لو لم أكن مصريّاً لوددت أن أكون هنديّاً... لأن الحياة فيلم هندي طويل شبه مفهوم

  • 11/29/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

بين ملامح وجوههم المرهقة، تُختصر الكثير من الحيوات والتفاصيل والشخصيات القادمة من عوالم بعيدة لا يربط بينها وبينهم سوى شاشة تختزل لهم الدنيا في أفلام يبدو أغلبها ساذجاً، ولا يجاري متطلبات العصر وتحدياته. في أحياء مصرية مترامية الأطراف، وفي مقاهٍ يحيط بها الفقر، لن تلفت نظركم تلك المقاعد المتهالكة، ولا صوت الأكواب والأراجيل، ولا حتى حالة الصمت المفروضة على الجميع طوعاً، فقط تجدون أنفسكم مجبرين على التوقف وإيقاف عقارب الساعة، لتتابعوا هذا العالم المُختصر في شاشة وبضعة مقاعد وأناس لم يملوا متابعة أفلام هندية قديمة. هذه هي المقاهي الشعبية "الهندية"، كما يحلو لروادها تسميتها. الجديد القديم في مصر، تُسرق الأفلام الحديثة عبر الإنترنت وتعرض في قنوات غير مرخصة تعرف بقنوات "بير السلم"، والحجة دائماً: "السينما بقت غالية"، وهي الحجة أيضاً التي ساقت الكثيرين إلى تلك المقاهي لمتابعة الأفلام الهندية القديمة دون غيرها. يقول سامح عياد ابن محافظة أسيوط بصعيد مصر، والذي يعمل في ورشات البناء لرصيف22 إن أحد أصدقائه هو من عرفه على مقهى الحاج سيد، بمنطقة إمبابة بالقاهرة، وقد تحول المكان بمرور الوقت إلى سينما صغيرة لا تعرض سوى الأفلام الهندية القديمة بناء على طلب الجمهور.أقوال جاهزة شاركغردسمعة الأفلام الهندية تسبقها دائما، فالمصريين يسخرون من الأحداث غير المتوقعة في البلاد على أنها فيلم هندي شاركغردرغم أن المقهى لا يعرض سوى 20 فيلماً، زبائنه يشاهدونها كل يوم بشغف كبير وكأنها تُعرض لأول مرة ويعلق سامح: المقهى ملاذي الأول والأخير، فأنا أعمل طوال اليوم، وفي المساء أزور المقهى. والفيلم الجديد عنده يعود إلى الثمانينات أو التسعينات من القرن الماضي، ويعرض لأول مرة في المقهى. بالنسبة لسامح، الجديد: هو فيلم هندي يعود إلى الثمانينات أو التسعينات من القرن الماضي، غير أنه يعرض لأول مرة في المقهى.أكمل القراءة ثقافة الثورة الهندية علماً أن رواد تلك المقاهي لا يعرفون أي مصدر تثقيفي غير الأفلام الهندية. ورغم أن البيئة في مصر لا يستقيم معها أن تُصبغ بالصبغة الهندية، فإن إبراهيم القادم من محافظة المنوفية شمال القاهرة، ويعمل بائعاً جوالاً، يرى غير ذلك، فهو مقتنع بأن تلك الأفلام تعبر عن العمال والفلاحين، ويزيد: "هل رأيتم في الأفلام المصرية الحديثة بطلاً من أبناء الطبقات الشعبية ليس بلطجياً وابن سجون رغم أن الحقيقة ليست كذلك"؟ فى محافظة القليوبية، الملاصقة للقاهرة، وتحديداً في أحد أحياء شبرا الخيمة، لم يختلف الوضع كثيراً، فهناك، في مقهى الحاج رجب، يتوقف الزمن، وتبقى الحدود مغلقة، لا تعرف سوى الانفتاح على ثقافة واحدة من دون أي تجديد أو تغيير، فالولاء أولاً وأخيراً للفيلم الهندي. سمعة الأفلام الهندية تسبقها دائماً، حتى أن المصريين أنفسهم يسخرون من الأحداث غير المتوقعة في البلاد، ويختصرونها بأنها "فيلم هندي". لكن هناك منحى آخر لأفلام الهند عند عوض إسماعيل ابن محافظة كفر الشيخ شمال القاهرة، الذي يتفاخر بين رواد