"في الفكاهة راحة للنفوس إذا تعبت وكلت، ونشاط للخواطر إذا سئمت وملت" (العالم: النويري/ من التراث) *** في آخر موضوع السبت الماضي أوردت جزءا من قصة غرام الشاعر عبدالرزاق عبدالواحد كما رواها نوفل الجنابي في كتابه (الحلّة) ولم أكملها تبعا للمساحة المتاحة للزاوية واليوم أكمل: "لم يكن يعرف أن السيارة الخضراء جلاّبة الأنظار والناظرين ستلفت إليه انتباه مجموعة فلاّحين تركوه حتى وصل واستقر ليبدأ هجومه الغرامي فيبدأون هجومهم ملقين عليه القبض بالجرم المشهود والملموس". تلقى الشاعر الشهير احتجاج فلاّحي الحلّة على مسه شرفهم على دفعتين. الدفعة الأولى كانت موجات من اللَّطم والكفخ والرفسات في مسرح الجريمة، والثانية ابتدأت بجره من ربطة عنقه ثم حمله وقذفه في بيك آب (وانيت) أحمر تكسوه رقع بنية اللون (معجون التصليح الذي يوضع عادة من أجل الصبغ الذي اعتبره صاحب البيك آب ضربا من ضروب التبذير، فترك اللطخات بلا صبغ) وصعد مع الشاعر أربعة من ذوي الأذرع المفتولة، وما أن تحركت السيارة باتجاه الحلّة حتى بدأ الأربعة شغلهم، محولين (الأسير) بقبضاتهم إلى عجينة من الشِعر المداف بالشرف الرفيع. دار البيك آب شوارع الحلّة كلها، الشاعر يضرب في الخلف والمعلمة بقرب السائق تحاول تغطية فضيحتها بالعباءة التي رماها لها أحد الفلاحين. الجزء السيئ الذي من ذكرى فضيحة الشاعر، أن شقيق المعلمة الضحية، كان شريكي في نفس المرحلة المدرسية. لم أكن أحسده على تلك الأيام.. فصلت أخته من التدريس ونقل الشاعر إلى ريف الحلّة، لكنه (= الشاعر) لم يغير ما اعتاده في فترة ما قبل النقل. الجنابي الكاتب الساخر ليس بدعا في عالم الثقافة العربية وقد ذكرت بعض الأسماء من الكتاب الساخرين في مقال سابق لأنه سجل وقائع فيها من الطرافة ما يسلّي ويروّح عن النفوس في مثل هذه الأيام المليئة بالمآسي والأحداث المؤلمة والمؤسفة التي تمور في العالم العربي والإسلامي ممثلة تخبطات لا أول لها ولا آخر ولا يعرف لها هدف سوى ما برز على الساحة من تشتت وتفرق وتجريح إلى جانب الذبح والسلخ. والضحية الأبرياء من نساء وأطفال، وشيوخ ومسميات وفتاوى حدت بالمسلم أن يذبح أخاه المسلم والهدف مجهول سوى أنه يثير البلبلة والشقاق والنكوص في عالم يعمل ويبحث من أجل سعادة الإنسان، ولكن لا يعني أن ينجر الإنسان الى المجهول ويشغل حاله في هذه التحولات وهو جزء منها، ومعروف أن لا شيء يدوم ولا بد من نهاية لهذه التخبطات التي سئمها الناس، والعالم أجمع التفت إليها ويعمل على أن يوجد الحل المناسب. فالفكاهة لم تغب على مر العصور وهي ترياق وتنفيس في كل الأحوال، فالنكتة كالشعر والموسيقى والرسم والنحت، فن تعبيري فيه من الأبعاد والشفافية والجمالية ما يرفعه إلى مصاف هذه الفنون. وغالبا ما يكون (المنكِّت) الساخر شخصا ظريفا يتمتع بالذكاء المقرون بالبراعة، وبسرعة الخاطر والكياسة واللياقة والتصرف والقول والمظهر. وهو كما يقول الكاتب مبدع متمكن، وقد يذهب البعض إلى أن الابتسام يحمل أحيانا معنى التغلب على المصائب في الدنيا، وينهض بالنفس من إحباطات لتصمد أمام الأحداث الجسام، والشاعر يقول: ولربما ابتسم الوقور من الأذى وضميره من حرّه يتأوّه وآخر للشاعر عمر أبو ريشة: أنا عمر مخضّب وأمان مشردة بسماتي شجية وجراحي مضمدة ومن وهب ملكة السخرية تجده فكِهاً ضحوكاً في نكاته وردوده، وتعليقه على قول أو حدث - كرأي علي مروة - وكثيرا ما يشيع كلامه ويصبح قولا سائرا يردد وما يثيره الظريف من ضحك ومرح وقد أورد الكاتب حسين علي لوباني الداموني كثيرا عن الضاحكين والمضحكين أمثال كتب أنيس فريحة، وبو على ياسين، وموسوعة الأدب الضاحك لعلي مروة، وخالد القشطيني (السخرية السياسية العربية).
مشاركة :