الرفاه قد يفرّق بين العرب ويشجع إيران وتركيا بقلم: أسعد البصري

  • 1/7/2018
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

الإيرانيون يريدون إصلاحات لكن الشعب لا يثق بأميركا، فقد رأوا مصير العراق وسوريا وغيرهما ولا أحد منهم يريد أن يرى مصير شيراز كمصير حلب ولا مصير طهران كمصير الموصل.العرب أسعد البصري [نُشر في 2018/01/07، العدد: 10862، ص(5)] تقول المؤرخة الإنكليزية تفاني سميث إن الحزن كان شعورا محترما في القرن السابع عشر بينما اليوم نرى الشعوب تقدر السعادة والرفاه أكثر، وصار الاكتئاب مرضا اجتماعيا منفرا. المشكلة أنها لا تذكر السبب، فهي تقدم النتيجة دون تقديم تفسير وكأن الإنسان قد تغير جوهريا لمجرد التقدم التكنولوجي وهذا غير صحيح. كان العالم في القرون الوسطى يحتاج إلى عبيد وفلاحين معدمين حيث يقوم الإقطاع باستغلالهم في الزراعة قبل ظهور الآلات الحديثة. ثروات الأغنياء كانت قائمة على العضلات البشرية وشقاء الإنسان لهذا لم يكن لائقا أن يُظهر الأغنياء سعادتهم فتراهم يتظاهرون بالورع الديني والبكاء على المسيح. إن احترام الحزن يأتي من تحقير الدنيا في التراتيل الدينية الحزينة وتمجيد الحياة الأبدية بعد الموت حيث تشجّع المؤسسة الدينية المتحالفة مع الأثرياء هؤلاء الفقراء على احتمال الشقاء والاعتياد عليه بلا مشاعر غضب أو ثورة ضد النظام. كان الغني يخفي سعادته ويتظاهر بالحزن ولكن حين انفجرت الآلات والتكنولوجيا صار الأثرياء في غنى عن كتمان مشاعرهم الحقيقية، فلم تعد هناك حاجة للرق والاضطهاد وهكذا انتفت الحاجة إلى الحزن الديني النبيل. صار الغني يظهر ثراءه وسعادته وعلى الفقير كتمان مشاعره الحقيقية فهو مواطن حر وعليه تقبّل كونه محدود الدخل. أي أن العهد الجديد للقيم الذي انتشر منذ القرن العشرين والذي تنبّأ به الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه هو خاضع للتحليل الماركسي. العهد الجديد النيتشوي هو التخلص من سلطة الدين وسيطرة أخلاق جديدة هي أخلاق الأقوياء. لكن في هذا مشكلة. فطالما هناك شعوب فقيرة فهي تحتاج إلى قيم أخرى تناسبها كرسالة وأيديولوجيا. ولهذا نرى النموذج الصيني والنموذج الروسي. فهو للحفاظ على دول تعيش ظروفا اقتصادية مختلفة. حتى في الشرق الأوسط فإن قيم الأغنياء والسعادة كانت السبب في اندلاع ثورة عملاقة في إيران مثلا. فالإيرانيون رأوا أن الدين عزاء للفقراء ومؤسسة قديمة يمكنها مواجهة التاج بالعمامة وتحقيق تغير سياسي ولكنهم أعادوا تفسير الدين بطريقة ماركسية. أي أن التشيّع الإيراني أو ما يسمّى ولاية الفقيه يختلف عن التشيع التقليدي القادم من القرون الوسطى. إنه يقترح أن يكون هناك نموذج من التواضع وعدم إظهار الثراء ومباهج الحياة لتحقيق هدف سياسي هو الاستقلال العسكري والاقتصادي في نهاية المطاف. الإيرانيون في ذلك الحين رأوا في مقاومة الغرب منفعة وطنية على المدى البعيد لبلادهم بينما كان الشاه حاكما بنموذج غربي يؤذي المشاعر ويهدّد الهوية ويعمق