حارة اليهود المصرية صورة مصغرة لمتاجر السعودية بقلم: أميرة فكري

  • 11/30/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

حارة اليهود المصرية صورة مصغرة لمتاجر السعوديةتوفر حارة اليهود الواقعة وسط العاصمة المصرية القاهرة لكل الراغبين في التوجه إلى السعودية لأداء مناسك الحج أو العمرة، فرصة الحصول على هدايا شبيهة بما هو موجود بالمملكة للأقارب والجيران بأثمان مناسبة لقدراتهم الشرائية وتوفر لهم المزيد من الوقت للتفرغ للعبادة بدل عناء البحث والشراء.العرب أميرة فكري [نُشر في 2017/11/30، العدد: 10828، ص(20)]نسخ لبضائع السعودية القاهرة- علم محمد مصطفى (55 عاما) حين قرر اصطحاب زوجته لأداء العمرة بالسعودية مطلع شهر ديسمبر المقبل، ممن سبقوه من أقاربه في فريضة أداء الحج أو العمرة، أنه يتعين عليه الذهاب إلى حارة اليهود بوسط العاصمة المصرية القاهرة لشراء كل ما يلزمه في سفره. وتصطف في حارة اليهود، التي زارتها “العرب” متاجر بيع مستلزمات الحج والعمرة من ملابس للإحرام وسجاد وسِبح وعباءات للرجال والسيدات وحتى ماء زمزم، فهي صورة مصغّرة لمراكز بيع هذه السلع في كل من مكة والمدينة المنورة وجدة بالسعودية. وما كان يشكّل أزمة حقيقية بالنسبة إلى مصطفى، هي الهدايا التي يجلبها المعتمر عادة من المملكة لأقاربه وعائلته، فاهتدى عند زيارته للحي اليهودي إلى شرائها مبكرا بثمن زهيد وتخزينها في منزله على أن يقوم بتوزيعها عقب عودته على كل من يأتيه مهنئا، على أنه ابتعاها من السعودية. ومنذ عقود طويلة، أصبح أقارب الحاج أو المعتمر ينتظرون عودته من السعودية بشغف، للحصول منه على جزء من الهدايا التي يصطحبها معه من البقاع المقدسة، مثل السِبح وسجادات الصلاة والعباءات وماء زمزم وما إلى ذلك، وهو ما حاول مصطفى البحث عن حل له، كي لا يواجه معضلة خلال فترة العمرة ويشغله ذلك الأمر عن أداء المناسك. وقرر بعد إلحاح من أقاربه الذين سبق لهم شراء هذه المستلزمات من متاجر حارة اليهود، خوض التجربة بنفسه فسافر من محافظة الغربية (شمال القاهرة) مصطحبا معه زوجته مريم إلى حارة اليهود، وعند وصوله تفاجأ بأن كل ما كان ينوي شراءه من مكة المكرمة أو المدينة المنورة موجود منه نسخة طبق الأصل في هذه الحارة.المولد النبوي ينعش الإقبال على مستلزمات العمرة ووجد نفسه يشتري بحوالي 3 آلاف جنيه (170 دولارا) كل ما يلزم من سجادات للصلاة وسِبح وعباءات للرجال والسيدات من عائلته وجيرانه. وقال لـ”العرب” إنه كتب في ورقة صغيرة أسماء من يستحقون الحصول على هذه الهدايا، مؤكدا “انتهيت الآن من أزمة كبيرة.. كنت أتمنى رفع هذا العبء عنّي بأي شكل كي أتفرغ لمناسك العمرة وبالي مرتاح”. ولا يمتلك الرجل الخمسيني سوى مبلغ بسيط من المال، خصص منه جزءا لتكاليف الطيران والإقامة بالسعودية وبعض النفقات الشخصية الأخرى، والجزء المتبقي يريد أن يسعد به الأبناء والأقارب وشراء بعض الهدايا والاحتياجات التي طالما عرف مدى قيمة شرائها من الأسواق في السعودية. صحيح أن مثل هذه السلع تبدو موجودة في أماكن متفرقة في المحافظات وحتى القاهرة نفسها، لكنها تباع في متاجر عامة، أي أنها جزء من تكوين بضائع المتجر، بينما تظل حارة اليهود هي مركز توزيع مستلزمات الحج والعمرة على مختلف المتاجر المصرية. هدايا الحاج تتميز حارة اليهود، إلى جانب كونها سوقا لتجارة ألعاب الأطفال ومستلزمات العرائس والتحف والملابس بمختلف أنواعها، بأنها تحتضن أهم المتاجر المتخصصة في استيراد وبيع مستلزمات الحج والعمرة دون استثناء. وتمثل هذه الفترة، بمناسبة عمرة المولد النبوي الشريف، فرصة لتحقيق المزيد من المكاسب، وتشهد حركة البيع نموا ملحوظا بعدما تحوّلت إلى مقصد مهم لعدد كبير من الراغبين في أداء العمرة.