انتهت قبل يومين عروض «الجمعة السوداء»، والتي تقام كل سنة في آخر جمعة من شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، محطمة أرقام الأعوام السابقة وبفوارق كبيرة نسبيا. وشهدت هذه الجمعة تغيرا تدريجيا في سلوك المتسوقين وذلك بانتقال هوس التسوق من المجمعات التجارية ومراكز التسوق إلى المتاجر الإلكترونية. ولا شك أن وجود هذه المتاجر الإلكترونية هو السبب الرئيسي في انتقال تقليد «الجمعة السوداء» من الولايات المتحدة الأميركية إلى باقي دول العالم، حتى أصبحت عروض «الجمعة السوداء» تقام في غالبية دول العالم، في حين سمتها بعض دول العالم العربي بـ«الجمعة البيضاء».وتشكل هذه المواسم، سواء كانت «الجمعة السوداء» أو أعياد «الميلاد» و«الشكر» و«الفصح» مواسم جوهرية لقطاع التجزئة، حيث يتمحور سلوك قطاع التجزئة حول هذه المواسم، سواء على المستوى الخارجي في التوظيف أو التسويق، أو على المستوى الداخلي في طلب وتخزين البضائع. وتشكل «الجمعة السوداء» وأعياد الميلاد ما بين 40 إلى 60 في المائة من نسبة مبيعات التجزئة في المملكة المتحدة. أي أن ما يقابل نصف المبيعات السنوية لقطاع التجزئة البريطاني يتم خلال أقل من 30 يوما في السنة.أرقام مبيعات هذا العام تفوقت على أرقام الأعوام الماضية، حيث بلغت مبيعات المتاجر الإلكترونية ما يقارب 7.9 مليار دولار، بزيادة تبلغ 18 في المائة عن العام الماضي، وهي بذلك تشكل السواد الأعظم من مجموع المبيعات هذه السنة. وشكلت الساعات الأولى النسبة الأكبر في المبيعات، وهو ما يدل على ترقب المستهلكين لعروض «الجمعة السوداء»، وهو ما جعل الشركات تراقب سلوك المستخدمين بشكل مكثف في هذه المواسم، وذلك لاستشراف مبيعات المستقبل.فعلى سبيل المثال، وضحت الأرقام أن توجه المستهلكين لاستخدام هواتفهم الذكية للتسوق الإلكتروني في ازدياد، وشكلت نسبة المتسوقين عن طريق الهواتف الذكية ما يقارب 40 في المائة من نسبة المبيعات الكلية، مقابل 29 في المائة العام الماضي، وزادت هذه النسبة في بعض المواقع لتصل إلى 66 في المائة، وعلى هذه الوتيرة فإن المتوقع أن نصف المتسوقين في المتاجر الإلكترونية سيتسوقون باستخدام هواتفهم الذكية، وهو ما يستدعي من الشركات تطوير تطبيقاتها للهواتف الذكية. وشكلت مبيعات الأجهزة الإلكترونية كالتلفزيونات والألعاب الإلكترونية النسبة الأعلى من الأصناف المبيعة، وقد يكون ذلك لسهولة البحث عن مواصفاتها وقلة الحاجة لرؤيتها بشكل فعلي قبل شرائها، لا كما هو الحال في الملبوسات أو غيرها.ومن خلال هذه الأرقام تتوجه الكثير من الشركات إلى تطوير متاجرها الإلكترونية بشكل مكثف طوال أيام السنة، وقد تعرض بعض الشركات بضائعها في متاجرها الإلكترونية بسعر أقل، وذلك لتسويق متاجرها. والسبب في ذلك أن الشركات تدرك أن المستقبل للمبيعات الإلكترونية، وسيأتي يوم تهيمن به المتاجر الإلكترونية على المبيعات، وحينها يجب أن تكون متاجر هذه الشركات مستعدة ومعروفة لدى المتسوقين.هذا التوجه في المبيعات الإلكترونية لم يأت من عبث، بل من ملاحظات وأرقام تشهدها المجمعات التجارية في مواسم التسوق، حيث لاحظت الكثير من شركات التسويق أن مواقف السيارات لم تعد مزدحمة في أيام المواسم، وأن مبيعات المجمعات التجارية انخفضت في «الجمعة السوداء» هذا العام بنسبة 2 في المائة عن العام الماضي، رغم ازدياد مجموع المبيعات الكلي. وأصبح الكثير من المتسوقين يذهبون إلى المجمعات التجارية لمشاهدة البضائع عن قرب، ومن ثم شراؤها من المتاجر الإلكترونية.ولعل أكبر دليل على زيادة شعبية المبيعات الإلكترونية هذا العام، زيادة سعر سهم «أمازون» في سوق الأسهم، وهو ما تسبب في زيادة ثروة مالك «أمازون» جيف بيزوس إلى أكثر من 100 مليار دولار. حيث بلغت حصته من أمازون ما يقارب 79 مليار في منتصف نوفمبر، ومع الارتفاع الكبير لأسهم أمازون، تعدت حصته 93 مليار دولار.إن أكثر من يستغل هذه المواسم في الفترة الحالية هي المتاجر الإلكترونية، وهي تقوم باستخدام هذه المواسم لجذب المستهلكين من المجمعات التجارية إلى المتاجر الإلكترونية، ومن التدافع والتزاحم مع المتسوقين في برد نوفمبر، إلى أريحية غرفة الجلوس في بيتهم، كما تعطيهم فرصة النظر بشمولية إلى كافة العروض الموجودة واختيار أوفرها.وتزيد المتاجر الإلكترونية على ذلك بإعطائها أسعارا أقل من المجمعات التجارية، وبعدم التزامها بوقت تسوق معين، فالعروض قائمة كامل الأربع وعشرين ساعة يوم الجمعة... وإضافة إلى ذلك كله، فهي تستطيع الحصول على معلومات ثمينة من خلال مراقبة سلوك المتسوقين بشكل يصعب فعله في المجمعات التجارية.
مشاركة :