الهوة بين الطبقات. لم يكن هناك حصار على الشاه ولا عقوبات غير أن الدولة ينخرها الفساد ويتسع الفقر وتزداد النقمة. العرب يمجدون الترفيه اليوم على اعتبار أنه يخلّصهم من الحماسة الدينية وهذا يناسب الدول الغنية فقط، بينما العرب الفقراء لن يستطيعوا اللحاق بهم وستعزل السعادة بين العرب. وهذا قد يؤدي إلى انتشار إيران المعزولة حاليا بالكراهية القومية والمذهبية في محيطها وبالعقوبات الاقتصادية في داخلها. العرب يستشعرون الخطر الإيراني اليوم ولكنهم لا يستطيعون سحب العراق مقابل لا شيء. الإشكالية التي يعاني منها تحالف الدولة العراقية مع إيران هي بطبيعتها حادة. فالثورة الإيرانية انفجرت لأجل الاستقلال السياسي والكرامة الوطنية بينما القادة الشيعة الذين يحكمون العراق اليوم جاؤوا إلى الحكم باحتلال أميركي. ونسمع عن حالات فساد كبيرة لدى القادة العراقيين. والإشكالية الأخرى لم تكن لدى الشيعة مواهب إدارية كبيرة في البداية وانسحاب السنة من العملية السياسية جعل الدولة الوليدة تستعين بإيران وتعتمد عليها. هنا يظهر السباق مع الزمن في المنطقة، فبينما يسعى العرب إلى كسب الشيعة في العراق تسعى إيران إلى تقديم إجابات مقنعة للسنّة وكسبهم لمنع الاحتراب الطائفي، فلم تعد إيران بحاجة لصراع من هذا النوع. عربيا هناك أزمة هوّية عميقة. فمنذ القرن العشرين اتجه النموذج الهاشمي نحو العروبة والحلم القومي وهذا المفهوم تطور إلى نماذج مأساوية كصدام حسين ومعمر القذافي، واتجهت السعودية نحو النموذج الإسلامي السلفي وهذا تطور إلى نماذج مأساوية ودفع إلى إعلان دولة سعودية حديثة شبه علمانية، فالسعودية تغيّرت. من الطبيعي في هذه الظروف أن تنتشر مشاريع إقليمية غير عربية كالنموذج الإيراني والتركي، فهي وإن كانت توسعية في جوهرها غير أنها في الحقيقة كشفت عن كفاءة إدارية وسياسية. إن الإعلاء من شأن الترفيه والسعادة ومباهج الحياة عربيا لجذب الشباب نحو الرفاه وتحويلهم عن الفكر الديني المتطرف قد يصطدم بشعوب عربية تعاني من مأساة إنسانية وحروب طاحنة وتهجير. كيف لشعوب مجروحة وتعيش في المخيّمات أن تلحق بفلسفة السعادة؟ ربما تدخل إيران وتركيا من هذا الباب وتعرضان نسختيهما عن الإسلام وتكسبان الشعوب سياسيا. المنطقة في ورطة سياسية فهناك خوف من التغيير بعد أن رأت الشعوب نتيجة الربيع العربي وصعود التطرف. وكما فشل الانقلاب التركي منتصف عام 2016 فشلت الاحتجاجات الليلية الأخيرة في إيران، ورد عليها مناصرو النظام بمظاهرات أضخم في وضح النهار. الإيرانيون يريدون إصلاحات وحياة أفضل لكن الشعب لا يثق بأميركا، فقد رأوا مصير العراق وسوريا وغيرهما ولا أحد منهم يريد أن يرى مصير شيراز كمصير حلب ولا مصير طهران كمصير الموصل. إذا كان العرب يفكرون بطريقة لوقف النفوذ الإيراني فعليهم التركيز على التعاطف الحقيقي مع العراق وسوريا والمساعدات الإنسانية، فهذه شعوب مجروحة ومشرّدة بالحروب وغير مستعدة لفلسفة السعادة والرفاه. كاتب عراقيأسعد البصري

مشاركة :