التجار المصريون يقدمون تخفيضات تناسب ميزانية الحجاج وتشكّل الهدايا التي يصطحبها الحاج أو المعتمر من السعودية معضلة كبيرة، لعدة أسباب، من بينها أنها تأخذ جزءا ليس بالقليل من وقته حتى ينتهي منها، فضلا عن ارتفاع أسعارها بالمملكة مقارنة بمثيلتها في منطقة تجارية على غرار حارة اليهود بمصر، إضافة إلى إمكانية تعرض الحاج أو المعتمر لغرامة مالية كبيرة في المطارات لتجاوزه الوزن المحدد له داخل الحقائب التي يصطحبها معه بالطائرة، وهو 46 كيلوغراما موزعة على حقيبتين فقط، مع حقيبة صغيرة في يده. وواجه عبدالحميد رشوان وزوجته خديجة معضلة فكرا فيها عند دخولهما المتجر بهدف شراء نفس المستلزمات، وهي كيف سيقومان بحبك قصة تنطلي على من يتلقون الهدايا ليقتنعوا أنها فعلا قادمة من الحجاز (السعودية). وقرر الرجل وزوجته تغليف ما سيقومان بشرائه من سلع لتبدو كأنها من السعودية وليست من متجر مصري، مع الحرص على أن تكون الهدايا مطابقة تماما لما هو موجود في مكة والمدينة المنورة، وساعدهما صاحب المتجر في تغليفها ووضعها في حقائب، حتى لا تظهر من أيّ بلد جلبت هذه السلعة. وبرر الزوجان هذا الأمر بأن الأهل والأقارب يتعاملون مع أيّ هديّة تصل إليهم من السعودية بالمزيد من التبرُّك والاعتزاز لكونها جاءت من البقاع المقدسة، وبالتالي لا يمكن أن يعرفوا بأنه تم شراؤها من حارة اليهود، فالاسم وحده كفيل برفض قبولها. وبرر رشوان قائلا لـ”العرب” “هذا ليس تزييفا لكنه حيلة إيجابية ونبيلة لأنه لا يملك الإمكانيات الماديّة التي تساعده على شراء أي شيء من السعودية فضلا عن انخفاض الأسعار في مصر”. ويدرك عماد محمد، الذي ورث أحد أقدم متاجر مستلزمات الحج والعمرة عن والده في حارة اليهود، أن ارتباط المكان بالديانة اليهودية يجعل البعض لا يؤمن بفكرة المجيء لشراء احتياجاته قبل الذهاب إلى السعودية، لوجود تناقض في الهوية الدينية. وأوضح أنه يتم التغلب على ذلك من خلال الإعلانات على صفحات التواصل الاجتماعي والتعاقد مع أشخاص لتسويق المنتجات بالمحافظات المختلفة وتصدر أجزاء كبيرة من المنتجات من حارة اليهود ويتم بيعها خارجها. وعلى الرغم من التصاق الحارة باليهودية، إلا أنها تشكل جزءا من التاريخ المصري، وكانت عبر المئات من السنين معقلا لليهود، عاشوا فيها بسلام ومارسوا الشعائر الدينية في المعابد اليهودية القريبة منها، وتخصص سكانها في حرف بعينها، مثل صياغة الذهب وطلاء المعادن النحاسية والحديدية وصناعة وقود الجاز، وكان يسكنها نحو 150 ألف يهودي إلى أن أصبحت شبه خالية من وجودهم، حسب كلام أصحاب المتاجر هناك، ولم يبق منهم غير الاسم.كسب الزبون وتتشكل حارة اليهود من ممرات طويلة ومتعرجة، تضم حوالي 360 زقاقا وحارة وجميعها مكدسة بالمحال التجارية، ومن الصعب أن يجد فيها الزائر موضع قدم، خاصة خلال الفترات الموسمية مثل الحج والعمرة وقدوم فصل الصيف والشتاء، وبدء العام الدراسي لشراء الملابس، والميزة أن كل شوارعها تقود إلى بعضها. تلاحم الديانات الثلاث تعد حارة اليهود من المناطق القليلة في القاهرة التي عرف عنها أنها احتضنت أبناء الديانات السماوية الثلاث؛ اليهودية والمسيحية والإسلامية، فهناك تبدو المعابد اليهودية ملاصقة للمساجد، فضلا عن وجود شارع بأكمله يحمل اسم درب الكنيسة. وتتميز حارة اليهود بموقعها الجغرافي الفريد في قلب القاهرة، وتحديدا في منطقة الموسكي بين منطقتي القاهرة الإسلامية والقاهرة الخديوية، ويمكن الوصول إليها من كل مكان في العاصمة، وتنتهي حدودها مع بدايات شارع الأزهر الذي يحتضن المسجد الأزهر، وهناك طريق يؤدي