية التحتية، والإنشاءات والعقارات وتطوير المدن، يليه القطاع اللوجستي والموانئ والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، النفط والغاز الطبيعي، التعدين والصناعات المعدنية، والطاقة التقليدية والطاقة المتجددة، قطاع السياحة والفنادق والترفيه، قطاع الطيران، القطاع المصرفي والقطاع الزراعي، تجارة التجزئة. ويرى عيسى عبد الله الغرير رجل الأعمال البارز رئيس مجموعة عيسى الغرير أن نجاح الإستثمارات الإماراتية في الخارج كقوة ناعمة للدولة يرجع لكونها أسست مشاريع في قطاعات متنوعة، ولم تستهدف قطاعاً واحداً بل تشمل عدة قطاعات متقاربة أو متباعدة، ويندر أن تجد شركة إماراتية عابرة للقارات سواء كانت حكومية أو عائلية أو خاصة تعمل في قطاع واحد بل السمة الغالبة هي تعدد القطاعات التي تعمل فيها. وهذه السمة كما يوضح الغرير حققت للشركات مزايا عديدة أبرزها استهداف مشاريعها لشرائح عديدة من أبناء المجتمعات التي تعمل فيها سواء كانت قطاعات البنية التحتية أو العقارات أو الزراعة أو الصناعة أو النقل أو تجارة التجزئة وغيرها، وشاهد الأهالي على أرض الواقع مدى الكفاءة العالية في تنفيذ الشركات الإماراتية لمشاريعها المتنوعة، واختبروا مصداقيتها مقارنة بشركات أخرى. وتبرز شركات إعمار العقارية وإيجل هيلز في قطاعي البنية التحتية وتطوير المدن والعقارات بمشاريع عملاقة، أبرزها مدينة الملك عبد الله الاقتصادية في السعودية، وتطوير مرسى زايد بالأردن، وبوابة بلجراد في صربيا بتكلفة إجمالية 113 مليار دولار. الشفافية وصكت الإستثمارات الإماراتية في الخارج لنفسها خصائص وسمات تشتهر بها وأبرز هذه المزايا هي الشفافية والوضوح، وهذه السمة يعتبرها فردان الفردان الرئيس السابق لإدارة العقارات في جهاز أبوظبي للاستثمار رئيس مجلس إدارة مجموعة الفردان أهم السمات التي تميز عملها، حيث إنها استثمارات ملتزمة التزاماً كلياً بقوانين الدول، وعقودها واضحة وضوح الشمس ولذلك فإن هذه الاستثمارات هي استثمارات عديمة المشاكل، وهذه السمة دفعت حكومات البلدان التي تعمل فيها الاستثمارات الإماراتية لتطوير قوانينها الاستثمارية والاقتصادية لجذب المزيد من الشركات الإماراتية إليها لتنفيذ مشاريع أخرى. وتستهدف مشاريع الاستثمارات الإماراتية جودة حياة الشعوب، فهي تنشئ محطات الكهرباء العملاقة مثل محطة الجرف الأصفر أكبر محطة تعمل بالفحم الحجري في أفريقيا والشرق الأوسط، التي سدت 50% من احتياجات المملكة المغربية من الكهرباء وقضت على مشكلات انقطاع الكهرباء، كما تعمل أيضا على إدخال أنماط وأساليب جديدة من المعيشة تخفف عن السكان متاعب الحياة وتسهل عليهم الحصول على احتياجاتهم. مجموعة ماجد الفطيم العائلية أبرز الشركات الإماراتية التي بزغت في قطاع تجارة التجزئة في المنطقة، ولديها اليوم 21 مركز تسوق و210 متاجر في 15 دولة و31 مركزاً ترفيهياً،ويعمل بها أكثر من 39 ألف موظف من أبناء الدول التي تعمل فيها. غيث شقير الرئيس التنفيذي لمراكز التسوق في مجموعة ماجد الفطيم العقارية يؤكد أن هدف