غنام الغنام ومشاري الخلف وحامد السيد| عدَّد المشاركون في ندوة القبس، التي حملت عنوان «التطرّف الإسلامي» أسباب هذه الظاهرة، وأفضل الطرق لمعالجتها في البلدان العربية، مشيرين إلى أن الأوضاع بلغت حدّا لا يمكن السكوت عنه في مجتمعاتنا، بسبب تزايد النظرة الأحادية وعدم قبول الآخر، وانتشار العنف. وضمّت ندوة القبس أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأميركية في بيروت د.ساري حنفي، وأستاذ علم الاجتماع في جامعة الكويت د.يوسف غلوم، وأستاذ الفلسفة في جامعة الكويت د.الزواوي بغورة، والكاتب د.حامد الحمود، والكاتب الباحث السياسي د.صالح السعيدي، وشهدها رئيس التحرير الزميل وليد النصف. وكان من اللافت في الندوة اتفاق المتحدثين على خطورة التطرّف بشكل عام، في حين تباينت وجهات نظرهم في بعض المسببات، لكنهم وضعوا أيديهم على الجرح بتوصيفهم للهاوية التي انجرف إليها بعض المجتمعات في المنطقة، مبينين أن الاستبداد وغياب المواطنة الحقيقية واعتلال مناهج التعليم، من أبرز مسبّبات التطرّف عموماً، والإسلامي على وجه الخصوص. ورأى حنفي أن فقدان العدالة وغياب الديموقراطية يزيدان المشكلات في المجتمعات العربية، لكن بغورة شدّد على أن التطرّف يوضع في سياقه العام وليس في إطار الدين الإسلامي فقط، مبيناً أن الشمولية والنظرة الجامدة عاملان مشتركان بين المتطرفين بمختلف توجّهاتهم. أما غلوم فأشار بأصابع الاتهام إلى الأنظمة الدكتاتورية التي تسعى دائماً إلى بث التفرقة بين أبناء الشعب الواحد، ملمحاً إلى قول وزيرة خارجية أميركا السابقة هيلاري كلينتون: «إن بلادها هي التي صنعت تنظيم القاعدة، ولم تكن تتوقع أن ينقلب هذا التنظيم على الدولة التي صنعته». بدوره، رفض السعيدي إلصاق التطرّف بالإسلام، مدللاً على ذلك بأن البوذيين وهم دعاة سلام ومحبة يضطهدون مسلمي الروهينغا، ويمارسون ضدهم أشد أنواع التنكيل والقتل، لافتاً إلى أن الغرب يدفع الآن ضريبة «الوحش» الذي صنعه بيديه والمسمّى «التطرّف». ومضى المتحدثون في دروب التحليل وتبيان وجهات النظر، منتقدين آلية مواجهة التطرف الإسلامي في الدول العربية، مشيرين إلى أنه من الجيد طرح مسابقات حفظ القرآن الكريم، لكن يجب أن ترافقها مسابقات مماثلة في الفيزياء والكيمياء والرياضيات وفروع العلم المختلفة.وفي ما يلي تفاصيل ما دار في ندوة القبس: بداية قال د.ساري حنفي إن فقدان العدالة يضر بالمواطنة، واصفاً الوضع في مجتمعاتنا العربية بانه خطير، والحركات السلفية ضد الديموقراطية. وأضاف: دعونا نتحدث عن الباحثة السياسي الألمانية حنا آرنت التي تطرقت إلى العنف قائلة: «لا توجد ايديولوجيا للعنف، فالواقع الاجتماعي هو الذي يخلق العنف»، وحين كتبت هذا الكلام قبل خمسين عاما نلاحظ انه صالح حتى يومنا هذا، وهذا رأيي بوضوح في اتجاهين واضحين عالميين بمقاربة التطرف الديني، الأول: يركز على النصوص، ويعتبر بعض النصوص الدينية خلقت ثقافة التطرف المرتبط بالعنف الذي جعل المجتمع يفقد توازنه، والثاني: لا بد من معرفة السياق الاجتماعي والاقتصادي والعوامل التي جعلت مجموعة من الناس يتجهون إلى التطرف.أين العدالة؟ وأردف قائلا: «انا اتحدث عن ثلاث مقاربات لفهم ما يحصل في العالم العربي، فالمقاربة الأولى هي ان الوضع الاقتصادي الاجتماعي السياسي وفقدان العدالة الاجتماعية والعدل من العوامل التي تزيد الأزمات، إضافة إلى غياب الديموقراطية وعدم العدالة في توزيع الثروة. والمقاربة الثانية وهي قيمية فلا بد ان نسأل عن المناهج التربوية، وأنا أعمل على دراسة المناهج الدينية والشرعية في العالم العربي، وأستطيع ان ألخص الوضع بشكل عام بأنه خطير لغياب أي تفاعل من قبل العلوم الاجتماعية والإنسانية مع كليات الشريعة لمنع نشر التطرف والعنف.مقاومة الهوية وتابع بالقول: المقاربة الثالثة تتمثل في مقاومة الهوية، فنحن في مجتمعات تاريخيا توجد بها النزعات القبلية والطائفية، وتبلورت هويات ليست مهمة، لأنه بغياب الوطنية تتشكل هويات متناقضة ما بين افراد المجتمع بعضهم مع بعض، وهذا يفسر الحالة التي يمر بها الفرنسيون من أصول عربية، وهو بسبب عدم استيعاب المجتمع الفرنسي لهم، مشيرا إلى أن المشكلة في بعض أتباع الإسلام الذين يتبنون الفكر المتطرف. وأضاف: رأيي الشخصي أقرب الى (فرانسوا بورجا واولفييه روا) وانا فلسطيني وعشت في سوريا ربع قرن واتابع الحدث السوري يوما بيوم، وبوضوح نجد الناس اتجهوا الى التطرف، ومن كانوا في مناطق تابعة للجيش الحر وجدوه فجأة ينسحب ويجد الناس انفسهم مع «النصرة»، ثم فجأة يجدون انفسهم مع «داعش» فهذه التحولات الايديولوجية السورية مشكلة. وأكمل: عندما قرأت في مناهج الدراسة بجامعة دمشق، اكتشفت أنها تتحدث كما لو كان يتحدث أبو بكر البغدادي في قضية البيعة، في بلد يعتبر «بعثياً» وقومياً، وهذا ما دفع ابنة احد أساتذة كلية الشريعة لأن تذهب الى مناطق «داعش» وتتحوّل الى فقيهة لديهم.معالجة التطرّف وأكد أن مشكلة كثير من السياسات لمعالجة التطرّف تتمثّل في تناوله كظاهرة سياسية، وليس كظاهرة اجتماعية، والاهتمام بالفكر السياسي الديني، وليس الفكر الاجتماعي الديني، وأنا أرى مشكلة بعض الحركات السلفية، مثلا هي ليس بأنها فقط لا تؤمن بالديموقراطية، ولكن أرى جذور المشكلة في كيف تنظر الى المرأة، وما علاقتهم بالآخر. وانتقد غياب المواطنة، فهو أساس التطرّف، الذي يأخذ شكل العنف السياسي في ما بعد، ولا يمكن حل المشكلة عبر الولاء للنظام السياسي، مشيراً إلى أن كثيراً من الانظمة العربية حكمت بشرعية اعطاء الحرية للبعض للمحافظة الدينية الاجتماعية، على شرط الولاء السياسي المطلق.السياسة الشرعية وأكمل قائلا: هناك ابحاث أعمل عليها عن مناهج كليات الشريعة بالعالم العربي، ولأول مرة أتحدث عن ذلك الأمر، لا سيما وأنا موجود حاليا في الكويت، وهي أقدم ديموقراطية ونظام برلماني في الخليج، وهي الكويت، صعقت مما يدرّس في مناهج السياسية الشرعية بجامعة الكويت، فهناك منهاج يكفّر التعددية الحزبية، ويكفر بالديموقراطية، وهناك تفصيل شديد على عدم الاخذ بالتعددية الحزبية، بناء على ما قاله الشيخ ناصر الالباني، وذلك ضمن سياق له ارتباط بواقعنا الحالي. وقال: دائما يفكر العلمانيون في كيفية فصل الدين عن الدولة، لكن السؤال يجب أن يكون «كيف تكون السلطة الدينية شفافة امام المجتمع الذي تعيش فيه؟»