ملا عليوي بين علي الوردي وحامد ربيع بقلم: صباح ناهي

  • 3/9/2017
  • 00:00
  • 28
  • 0
  • 0
news-picture

التلويح بأداء دور، الإغراء بأداء دور، التفاوض على أداء دور، والمساومة على الدور، وأخيرا الاستسلام بثمن؟ هذه مراحل دورة السياسة في العراق.العرب صباح ناهي [نُشر في 2017/03/09، العدد: 10566، ص(24)] كنا ننتظر قدوم أستاذنا في الدراسات العليا الدكتور علي الوردي عالم الاجتماع العراقي الأول ليحل أمامنا يوميا، يدرسنا مادة علم الاجتماع. كان الوردي يمتلئ حكايات وملاحظات تتسرب إليه من معاينته لتطور طبقات الشعب ومن خلال رحلته اليومية الصغيرة من بيته في حي الأعظمية، حتى معهد البحوث والدراسات العربية في الوزيرية. ظل يجول بعينه الناقدة ليتملّى حركة المجتمع ومساراته وتنوعاته، وكأنه يدرك أن هؤلاء “الأفندية” الذين أمامه لا يعدون سوى فلاحين نزعوا دشاديشهم ويشاميغهم وصاياتهم، ولبسوا البناطيل ليستقي مقولته الشهيرة “العراقي أفلاطوني المظهر، ملا عليوي الجوهر”. وللمعهد الذي ندرس فيه مجموعة من أفضل الأساتذة العرب في مقدمتهم الوردي و”الدكاترة” ربيع، وهذا ما يكنى به البروفسور المصري حامد ربيع أستاذ العلوم السلوكية. حرص الوردي على أن يكتفي بدور الباحث العلمي المختص في مجاله، لا غير، لكنه بذكائه الحاد وبسرعة بديهيته يكشف عن رفضه، لما يحدث حينها في المجتمع العراقي، يشاطره الدكاترة ربيع برفض طبيعة فهم العراقيين للسياسة عموما وتناسيهم قيمة المتغير الدولي في تفكيرهم، بل راح ربيع أبعد، ليؤلف كتابا جديدا للمرة الأولى نسمع فيه مصطلحا بعنوان “العراق في لعبة الأمم” في وقت لا نرى العراق إلا في لعبة محيطه القومي وبأقصى الأحوال محيطه الإقليمي. التلويح بأداء دور، الإغراء بأداء دور، التفاوض على أداء دور، والمساومة على الدور، وأخيرا الاستسلام بثمن؟ هذه مراحل دورة السياسة في العراق. غير أن الدكتور علي الوردي كان يحدثنا عن قضية أخرى في السلوك تتعلق بـ”كمالا” الطفلة التي خطفتها القرود من قرية قرب غابة، وكيف حذت حذوهم وأمست واحدة منهم. وفي إحدى الليالي زرت أنا واثنان من الصحافيين بيت الوردي لنستكتبه لإحدى الجرائد البغدادية المهمة آنذاك، وكان يرد بلهجة بغدادية “راح تخربوها وتكعدون فوكاها” اعتقدته مازحا، أو أنه لم يعرف من جاء إليه، في ذلك المساء واكتشفت في حديث معه تلك الليلة في ما بعد أنه يتوقع انهيار منظومة الدولة بسبب أو بآخر وأنه متشائم، من أن يخرج البلد من تلك الشدة، التي ستنتج مجتمعا آخر. مات ربيع حال عودته إلى مصر ومات الوردي عام 1995 ولم ينصت إليهما أحد، حتى انقلبت الدنيا وتحولت كل الانتصارات وبطولات الحروب إلى ذاكرة من ركام، وحق للوردي وربيع في مسألتين؛ الطباع، والمتغير الدولي كيف يحوّل الدول والمجتمعات إلى غير طبيعتها، فتتنمط عنوة وتتغير أخلاقياتها، وإن حلفاء الأمس أعداء اليوم. صباح ناهي

مشاركة :