إلى مسجد الحسين، وتلك المنطقة تمثل إحدى أشهر المناطق التجارية في وسط القاهرة وأكثرها ازدحاما. وعلى الرغم من أن بعض شوارع الحارة قد لا تتجاوز المتر الواحد، ولا تسع لمرور أكثر من بضعة أشخاص، إلا أن التجار استغلوا كل متر فيها في تأسيس المحال التجارية، وأصبحت تحتضن ما يقرب من 5 آلاف محل تجاري بينها 100 لبيع لوازم الحج والعمرة، أقلها مساحة لا يزيد عن مترين وأكثرها لا يتجاوز 10 أمتار، والسائد أن المحل مكان ضيق للغاية لا يسع إلا لوقوف بائعين معا. وهذا التكدس للمحال التجارية التي تعرض مختلف السلع، لم يمنع التوسع في تجارة مستلزمات الحج والعمرة التي أصبحت سمة غالبة عليها، لعدة أسباب، منها أنها أصبحت محط أنظار الكثير ممن يريدون الذهاب للبقاع المقدسة، وانخفاض قيمة السلع الموجودة بها عن مثيلتها في السعودية، خاصة بعد تراجع قيمة الجنيه المصري. ويقف شعبان حسين في مساحة لا تزيد عن مترين، ليعرض سجادة صلاة لا يتجاوز سعرها الـ50 جنيها لإحدى السيدات لإقناعها بخامتها الجيّدة، وبالفعل اشترت 500 سجادة ومجموعة كبيرة من السِبح، حتى أنه عرض عليها شراء ماء زمزم، حيث يتوافر لديه كل ما يتواجد في البقاع المقدسة، كي تتفرغ للعبادة فقط. ويهيئ لمن يقصد المحل الذي يمتلكه حسين، للوهلة الأولى، أن هذه المساحة الصغيرة لا توجد بها سوى بضاعة قليلة لا تزيد قيمتها عن بضعة آلاف من الجنيهات، لكن في المقابل ينظر إلى المحل على أنه مجرد مكان يعرض فيه صاحبه جزءا من بضاعته التي تصل قيمتها إلى مليون جنيه موجودة في مخزن ضخم داخل بناية مجاورة.حارة اليهود تحتضن أهم المتاجر المتخصصة في استيراد وبيع مستلزمات الحج والعمرة وقال حسين لـ”العرب” “أنا بالأساس مستورد وأقوم بتوريد السلع إلى مختلف المحافظات عبر شركات الشحن، وهذا المكان الصغير نسخة مصغّرة لشركتي.. هكذا هو طابع حارة اليهود بكل محالها التجارية على مختلف السلع الموجودة فيها”. وتتراوح نسبة انخفاض أسعار السلع بمحال حارة اليهود عن مثيلاتها في السعودية نحو 40 إلى 50 بالمئة، والميزة أن تجارها لا يلجأون إلى رفع السعر في مواسم العمرة أو الحج حتى لا يعزف الناس عن الشراء أو يشعروا بأن هناك نوعا من الاستغلال لهم. وشاهدت “العرب” وجود مرونة ملحوظة من جانب أصحاب متاجر مستلزمات الحج والعمرة في عملية البيع ويتعاملون بسياسة “ابن البلد” مع المشترين، وهذا ما يبرره حسين بأنه “نوع مهم للدعاية، فعندما أتعامل بسلاسة وأقدر الظروف المالية للمشتري سوف يتحدث لأقاربه وأصدقائه عنّي وعن تجار حارة اليهود عموما، وهذا يدر مكسبا كبيرا في أوقات لاحقة”. وتأتي أغلبية مستلزمات الحج والعمرة بهذه الحارة من تركيا والصين، وأسعارها تختلف حسب خامتها وتكوينها، فمثلا هناك سجادة للصلاة لا يتجاوز سعرها دولارا واحدا، وأخرى بمئتي دولار مصنوعة من فرو الحيوانات، وهذه لا يشتريها سوى أصحاب الدخول المرتفعة. ولا يقتصر زبائن حارة اليهود على الطبقة المتوسطة من المصريين فحسب، حيث أفاد أحمد شوقي، الذي يمتلك محلا ضخما لبيع مستلزمات الحج والعمرة “هناك أشخاص من جنسيات مختلفة يعيشون في مصر يأتون إلى حارة اليهود، ونتعامل معهم على أنهم مصريون، فهناك مبدأ سائد بالحارة لا يتغير بين محل وآخر، وهو الحصول على هامش ربح لا يتعدى الـ10 بالمئة مهما كانت القدرات المالية للمشتري أو جنسيته”. وأضاف لـ”العرب” “أهم ميزة في محال حارة اليهود أنه بإمكان الحاج أو المعتمر استرجاع البضاعة مرة أخرى والحصول على ما دفعه من أموال، حسب قانون حماية المستهلك المصري الذي يفرض على صاحب المحل منح المشتري جميع أمواله خلال 14 يوما إذا تراجع عن البيع”. تصوير: حمـد حسنين

مشاركة :