، بحيث إن ابناءنا الذين يدرسون بكليات الشريعة يتعلمون شيئا متوافقاً مع الواقع، وأنا لا أحكم على كل مناهج الشريعة في الكويت، ولكن عن مادة قمت بدراستها كما قمت بتحليل مادة السياسية الشرعية، ووجدت ما أتحدث عنه، حيث وجدت مفاهيم ما قبل عصر المواطنة.الإسلام السياسي والتقط أطراف الحديث أستاذ الفلسفة في جامعة الكويت د.الزواوي بغورة، مؤكداً أن التطرّف يجب ان نضعه في سياق عام، وليس في الإطار الإسلامي فقط، وتقريبا منذ الثمانينات حتى اليوم نعيش مشكلة في بعض الأفكار التي تأخذ مرجعتيها من الدين الإسلامي، ومن ذلك تحول بعض الجماعات الى ايديولوجيات، واعتقد ان التطرّف هو بشكل محدد تجاوز حد الاعتدال والخروج عن المشترك من الجماعة، وكل الجماعات المتطرفة تتميز في عنصرين الأول رؤية شمولية وجامدة بالشمولية والإرادة، والثاني عن الخروج عن الاجماع. وأشار بغورة إلى أن ما يتحدّث عنه الباحثون الفرنسيون حول التطرّف يعتبر ذا سياق فرنسي، ولا يمكن ان نتبناه او يكون مقاربا لنا، فأنا أنظر الى نقاشاتهم نظرة نقدية، لأننا في الواقع نفتقر الى المراكز التي تناقش هذه الظاهرة، ولذلك نشكر القبس على تبنيّها هذه الندوة، ولكن نجد ان فرنسا لديها مراكز بحثية، وأن الباحثين الذين نتحدث عنهم، سواء بورجا او اولفييه او جيل كيبل يعتبرون من النخبة. وأوضح أن فرونسوا بورجا ينظر الى الإسلام السياسي بشكل عام على انه تعبير عن المرحلة الثالثة من نزع الاستعمار، وهي تعتبر مغالطة كبرى، لأنه لا يمكن ان نقارن الإسلام السياسي والجماعات الإسلامية المتطرّفة مع حركات التحرر الوطني او مع حركات التحرر الاقتصادي. وقال بغورة: انني أشترك مع بورجا تحديدا في أنه لا يمكن ان ننظر الى فكرة الإسلام السياسي والجماعات الإسلامية خارج الازمة الوطنية، فإخفاق الدولة المدنية يفتح الأبواب أمام التطرّف والعنف. سياق تاريخي واضاف: التطرّف بلا شك هو ظاهرة اجتماعية تحتاج تعدد المقارنة، وفي تقديري يجب كذلك أن نضيف التجارب الخاصة، لأن هذه الحركات تظهر دائما في سياق تاريخي معيّن، وعلى سبيل المثال لا يمكن أن نقول: إن الحركة الاسلامية في الجزائر، تتماثل تماثلا مطلقا مع الحركة الاسلامية في مصر، حيث يصعب ذلك، لأن التجربتين مختلفتان باختلاف ظروف كل مجتمع.الإسلام والمقاومة ووصف بغورة: الإسلام بأنه وجه من وجوه المقاومة، وهذا الجانب الإيجابي لا يمكن أن نتجاهله، لكن المأساة عندما جاءت الدولة الوطنية. وتابع: في مواثيق الثورة التحريرية بالجزائر تعطى مكانة للاسلام، لكن دفعة واحدة يتم استبعاد تيارات، مثل هيئة علماء المسلمين، وتم سجن بعض قادتها؛ مثل الشيخ البشير، وبالتالي النظم السياسية في تقديري، لا تساعد على حل المشكلات بقدر ما تلجأ إلى خلق أزمات.