< يبدو أن الطرق الشابة لم تعد تتسع لعجلات حافلات «خط البلدة» المسنّة، التي ظلت بلونيها الأحمر والأزرق، والأحمر والأخضر رمزاً عتيقاً يمشط شوارع مدينتي جدة والرياض سنوات طوال، بسائق «سعودي» وراكب «أجنبي»، مسهمة بشكل فعال في نقل العمالة الوافدة من أدنى المدن إلى أقصاها بقيمة رمزية تراوح ما بين الريالين وثلاثة الريالات في عزّ «غلاء المعيشة» الضارب، وعلى رغم ما يعانيه ركابها من انتظار طويل، ومحطة «رصيفية» ارتجالية، وضيق مساحتها الداخلية، وتلف كراسيها الجلدية، والحرارة الحارقة، والازدحام داخلها، فإنه لا تكاد تمر حافلة من دون أن تراها تمتلئ بالركاب الذين لا ناقل لهم سواها. وأصبح منظر حافلة «خط البلدة» مألوفاً للعين، في شكلها المتهالك بطرازاتها القديمة على الطرق وسط السيارات الحديثة، محملة بركابها «البسطاء» الذين ينتمي غالبيتهم إلى الجنسيات الآسيوية، متنقلين بين محطات هذه الحافلات للوصول إلى وجهتهم بمبلغها الزهيد. وخلال أكثر من 40 عاماً بقيت هذه الحافلات (نحو 3000 حافلة) على وضعها الأساسي من دون حراك أو حتى محاولة إزاحتها من المشهد، بعد إسهام قرار مجلس الوزراء رقم 64، الذي منع ملكية هذه الحافلات بعدم إصدار أي تراخيص أخرى لها. وعلى رغم صدور هذا القرار عام 1415هـ، ومنع هؤلاء السائقين من نقل ملكية الحافلة إلى أي شخص آخر إلا في حال وفاة السائق أو عدم قدرته على إدارة المركبة، فإن السائق الجديد يستطيع أن يحصل على بطاقة تشغيل من الورثة آنذاك، وبقيت صامدة وما زالت تقدم خدماتها حتى صدور قرار إحالتها إلى الخضوع لمشرط «الجراح» منذ أيام. فقد باتت على مشارف «تنظيم جديد» يتواءم مع خطة التطور السريعة، التي تمر بها المملكة، وحظي قرار مجلس الوزراء بالموافقة على التنظيم الجديد لحافلات «خط البلدة»، ومعالجة الوضع الراهن للحافلات الأهلية المعروفة باسم «خط البلدة» في ثلاث مدن كبيرة، كالرياض وجدة والمدينة المنوّرة، وسينعكس التنظيم على مُلاك هذه الحافلات بوجود خيارات مالية ووظيفية بديلة مناسبة. واستمر سائقوها سنوات قيد الإهمال وعدم التنظيم والتجاهل لرعاية شؤونهم، مقررين طوال تلك المدة الاعتماد على أنفسهم بالتنظيم الارتجالي لها، وعلى رغم قرارات إيقاف تلك الحافلات وحجزها الموقت ومعاركهم الدائمة مع المرور فإنه يتم الإفراج عنها من دون إعادة النظر في تنظيمها أو تحسين خدماتها، في حين يعي من يستقلها الإهمال والتواضع في خدماتها، وسط بقاء عدد من علامات الاستفهام حول إعادة تأهيل أو تنظيم لعقود طويلة. ولكن القرار الجديد الصادر، كما ذكر وزير النقل نبيل العامودي: «القرار جاء مراعياً الحاجات المتعلقة بمُلاك الحافلات الأهلية كافة، والخطوات العملية لتنفيذ هذا القرار تبدأ باستقبال الفريق، المكوّن من: هيئة النقل العام، ووزارة الداخلية، ووزارة العمل والتنمية الاجتماعية، والهيئة العليا لتطوير الرياض، وأمانة محافظة جدة، طلبات مُلاك الحافلات الأهلية خلال مهلة لا تتجاوز شهرين من تاريخ صدور قرار مجلس الوزراء». من جهة أخرى، بدأت هيئة النقل العام والإدارة العامة للمرور أمس تنفيذ المرحلة الثانية من حملة حصر حافلات النقل العام الأهلية المعروفة بـ«خط البلدة» في الرياض وجدة، لمراجعة وتدقيق بيانات الحافلات العاملة فعلياً في الطرق العامة، ومعلومات مالكيها، ومقارنتها مع البيانات المسجلة لدى الهيئة، من أجل إعادة تنظيم العمل في ذلك المجال. وستتولى عملية المراجعة لجنة مشكّلة برئاسة هيئة النقل وعضوية ممثلين عن وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، والإدارة العامة للمرور، والهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، ومحافظة أمانة جدة. وأكد المتحدث الرسمي لهيئة النقل عبدالله المطيري أهمية سرعة تقديم البيانات الصحيحة وفق الوثائق الرسمية قبل تاريخ 11-4-1439 لهيئة النقل العام في مدينة الرياض أو إدارة النقل بفرع وزارة النقل بمنطقة مكة المكرمة، لتتمكن اللجنة من تحديد الخيارات والبدائل النظامية المناسبة للتعامل مع الحافلات وملاكها. ونوّه المطيري بالدور الإيجابي الفاعل لرجال المرور في دعم تنفيذ الحملة، داعياً أصحاب الحافلات الأهلية إلى زيارة موقع الهيئة الإلكتروني (https://www.pta.gov.sa)، أو مقر الهيئة الرئيس بمدينة الرياض، أو إدارة النقل بفروع وزارة النقل بمنطقة مكة المكرمة، للحصول على النموذج الخاص ببيانات الحافلة والمالك، وتعبئته وتسليمه قبل تاريخ 11-4-1439هـ.
مشاركة :