عندما أثبت جاليليو ما قاله كوبرنيكس في التلسكوب والرياضيات، ثارت الدنيا عليه والكنائس قرعت أجراسها، إعلاناً بتهيئة محرقة للمارق الزنديق، ومن فوره وقعّ جاليليو بياناً يقول فيه إنه آثم ويطلب المغفرة، وإن الأرض لا تدور حول الشمس، ولكن رأسه هو الذي يدور من الصداع والخوف، وبذلك أنقذ جاليليو رأسه من الحرق على اعتبار أنه إنسان أيضا يخشى ما نخشاه ويخاف مما نخاف...الموت، وفيما بعد كان البعض يرى أن نكوص جاليليو عن رأيه تحت تأثير ما تعرض له في محاكم التفتيش له تبريره، لكي ينجو برأسه المليء بالحقيقة، بينما كان رأي البعض الآخر أن هذا النكوص شكلّ ضربة وهزيمة للعلم، حيث كان عليه أن يفقد رأسه المليء بالحقيقة لكي تنتشر أسرع. ولكن ورغم كل ما قيل ويقال فقد قيل إن جاليليو بعدما قال للكنيسة ما تريد سماعه، تمتم بعد ذلك قائلا: «... ومع ذلك فإنها تدور»! السلام عليك يا رسول الله... نتعرض اليوم لهجمة شرسة، حيث تكالبت علينا الأمم وهي تطلب منا ألا نشابهك، وألا نسير في الطريق نفسه الذي سرت فيه، يريدون أن يجن علينا الليل في عز النهار، وأن نضع عيونهم في وسط رؤوسنا لنبصر بها، وأن ننسى أنك كنت بيننا يوماً، وأن نصبح مستهلكين باحثين عن الترفيه وننسى دورنا وعهدنا كهدهد نسي نفسه فتم وضعه في قفص للدواجن! وأحاطت بنا آثامنا فواجهتنا، وسقطنا في فخ ماض لم يعد موجوداً، ومستقبل لم يوجد بعد، ما بين ذكريات حضارة إسلامية عظيمة وما بين مشاريع لإنشاء دولة إسلامية قوية...بين الحنين وبين الأمل... وفي هذا الما بين كان الفخ الذي أفقدنا حاضرنا... حاضرنا الذي كان ينبغي أن يشابه حاضرك، وحاضرك كان علاقة يومية بالله من الاستيقاظ وحتى النوم تمارس خلالها التوحيد عبر كل ما يقابلك... وتنام عيناك ولا ينام قلبك. ونحن اليوم متفرقون ومتحزبون على عجل له خوار يصدر ضجيجاً يجعلنا لا نسمع صوت المنادي الذي أخبرتنا به يوماً ورسمته لنا على الرمال. وعندما غاب المنادي أصبحنا نطلق الرصاص الحي في الجسد الميت، ونطلق الرصاص إعلاناً ببدء الثورة، ونطلق الرصاص إعلاناً بانتصار الثورة...ثورة جميع من فيها مهزوم... صاحب مصنع الرصاص فقط هو الفائز الوحيد! ولكي ننجو حمل البعض خطاباً صوفياً لم يكن نصيبه من الحق إلا أسماء الدراويش وخرقهم أو شعراً وتغريدات وروايات لا تربي، وحمل البعض الآخر خطاباً سلفياً خلط بين التاريخ والدين وبين الشخصيات والأفعال، وحمل البعض خطاباً إخوانياً كان ديموقراطياً أكثر من أميركا على الشاشة واستبدادياً أكثر من موسوليني داخل الجماعة، وطوّر البعض خطاباً تجديدياً آخر ما توصل إليه هو مناقشة هل الحجاب عادة أم عبادة؟ ليغرر ببناتنا فينزعن سترهن. وأطلق البعض خطاباً جهادياً لم يطلق رصاصة إلا في صدورنا نحن، واجتهدوا في صناعة أدبيات تحث على ذلك! وظهرت تيارات وأحزاب ورايات حمراء وخضراء... وكل هؤلاء لم يستطيعوا ولو بالكلمة أن يقفوا في وجه الشيطان الذي وعد بأن يضللنا ويمنينا ويجعلنا نغير خلق الله، حتى أصبحنا أمة منفوخة على مستوى الخطاب وعلى مستوى الجسد، لنكتشف أنه يعدنا ويمنينا وما يعدنا إلا غرورا، حتى أن هزائمنا يمكن حصرها في مقال. صحيح أن إمكانية الكلمة في كونها تكشف الحقيقة ولكنها أيضا كإمكانية تستطيع أن تخفيها، وكثير من الكلمات حولنا اليوم تريد أن تطفئ ذلك النور الذي تفجر مع مولدك. السلام عليك يا حبيبي يا نبي الله... يعترينا الخجل ونظل حائرين ونختفي بين الجموع، وتشتعل النار في صدورنا وتظهر أثارها في ملامحنا عندما نلاحظ كم ابتعدنا عنك... فمن منا كإبراهيم الخليل لكي يدخل نار النمرود ويخرج منها أقوى مما كان. في كل مرة نخرج أضعف مما كنا...ولكننا مازلنا نحبك. ربما لم ينقصني الذوق في هذه الرسالة بقدر ما كان تنقصني القدرة على إيجاد كلمات مناسبة للتعبير عما يجول في خاطري وأنا أشكو لك ضعفنا وهواننا على أنفسنا... فالله يعلم بالنوايا ويصلح أعمال الضعيف. كل عام والأمة الإسلامية بخير بمناسبة مولد من أرسله الله رحمة للعالمين... وكل عام ونحن نهمس في أنفسنا بين محاكم التفتيش العالمية التي تطلب منا أن نغير مناهجنا واستراتيجياتنا وهويتنا فنوافق ونهمس قائلين «....ومع ذلك فأنت أجمل ما فينا يا رسول الله». كاتب كويتي moh1alatwan @
مشاركة :