تعريف التطرّف وعرّف التطرف بأنه نوع من التعصّب، وهو وليد ايديولوجية مغلقة، وهذه الايديولوجية المغلقة هي التي حوّلت الإسلام إلى هوية، وهذه الهوية لا تتناسب لا مع ظروفنا التاريخية، ولا مع معطيات ديننا، ومع الأسف الشديد فالهوية المغلقة متصلّبة وعنيفة، وبالتالي يجب ألا نعتقد أن الجماعات المتطرفة تمثل الاسلام، بل تمثل ايديولوجيات مغلقة، تقوم على فكرة امتلاك الحقيقة المطلقة، وبالتالي استبعاد الآخر، سواء على مستوى الحقيقة او الفضيلة، وهم يرون انفسهم الافضل والأحق، ويقومون بالتالي بكل العمليات التي نراها من تفجيرات وقتل واساليب عنف اخرى. وزاد بغورة: أعتقد ان التطرّف الاسلامي يعود الى عملية التوظيف الذي يخضع له الاسلام من قبل بعض الدول والنظم السياسية، ووزارات الشؤون الدينية.ظواهر تاريخية بدوره، قال أستاذ علم الاجتماع بجامعة الكويت د.يوسف غلوم ان التعصّب والتطرّف ليسا جديدين، وهما ظاهرتان موجودتان طوال التاريخ، وهناك عوامل داخلية وخارجية تزيدهما، منتقداً عدم قبول الرأي الآخر، مما يزيد العنف في المجتمع الكويتي. واضاف غلوم: لنعترف بوجود العنف، ويجب ان نبحث عن وسائل لنخفف منه قدر المستطاع عبر معالجات سياسية واجتماعية واقتصادية، موجهاً الشكر إلى القبس لإقامة هذه الندوة، ويجب تشجيع المزيد من هذه المناقشات، لأننا نعيش في مرحلة خطرة، والجهل لا بد ان يواجه. واستطرد بالقول: الأنظمة الدكتاتورية تسعى دائما الى التفرقة بين أبناء الشعوب وجعل الصراع مستمرا بين الفئات المختلفة ليصبحوا مجموعات متفرّقة، وذلك من اجل تحقيق مصالح الانظمة؛ ففي سوريا كان «البعثيون» يحكمون منذ عشرات السنين، وفرقوا بين أبناء الطوائف والمذاهب ليُحكِموا السيطرة على الدولة.العنصرية الأميركية ودلل غلوم على أن العنصرية لا وطن لها بالقول: في الولايات المتحدة، كان السود ممنوعين من دخول الأماكن التي يتواجد فيها البيض، وبعد 60 عاما على ذلك صعد أوباما الذي ينتمي إلى السود إلى سدة الرئاسة في الولايات المتحدة، ويجب أن تختفي العنصرية من مجتمعاتنا العربية.السنة والشيعة وتابع: كنت أتحدث في مؤتمر بجامعة الكويت، وتطرّقت إلى نظرة السنة والشيعة إلى حقوق المرأة، وعند بداية كلامي وقف أحد الدكاترة ووصفني بأنني أثير أمورا طائفية، فرددت عليه، وقلت: إنني أتحدث عن علم، وليس أمرا طائفيا. ولفت إلى أن مثل تلك الأمور يجب أن نتطرّق اليها كعلم، مثل المجتمعات الاخرى، وبالتالي يجب أن نفهم كيفية تعاملنا بعضنا مع بعض، والتطور يحدث لدينا حين يزيد تقبلنا للحوار مع الآخر، وقبول النقاش معه في المواضيع المختلفة، والمهم هو تعليم كيفية المناقشة والحوار وتبادل وجهات النظر بالطريق الصحيحة والسليمة. وشدّد على أن استبعاد الحوار والمناقشة من مسبّبات الجهل الذي يقود إلى التطرّف، منتقداً أسلوب التعليم في كليات الشريعة، حيث يرى الطالب وجهة نظر واحدة، ولا يريد الاستماع إلى الآخرين.تجربة رائدة أما الكاتب الباحث السياسي د.صالح السعيدي، فأشاد بتجربة القبس الرائدة في مجال محاربة التطرّف والعنف، مؤكداً أننا مهما حاولنا استحضار النظريات الاجتماعية العالمية المعروفة على مستوى علم الاجتماع، سواء النظرية الماركسية او الرأسمالية، فإنها لا تصلح أن تُطبّق على الواقع العربي. ولفت إلى أن العنف والتطرّف من المشكلات التي لا يمكن اختزالها في سبب واحد، بل عوامل معقّدة وكثيرة، ولكن نحن معنيون بالأسباب التي تؤثر في الشخصية العربية أو الإسلامية. وبيّن أن العنف والتطرّف ليسا بسبب الدين فقط، فالتفاوت الطبقي يقود إليهما، مبيناً أن مسلمي الروهينغا يتعرّضون لقمّة التطرّف من قبل البوذيين الذين يُعتبرون رمزاً للسلام ويدّعون أنهم مسالمون، وهناك أيضا عامل الهويات او الصِّدام الحضاري مع الغرب، وتطورات العولمة. وتساءل السعيدي: لماذا بدأ الغرب يهتم بظاهرتي التطرف والعنف؟ والجواب: بدأ الاهتمام حين مسته هذه الظاهرة، وشعر بأن آثارها وصلت الى مدنه وشوارعه ويدفع ضحايا، ولأنه أسهم في انشاء هذه «الحضانات» ضد الأنظمة الاستبدادية التي ولدت الجهل، وهو حاليا يدفع ضريبة دعمه هذه الأنظمة طيلة الأعوام الخمسين التي مضت. أسباب معقّدة وأكد السعيدي أن موضوع الطائفية في سوريا ليس أمرا جديدا، فحتى في مناقشات حزب البعث الاشتراكي في مؤتمراته عامي 1965 و1966 كانت الحالة والظاهرة الطائفية صارخة، وأتفق أن البرجوازية السنية تحالفت مع النظام لأسباب تاريخية معقّدة، لكن الوجه الطائفي موجود. وأشار إلى أن النظامين في العراق وسوريا طائفيان، ففي العراق كانت المخابرات بأنواعها، قيادتها ورموزها من الطائفة السنية، بينما في سوريا نجد اغلبهم من الطائفة العلوية، وذلك يعتبر وجها صارخا من الطائفية.قرارات وأسباب من ناحيته، رأى د.حامد الحمود أنه لا يمكن الحديث عن التطرّف من دون ان نتحدث عن أسباب وقرارات سياسية أدت الى صناعته، واذا تحدثنا عن السلفيين، فإنني أعتقد أن الغالبية العظمى منهم مسالمون، ويذهبون إلى عملهم ويصلون الصلوات الخمس، ولا يمكن الاحتجاج عليهم، ولكن بعضهم يصبحون متطرّفين. واستدرك: إن كليات الشريعة في العالم العربي هي التي ورّطتنا، فهي المصدر الديني الذي يمكن تطويره من اجل سعادة المسلمين، حيث إن ما يدرّس في كليات الشريعة ــــ لا سيما بشأن النظرة إلى الآخر، والمقصود اليهود والمسيحيون وغيرهم ــــ يدرّس بطريقة مختلفة، لكن في الواقع ان خريجي كليات الشريعة هم المعروفون في المجتمع، فمثلاً: من يعرف د.ساري حنفي في الكويت أو لبنان، أو د.الزواوي بغورة أو د.يوسف غلوم؟.. لا أحد يعرفهم، حيث إن رجال الدين هم المعروفون، سواء السنة أو الشيعة.برجوازية المستبدّ وتطرّق الحمود إلى الشأن السوري، قائلا: لدي علاقة مع احد المعارضين السوريين، ويعيش في باريس، وقد تحدث مرة معي حول النظام في سوريا، وأود أن أنقل حديثه إليكم، حيث قال لي إن النظام من دون البرجوازية السنية لا يستطيع الاستمرار شهراً، فصحيح ان النظام علويّ ومخابراته علوية، لكنه مدعوم من البرجوازية السنية. ولفت الحمود إلى أن الطائفية ليست موجودة فقط في بلداننا العربية او عالمنا الاسلامي، فقد قرأت مقالاً لأحد معارضي الرئيس الأميركي ترامب، يعتقد خلاله أن أميركا فيها تطرّف وعنصرية وعنف، كما أن بعض الدول الأخرى المتقدمة تعاني من هذه الأمراض والعلل. المساواة وتطبيق القانون شدد د. ساري حنفي على أن المساواة وتطبيق القانون أبرز ركائز الدولة المدنية، مبيناً أن الحلول الدينية لا تصلح لإقامة مجتمع ديموقراطي، فكثير من ذوي التوجهات الدينية يكفِّرون تارك الصلاة على سبيل المثال وهذا ضدد الدولة المدنية وضد المواطنة. وأضاف: أشكر جريدة القبس على طرح الموضوع أمام الناس، ويجب أن يشارك المواطنون في الحوار بعيداً