المجموعة هو «جودة الحياة والمعيشة». ويضيف «تواجدنا في الدول يبدأ بضخ مليارات الدولارات في اقتصادها لإنشاء مراكزنا، وهذه المليارات تشغل قطاعات عديدة أبرزها الإنشاءات والمقاولات، كما نجحنا في استقطاب مئات العلامات التجارية العالمية للدول التي نعمل فيها. مردود اقتصادي المردود الاقتصادي للاستثمارات الإماراتية في الخارج على اقتصادات البلدان التي تعمل فيها كبير ومتنوع، وكما يرى الدكتور عرفان الحسني الخبير الاقتصادي في دبى فإن الاستثمارات الإماراتية في الخارج-وكما هو الحال لسائر الاستثمارات الأجنبية المباشرة- تأخذ شكل صورتين، الأولى عبارة عن أموال منقولة والثانية عبارة عن أصول (مصانع، أبنية، الخ)، والأموال هنا ستشكل حقنة للسيولة المحلية لدى الدولة المضيفة للاستثمارات الإماراتية ما يؤدى إلى تقويتها. استثمارات داعمة وتتميز الإستثمارات الإماراتية في الخارج بأنها استثمارات داعمة لاقتصادات الدول التي تعمل فيها وليست استثمارات مضاربات أو أموالاً ساخنة تهدف لإفساد الأسواق، كما أنها تراعي الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها بعض الدول وتفضل عدم تحويل أرباحها للإمارات بل تضخها في شرايين الإقتصادات التي تعمل بها. ويؤكد وائل جاد السفير المصري في الإمارات أن الشركات الإماراتية في مصر خاصة اتصالات والفطيم والظاهرة الزراعية لم تقم بتحويل أرباحها بالدولار إلى بلدها الأم بسبب الأوضاع الصعبة التي عاشتها مصر منذ ثورة يناير 2011 مؤكداً على أن هذا الموقف ساهم في دعم الاقتصاد المصري، وأبرز الدور الإماراتي الداعم والمساند بقوة لمصر. وتدير شركة الظاهرة الزراعية الإماراتية في الخارج استثمارات زراعية في مصر إضافة إلى 28 دولة في 5 قارات وتنتشر منتجاتها في 54 دولة، ويؤكد خديم عبد الله الدرعي نائب رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب للشركة الظاهرة أن مصر تمثل للشركة أهمية خاصة، وقطعت الشركة خطوات كبيرة في مشروعها لزراعة 100 ألف فدان في توشكى جنوب الوادي بالقمح وتم الاتفاق على توريد إنتاجه بالكامل للحكومة المصرية لتأمين جزء من احتياجات مصر من الغذاء. وقال«على الرغم من أن منتجاتنا مطلوبة في الخارج لجودتها إلا أننا فضلنا توريدها للحكومة المصرية دعماً للشعب المصري. قطاعات غير تقليدية واقتحمت الإستثمارات الإماراتية في الخارج مجالات استثمارية غير تقليدية يتزايد تأثيرها في العالم باعتبارها مشاريع المستقبل وخاصة مشاريع الطاقة المتجددة. وتعد شركة أبوظبي لطاقة المستقبل (مصدر) إحدى شركات مبادلة للإستثمار هي القوة الإماراتية الناعمة في هذا القطاع، حيث لبت مشاريعها احتياجات ملايين البشر في العالم خاصة في جزر ودول الكاريبي ووفرت لهم الطاقة كما يؤكد بدر اللمكي المدير التنفيذي لإدارة الطاقة النظيفة في»مصدر«يكون بالتوافق مع حكومة البلد الذي يستفيد منه ولاتفرض مشاريعها على أية دولة على الإطلاق، كما تسعى الشركة لتمويل مشاريعها من بنوك ومؤسسات مالية عالمية كبرى وتحسب درجة المخاطر بدقة، وأرباحها