المقهى بأنه يحفظ الأفلام الهندية القديمة عن ظهر قلب. وإذا سألتموه عن بطل أي من تلك الأفلام تجدونه يتخطى مرحلة الإجابة المختصرة، ليسرد تاريخ الهند وأفلامها. يقول عوض لرصيف22: "حصلت على قسط وافر من التعليم، وأدمنت الأفلام الهندية. ومنذ أن افتُتح المقهى وأنا أزوره بصورة شبه يومية، فهنا أجد "الونس"، ومجموعة من الأفلام التي تمس القلب والوجدان، صحيح أن أغلب الناس الآن يفضلون الجديد، لكني أرى نفسي في تلك الأفلام التي يبقى أغلب أبطالها من البسطاء، "شبهنا"، أما الأفلام الهندية الحديثة، فجميعها تم تصويرها على الطريقة الهوليوودية، وهذا ما أفقدها خصوصيتها.هواية الـ3 جنيهات في قلب محافظة الجيزة، إذا كنتم تبحثون عن التسلية والإثارة بأسعار زهيدة، فاقصدوا مقهى "زكى شان"، كما يلقبه رواده، حيث يمكن الاستمتاع بفيلم كامل لمدة ثلاث أو أربع ساعات من دون أن تدفعوا أكثر من 3 جنيهات، وربما من هذا المنطلق يأتي سعد القفاص ابن بني سويف، إحدى محافظات الصعيد، من بيته الذي يبعد عن المقهى نحو كيلومترين كل يوم، لممارسة هوايته المفضلة وقتل الوقت. ولسبب مختلف، بدأ محمد جمال في التردد على المقهى، فهو مبهور بهذا العالم، إذ يتابع الجالسون من حوله حياتهم وأحلامهم ومشاكلهم مختصرةً في مشاهد، أما هو فجاء لمراقبتهم وقراءة ردود أفعالهم، خدمةً لرسالة الماجستير التي يعمل عليها. يقول: " لم أكن أعرف أن هناك أناساً يتشبثون بالماضي إلى هذه الدرجة، حتى أني أصبحت على يقين بأنهم خارج الزمن، يعيشون في بوتقة مغلقة، ويتابعون أعمالاً مكررة. يتابع جمال: "دراستي تقوم على تحليل وتشريح الانفعالات البشرية، ولم أجد أفضل من هؤلاء الذين يتابعون أعمالا هندية كلها قتل وعنف ودماء لدراسة انفعالاتهم عن بعد، وأعتقد أننا صرنا أصدقاء من كثرة ترددي على المقهى، غير أنهم لا يعرفون طبعا السبب الرئيسي خلف قدومي إلى هنا. أظن أنهم يرون أني كحالهم أحد مريدي الأفلام الهندية". مراقبة محمد لم تختلف كثيراً عن مراقبة صاحب المقهى لرواده، فهو دائماً يجد لذة في متابعة ردود أفعالهم المتقلبة، رغم أنه لا يعرض سوى 20 فيلماً، ما يعنى أن الأفلام تتكرر، وأنها لا تفاجئ زبائنه الذين يشاهدونها كل يوم بشغف كبير وكأنها تُعرض لأول مرة. يقول الحاج زكي: "أغلب زبائني من البسطاء الذين لا يجيدون القراءة ولا الكتابة، وجميعهم فقراء. ولأنهم محرمون من السينما، ولأن أسعارنا زهيدة ولا نطلب مالاً مقابل عرض الأفلام كما يحدث في المقاهي الأخرى، يتوافدون إلينا بكثرة، حتى أني اضطرت إلى زيادة المقاعد". يضيف: "الوضع هنا لا يتغير، الكل يرفض أي جديد ويعشق الأفلام القديمة. تحدثت مع عدد من الزبائن ووجدت أن لهم قصصاً مأساوية ربما تنافس في قسوتها ما يرونه هنا من أفلام وربما من هذا المنطلق يتعلقون بما نعرضه من أفلام رغم قدمها". اقرأ أيضاً"وعندك واحد على بوسطة"... لغة المقاهي الشعبية في مصرلماذا تطوّرت الهند في صناعة الدواء وفشلت مصر؟جولة على مقاهي القاهرة... دعكم من المشهور وجربوا هذه الأماكن الشعبية"سيب إيدي" و"ركبني المرجيحة"... عن ذلك الفن الوحش الذي يبتكره بير السلم كلمات مفتاحية أفلام هندية المقاهي الشعبية بوليوود التعليقات

مشاركة :