عن التعصب ورفض الآخر. المنع يأتي بنتائج عكسية انتقد حنفي سياسة المنع، قائلاً: في فرنسا تم إلغاء المساجد السلفية وكان من الواجب تركهم لمتابعتهم ومعرفة ما لديهم بدلاً من الالغاء الذي ادى إلى انتقالهم إلى تحت الأرض، وبالتالي لا تستطيع الدولة رصد ما يخططون اليه، وكان من الواجب مناداة الائمة السلفيين إلى الظهور للعلن وفي التلفزيونات، ليقولوا رأيهم والناس يسمعون وجهة نظرهم، فالحوار المجتمعي مهم جداً. وطالب بتطبيق فقه الواقع والتفاعل بين كل العلوم. وأكمل قائلا: في الحقيقة تجربة ماليزيا جيدة في أسلمة المعرفة، وتم تكليف الطلاب الدارسين للعلوم الشرعية بدراسة مقررات اخرى مع العلوم الشرعية، مثل علم الاجتماع او الفلسفة او الجغرافيا وغيرها. سوريا والجزائر بين د.صالح السعيدي: في سوريا إن لم تكن هناك قبائل فهناك عائلات كبيرة تشبه القبائل في محافظات ومدن كثيرة؛ مثل درعا والحسكة والرقة ودير الزور، وأرى أن موضوع إلغاء الألقاب في الجزائر ــــ كما ذكر د.ساري حنفي ــــ غير صحيح، فأنا درست الشأن الجزائري، والألقاب الجزائرية قديمة ويعود بعضها إلى ايام الجاهلية، وان ما حدث في منطقة القبائل وهم الامازيغ البربر، هم اكثر حداثة واكثر تداخلا مع الهوية واكثر تحدثا بالفرنسية، هوّة عميقة ذكر د. بغورة: أنه عندما نتحدّث عن ضرورة إصلاح كليات الشريعة او الجامعات الاسلامية، فمن الواجب أن نجري عملية اصلاح لكليات الحقوق الاجتماعية والانسانية ايضا. وتابع: نعاني منذ 3 عقود من بعض المشكلات؛ أبرزها وجود هوّة عميقة بين المسلمين والإسلام، فالدين شيء وأتباعه شيء آخر. قتل المصلّين في مصر أكد د.حامد الحمود: إن «التطرّف الإسلامي» ظاهرة يعاني منها العرب والمسلمون والعالم أجمع، وما حصل في مصر من قتل المصلين الآمنين يضيف الى آلامنا، ويجعلنا نطرح كثيراً من الأسئلة، ونبحث عن إجابات حول التطرّف الإسلامي وهناك رؤى حوله. وأشاد بجهود القبس، مبيناً أن ندوتها متميزة ومختلفة نوعاً ما، وتساهم في النقاش وتكوين رؤى لحل المشاكل. جذور الطائفية خلال حديثه في الندوة تطرّق د.صالح السعيدي إلى جذور الطائفية في بعض البلدان العربية، مشيراً إلى أن الطائفية في سوريا ليست جديدة؛ فحتى في مناقشات حزب البعث الاشتراكي في مؤتمراته عامي 1965 و1966 كانت الحالة والظاهرة الطائفية واضحة وصارخة. ولفت إلى أن البرجوازية السنية، تحالفت مع النظام لأسباب تاريخية معقدة، مجددا التاكيد على أن النظامين في العراق وسوريا طائفيان، وتسببا خلال حكمهما في كوارث على البلدين. وذكر السعيدي أن كل مجتمع يتعلق تاريخه بالإسلام والعروبة جزئياً أو كلياً، قديماً وحديثاً، لا يمكن فهمه إلا بعد دراسة الذهنية القبلية. تجنيد الكويتيين قال د. يوسف غلوم: خلال فترة الثمانينات عندما كنت طالبا أدرس في الولايات المتحدة، كان هناك شخص يقوم بتجنيد الكويتيين وغير الكويتيين ويرسلهم إلى افغانستان، وكانت الحكومة الاميركية تساهم في ذلك، بغرض مواجهة القوة الروسية. وزاد: كان لدى المسؤولين الأميركيين أرقام ومعلومات تشير الى ان الروس سيحتاجون الى منطقة الخليج بعد سنوات والى المياه الدافئة، وبالتالي كانوا يفكرون في طرق مناسبة لضرب الروس، وكان ارسال المقتالين الى افغانستان إحدى تلك الطرق، وقد أكدت مرشحة الرئاسة في الانتخابات الاميركية هيلاري كلينتون أن اميركا هي التي صنعت ما يسمى «القاعدة»، من اجل هدف معيّن، ولم يكونوا يتوقّعون ارتدادها عليهم مستقبلاً. التطرّف والإسلام عرّف أستاذ الفلسفة في جامعة الكويت د.