التحول السعودي الأخير أفقد إيران توازنها فهي لا تعرف ماذا تفعل؟ هل تستمر في سياستها الدينية التي تنشر الخرافات، بينما تترك للمملكة قيادة الحداثة والتنوير؟ هذا موقع محرج بالنسبة لأمة ذات حضارة عريقة كإيران.العرب أسعد البصري [نُشر في 2017/12/01، العدد: 10829، ص(8)] إذا عدنا إلى التاريخ نرى أن الدولة السعودية بدأت عام 1745 بما يسمى “ميثاق الدرعية” حيث اتفق حاكم الدرعية محمد بن سعود مع الشيخ محمد بن عبدالوهاب على أن يكون المبرر للغزوات هو الإصلاح الديني والدعوة. ومنذ ذلك الحين بقيت السعودية عبارة عن دعوة وهابية. هذا كان مبررها الشرعي حتى وصول الأمير محمد بن سلمان صاحب المشروع التنويري مؤخرا. فليس صحيحا أن الثقافة المتطرفة بدأت عام 1979. فالملك المؤسس للدولة السعودية الثالثة عبدالعزيز بن سعود أسس فرقا وهابية كاملة من القبائل أسكنها في “الهجر” وأطلق عليها إخوان مَن أطاع الله. تتلقى العطاء من الملك وكانت تقاتل باسم الجهاد. قوات ضاربة بلغ عددها 70 ألف مقاتل هي التي وحدت المملكة وضمت الحجاز لآل سعود، وبعدها تم التخلص من هذه القوات. فقد حرص الإنكليز على تحطيم هذه القوات وقد هزمها الملك المؤسس بأسلحة حديثة في معركة شهيرة هي معركة السبلة عام 1929 فهي قوات جهادية رفضت الحدود والتوقف عن الغزوات والجهاد. ومنذ ذلك الحين بقيت المملكة تستمد الشرعية من تحالف آل سعود وآل الشيخ. ذلك التحالف التاريخي الذي يسلط الضوء عليه اليوم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، فعنده مشروع لمملكة جديدة قائمة على عقد اجتماعي معاصر خارج النسب والولاء الديني. الأمير محمد بن سلمان عزل واعتقل أهم وأقوى الأمراء وهم أبناء عمومته، وقال علنا إن فساد العائلة يكلف المملكة من عشرة إلى ثلاثين بالمئة من ميزانية الدولة. الأمراء مواطنون عليهم العمل كباقي المـواطنين وعدم توقع معاملة خاصة أو حصص من النفط. بدأت المشكلة بين الوهابية وآل سعود منذ تحرير الكويت عام 1991 حيث تمرد أسامة بن لادن العـائد بطلا منتصرا مـن حرب أفغانستان بسبب استعانة المملكة بقوات أجنبية لتحرير الكويت من الغزو العراقي. صار الوهابيون يقولون إن علاقة آل سعود بأميركا قد ذهبت بعيدا وفيها خروج عن الشرع والفكر الوهابي، وبقيت السعودية حائرة فكيف تقنع السعوديين بأن هذا التحالف السياسي براغماتي وأفضل للمملكة؟ لا تستطيع السعودية السماح للسلفيين ببناء دولة داخل السعودية لتثبت لهم جهارا نهارا بالتجربة أن دولة إسلامية سلفية جهادية ستكون فاشلة ولا أمل لها بالحياة. وستكون معادية للغرب بل سيكون عقاب الغرب لها مخيفا. لهذا كانت تجربة داعش في الموصل التي حدثت بالمصادفة درسا جيدا ليرى السعوديون بعيونهم التي سيأكلها التراب مصير مدنهم لو حكمها السلفيون. وكانت تجربة طالت ثلاث سنوات ليستقر الوعي والضمير على فشلها. كانت مدينة الموصل الكبيرة والتاريخية تعتبر مثالا جيدا لهذا الدرس، ورأى السعوديون مصير المدينة المأساوي حتى عرفوا قيمة حكمة عند حكومتهم ونبذوا السلفيين والمشايخ، حتى صاروا مستعدين تماما لتجربة عالمية إصلاحية كبرى يقودها الأمير محمد بن سلمان لتحويلهم من دولة وهابية إلى دولة قانون عصرية. المواطن السعودي عاش زمانا طويلا وهو يظن بأنه صاحب رسالة للعالم. الدولة الجديدة ستغير هذه الرسالة من الدعوة إلى الإسلام، إلى الدعوة إلى المواطنة والثقافة العصرية. لدى الدولة علاقات وأموال تكفي لنجاح هذه التجربة. أهل الموصل كانوا تجربة حزينة، لكن عزاءهم الوحيد أن دماء صغيراتهم لم تذهب هدرا فالمنطقة كلها قد اتعظت وفهمت الدرس. مثال على ذلك مسألة حقوق المرأة في السعودية مع دعم الدولة يمكن أن تقضي على قيم القبائل القائمة على اضطهاد النساء. لدخول المدنية تحتاج شعبا ولا يمكن الاكتفاء بالقبائل، فلا يمكن تحطيم القبيلة إلا بالمرأة. قوانين حماية المرأة وتحريرها ستحطم التقاليد البالية وتعيد تعريف العلاقة بالقبيلة. وهذه مشكلة السعودية الأساسية في صراعها مع إيران وتركيا لأنهما في النهاية شعبان متحضران. كيف يمكن التنافس معهما بالقبائل؟ من المعروف أن السلفية وداعش وغيرهما لهما إسلام قبائل “بيعة قبائل”، بينما إيران وتركيا حتى في إسلامهما هو إسلام شعوب وهذه مشكلة. فهي شعوب أكثر تمدنا حتى لو كان نظامها إسلاميا. بينما القبائل حتى لو حكمها نظامهما علماني تبقى بعيدة عن المدنية. لهذا السبب فإن الديمقراطية لا تخدم المملكة اليوم. كيف تعطي الدولة القبائل حق التعبير، وهي تريد إعادة خلق مجتمع جديد بمشروع طموح وتحويله إلى شعب متمدن؟ التحول السعودي الأخير أفقد إيران توازنها فهي لا تعرف ماذا تفعل؟ هل تستمر في سياستها الدينية التي تنشر الخرافات، بينما تترك للمملكة قيادة الحداثة والتنوير؟ هذا موقع محرج بالنسبة لأمة ذات حضارة عريقة كإيران. لهذا خرج الرئيس الإيراني روحاني منزعجا مؤخرا وقال إن السعودية تصور إيران عدوا لأنها تريد التغطية على هزائمها في المنطقة. ونقل التلفزيون الرسمي عنه قوله “فشلت السعودية في قطر، وفشلت في العراق وفي سوريا ومؤخرا في لبنان. فشلت في كل تلك المناطق”. وأضاف “لذلك تريد التغطية على هزائمها”. كان هذا ردا على تصريح شجاع للأمير محمد بن سلمان وصف فيه المرشد خامنئي بـ”هتلر جديد في المنطقة” وينبغي عدم التهاون معه. الجميع يعرف بأن طهران في ورطة فهي تتعامل مع سعودية جديدة تختلف عن السعودية الوهابية. وعليها التصرف بشكل جديد واتباع سياسة مختلفة وهذا مصدر قلق وإحراج إيرانيين. فالسياسة العقائدية لإيران تحد من خياراتها ولا تستطيع مواجهة سعودية بهذه الحيوية والقدرة على المفاجأة. كاتب عراقيأسعد البصري
مشاركة :