متفاوتة من مشروع لآخر فقد تربح في مشروع لطاقة الرياح أكبر من مشروع للمحطات الشمسية الصغيرة. ويوضح بدر اللمكي المدير التنفيذي لإدارة الطاقة النظيفة في»مصدر«أن للشركة مشاريع استثمارية وأخرى إنسانية، موضحا أن مصدر استثمرت في مشاريع للطاقة المتجددة بقيمة إجمالية 8.5 مليارات دولار أمريكي وتبلغ حصة مصدر في هذه الاستثمارات 2.7 مليار دولار، وتضم المشاريع الأردن، وموريتانيا، ومصر، والمغرب، والمملكة المتحدة، وإسبانيا، وصربيا. ويكشف ناصر النويس رئيس مجلس إدارة مجموعة روتانا الفندقية عن سمة بارزة للاستثمارات الإماراتية تتمثل في الالتزام والدقة في كافة أعمالها، ويشير إلى أن هذه السمة تكون بارزة في استثمارات الطيران والسياحة والفنادق، والسبب في ذلك أن هذه الاستثمارات في احتكاك يومي مع ملايين المسافرين والزائرين والسياح، وهؤلاء يشهدون يوميا على مدى التطور الذي تشهده المطارات وشركات الطيران والفنادق التي تديرها الإستثمارات الإماراتية. وتتميز الاستثمارات الإماراتية في الخارج بتنفيذ مشاريع إنسانية وخيرية تبرهن على مسؤوليتها الاجتماعية تجاه المجتمعات التي تستثمر فيها، وعمقت الإرث الخيري والإنساني للدولة في غينيا تتزامن العمليات الإنشائية الحالية لأكبر منجم ضخم لتعدين خام البوكسايت في غرب أفريقيا لشركة الإمارات العالمية للألمنيوم، مع إنشاء الشركة لمشاريع داعمة للمجتمع الغيني تؤكد بها مسؤوليتها الاجتماعية، تشمل 5 مراكز صحية و26 بئراً للمياه الصالحة للشرب ومدرسة للتعليم الابتدائي والثانوي تستوعب أكثر من 5500 طالب، وحزمة مشاريع داعمة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة وحماية موائل النباتات والحيوانات النادرة والمهددة بالانقراض، وتواصل الشركة التوسع في مشاريعها الاجتماعية. ويؤكد حميد محمد بن سالم الأمين العام لاتحاد غرف التجارة والصناعة بالدولة على أن مشاريع المسؤولية الاجتماعية للشركات الإماراتية في الخارج جزء أصيل من وجودها مشيراً إلى أنه خلال زياراته للكثير من الدول التي تتواجد فيها الاستثمارات الإماراتية لمس الآثار الإيجابية الكبيرة لهذه المشاريع المجتمعية والتي تمس المواطنين العاديين بشكل مباشر وتؤكد لهم أن هذه الشركات الإماراتية حلت ببلادهم لخدمتهم وليس لاستغلالهم وعكست هذه المشاريع الوجه الإنساني والخيري للإمارات الدولة والإنسان، وشكلت قوة ناعمة عززت الصورة الإيجابية وأثرت في الشعوب. الاقتصاد الإماراتي هو الأكثر استفادة من استثمارات شركاته الخارجية، فالأرباح التي تحققها الإسثتمارات الخارجية تحول إلى الإمارات لتشكل إضافة قوية لناتجها القومي. ويقول جمال الجروان الأمين العام لمجلس الإمارات للمستثمرين في الخارج أرباح شركاتنا كبيرة للغاية خاصة صناديق الثروة السيادية، وعلى الرغم من أنه لاتوجد أرقام دقيقة ومفصلة حول هذه الإستثمارات إلا أن ماتحققه هذه الشركات من أرباح ضخمة للغاية، ونرى هذه الأرباح تضخ في مشاريع كبيرة محلياً وإقليمياً خاصة في قطاع العقارات وتجارة التجزئة والإتصالات.
مشاركة :