الزواوي بغورة: التطرّف بأنه تجاوز حد الاعتدال والخروج عن الإجماع المشترك، مبيناً أنه من الخطأ إلصاق التطرف بالإسلام فقط. وأوضح أن ما يتحدّث به بعض الباحثين الفرنسيين حول التطرّف الفرنسي ــــ على سبيل المثال ــــ يُنظر إليه في السياق الفرنسي، ولا يمكن ان نتبناه او يكون مقرباً لنا، فأنا أنظر الى نقاشاتهم نظرة نقدية، لأننا في الواقع نفتقر الى المراكز التي تناقش هذه الظاهرة. وقال: منذ الثمانينات حتى اليوم نعيش مشكلة الأفكار التي تأخذ مرجعتيها من الدين الإسلامي. بين حنفي والسعيدي اختلف د. ساري حنفي: مع د.صالح السعيدي في نقاط واتفق معه في أخرى، وقال: هناك دراسات تبين أن المناطق الليبية التي لم يحدث بها عنف سياسي ما بعد القذافي او دخول «الدواعش» هي المناطق القبلية، التي بها حمية قبلية حمت وساعدت بسبب شرعية شيخ القبيلة الذي يستطيع التفاوض مع المسلحين؛ ليحمي قبيلته، والقبيلة لديها عصبية وقدرة تنظيمية كافية للمواجهة والتفاوض. وتابع بقوله: اتفق مع السعيدي في أن أهم بنية مجتمع مدني في الاردن هي القبيلة، فلمّا تعرض استاذ اردني في محافظة اربد للضرب ظلما وعدوانا من قبل الشرطة الجنائية، لم تستطع منظمات حقوق الانسان الدفاع عنه، لكن قبيلته قامت بدورها. يُدفنون أحياء أشار د. صالح السعيدي إلى احصائية تبيّن أن أكثر من 50 ألفاً قُتلوا في السجون السورية، في حين علمنا في العراق أن الكثيرين يُدفنون وهم على قيد الحياة. رئيس التحرير للمشاركين في الندوة: مساهمتكم درس ثقافي بامتياز اعتبر رئيس تحرير القبس الزميل وليد النصف أن مناهضة التطرّف والتعصّب مسؤولية الجميع. وخاطب المشاركين في الندوة بالقول: أشكركم على مشاركتكم، وأرى أننا سنقدِّم للقراء درساً ثقافياً بامتياز، من خلال هذه المناقشات المثمرة، وتعليقي على ما دار من أحاديث وآراء أننا كصحافيين أو كمسؤولين عن الصحافة، نعاني من كثير من الناس، في رفض أي شيء جدّي، حيث أذكر أنني كَلَّفتُ في عام 2014 الباحثة د.فاطمة السالم لعمل دراسة عن عدد الكويتيين الذين يتعاطفون مع «داعش»، فتبيّن من خلال الدراسة العميقة، التي أجرتها أن النسبة تبلغ %12.5، وفوجئت بأن السفارات الغربية في اليوم التالي حاضرة في مكتبي، تريد مزيداً من التفاصيل عن الموضوع، والنسبة التي وصلت لمؤيدي «داعش»، وكيف بلغت ذلك المستوى في مجتمع اقتصادي مرفّه. وكان هناك بعض السخط المحلي من نشر هذه الدراسة الجدية على عكس بعض السفارات الأجنبية. وأضاف النصف: هناك شيء مهول نشاهده في الكويت، وهو أن الطائفية تعزّزت بالديموقراطية، وهذا أمر يدعو للتعجب والاستغراب، فكيف تصبح الديموقراطية أداة لتعزيز الطائفية؟! وهذا الأمر يحتاج إلى تحليل وعقد جلسة اخرى مقبلة، ونأمل من د.حامد الحمود السعي لتنظيمها.
مشاركة :