الأخبار صناعة تتطلب التغيير بدلا من دق المسمار الأخير في نعشها، والصحافة في مهمة إعادة ابتكار نفسها في العصر الرقمي، لكن المعضلة في الكلام الكثير عن المحتوى المتميز من دون الاتفاق على نوعية هذا المحتوى والمستوى بالإمكان إعادة القراء إلى الوراء. ولكي تستعيد الثقة بـ’القراء الأوفياء’ يجب أن توصل إليهم ما ليس بمقدور المواطن الصحافي والهواتف الذكية والمواقع على الإنترنت أن تصنعه”. إن الثيمة الأساسية التي ينبه إليها الكاتب هي وحدة الزمن المتسارع كونه متغيرا يجلب الحظ الحسن والسيء معا، أولا لأن شيوع ظاهرة الوسائط على حساب الوسائل، في الرسائل الاتصالية، تملأ فضاء المعلومات المعاصر. وثانيا باعتبار فورية محتوى السوشيال ميديا التي تفتقدها وسائل الإعلام التقليدية، حيث تتأخر بلحظات أو ساعات بعد أن تعرف المتلقون على نوع ومغزى الأخبار، أمام وسائل مصابة بأزمة الثالوث “وحدة الأخبار ووحدة الأفكار ووحدة الأساليب والأنماط “، في الكتابة الصحافية التي تخرج متأخرة أمام فورية البث في الوسائط وفضاء الحرية المتاح للآراء حول الأفكار وانسيابيتها التي تحدها فضاءات النشر.مهما حاول المواطن الصحافي تحقيق السبق فإنه غير قادر على الوصول إلى دقة ومصداقية الصحافي المهني وعرّض هذا الأمر التلفزيونات والصحف ووكالات الأنباء إلى وضع لا تحسد عليه، بمجرد نقرة إصبع من مجهول على هاتفه الخلوي ليعلم العالم ما الذي يحدث في بيئته مشفوعا بصور لا تستطيع دحضها مؤسسات إعلامية ضخمة لها أجندات وتوجهات مختلفة… إنها أزمة وتحد يؤرقان صناع الأخبار ومؤسساتها. ويفرض السؤال نفسه، هل تنكفئ المؤسسات الصحافية وتتلقى ما يكتب خارج غرفها الإخبارية، أم أنها تجلس وتعاين ما تبثه، ساعة بساعة، وتطور من نفسها لتصل بمصداقية خبرتها السابقة التي لا يمكن أن تستمر دون الاعتماد على الأخبار ذات القيمة والنوعية والفورية، وتفتح ملاذات جديدة لا يصلها المتلقي العادي وتتفاعل معه وتسبقه؟ لكن مهما حاول المواطن الصحافي تحقيق السبق فإنه غير قادر على الوصول إلى دقة ومصداقية الصحافي المهني الذي أورد معلومة حقيقية من الصعب الوصول إليها، وبالتالي تكون مؤسسته الإعلامية هي المحتكرة للمعلومات وليست المتفرجة عليها. ومن جهة أخرى فإن وسائل الإعلام لا بد من أن تحسن الذهاب إلى محللي المعلومات من أصحاب الخبرة والرأي والمعرفة والدراية المشهود لهم بالجودة والمصداقية وقطعوا شوطا في القدرة على تحليل الأخبار والتي تفتّح أذهان المتلقين وتبدد حيرتهم بالإجابة عن الأسئلة الصعبة التي تؤرقهم وتشغل بالهم تجاه هذه القضية أو تلك. ويبرز المغزى من التميز في اختيار المحللين وهو إشباع نهم المتلقين مما ينقصهم من معلومات وإذكاء الحوار الذي يتداولونه خارج الإعلام. يحتاج عصر الصحافة الخبرية إلى مراجعة وجرأة في الولوج إلى مكامن تتخطى الأسئلة الستة التي دأبت أن تجيب عليها الأخبار، ليصل إلى المعلومات من مصادرها أولا، وتفادي تقديم المفسرين والمحللين دون اختصاص، والذين يبدون أحيانا وكأنهم لاعبون هواة يمارسون لعبة الهوكي في ملعب للمحترفين، أمام جمهور قطع شوطا في معرفة اللعبة وفنونها. كما تفعل بعض فضائياتنا العربية اليوم بشكل منفّر حين تستقدم ضيوفها من ماكنة البروبوغندا الخاصة بها، أو ممن هم من معلومي الميول والاتجاهات، الأمر الذي حال دون مشاركة مثقفي التخصصات في تلك الوسائل الفاقدة للأهمية رويدا رويدا تحت هاجس إرضاء الإدارات أو السلطات، والتي تخضع لها وبشكل سافر وممل وساذج أحيانا، دون إدراك أن المتلقي قد ملأ ذهنه بمعلومات مسبقة وجاء ليتحرى صدقيتها توكيدا أو نفيا لها. إن إثارات الكاتب كرم نعمة المتكررة عن واقع الأخبار ومروجيها، تثير أسئلة كثيرة وتحرك بركة الخواء الإعلامي وارتباك إداراته أمام تحدي الأجهزة الحديثة، وفضاء السبق الذي تعلنه بتفوق السوشيال ميديا، وهبوط شعبية الوسائل التقليدية للإعلام، برغم فرص التغيير التي يجب أن تطور آلياتها بتحسين نمط التفكير أولا، وتحديث الإدارات، لا بشرط الولاءات بل بشرط الكفاءات والمعرفة والمهنية. إعلامي وأكاديمي عراقي
مشاركة :