الأسبوع الذي مضى زار البابا فرانسيس زعيم النصارى الكاثوليك ميانمار (بورما) ذات النظام الحاكم المجرم، (الممارس لعنصرية بغيضة حاقدة موغلة في الكراهية والتطهير العرقي)، وتوقَّع المراقبون منه كلمة حق في شأن المسلمين الروهينجا الذين يُبادون بالألوف ويُشرَّدون ويُهجَّرون قسرًا بمئات الألوف على مرأى من العالم الذي لا يرفع إلاّ أصواتًا خافتة هزيلة لا توقف إبادة ولا تمنع تشريدًا ولا تهجيرًا.لكن البابا التزم الصمت حيال الكارثة الإنسانية الكبيرة، ولم يجرؤ على ذكر كلمة (روهينجا) في خطابه على الملأ، بل تحدث عن عموميات، وطالب بنشر السلام واحترام حق الأقليات ومعاملة المواطنين بعدالة ومساواة. هذا هو البابا نفسه الذي شجب إبادة إخوانه الروهينجا قبل 3 أشهر في كلمة له في الفاتيكان. وهو الذي أدان المجزرة التركية (المزعومة) في حق الأرمن قبل أكثر من قرن مضى، وهو الذي اعتذر عن صمت قادة الكنيسة الكاثوليكية عن التصفيات العرقية التي طالت مئات الألوف في رواندا الإفريقية.يوم الثلاثاء الماضي انتظر العالم تنديدًا صريحًا بالذي يجري في الدولة البوذية التي تُعد من أشد الناس عداوة للذين آمنوا سواء بسواء مع اليهود (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا).والذين برروا هفوة البابا محسنين الظن به، أرجعوا قراره المتخاذل إلى القساوسة المحليين الذين زعموا أن كلمة الحق في المضطهدين المسلمين ستُلحق بهم المسيحيين الكاثوليكيين الذين يبلغ عددهم قرابة 700 ألف نسمة، فالجيش الذي يحكم فعليًا دون العجوز داو أونج سان سوشي المختارة ديمقراطيًا، وربما شكليًا.لكن ما هكذا تُورد الإبل، ولا هكذا تتربع القيادات الحقيقية على عروشها. ولذا يصف أحد الباحثين في معهد بروكنج الشهير خطاب البابا بأنه (فاتر)، وأن صمت البابا يدل على شدة الوضع المأساوي لأقلية الروهينجا المسلمة.صحيح أن كلام البابا مهما اشتد وغلظ لن يؤخر أو يقدم في عالم يفيض ظلمًا وجورًا وانتكاسًا، لكن الصحيح أيضًا هو أنه في خضم الموازنات السياسية تضيع أقوى وأجمل المبادئ الإنسانية.
مشاركة :