تنتظر اسكتلندا التي رفضت الاستقلال سلطات جديدة وعدت بها لندن في تعزيز للصلاحيات الإقليمية في الوقت الذي أكد فيه ديفيد كاميرون رئيس الوزراء إجراءات مماثلة لإنجلترا وويلز وإيرلندا الشمالية. وسارع أليكس سالموند رئيس وزراء اسكتلندا عند الإقرار بهزيمة معسكره للتذكير بالتعهدات المشتركة التي قطعها كاميرون وحلفاؤه الليبراليون الديموقراطيون والمعارضة العمالية، مشيراً إلى أن الأحزاب الوحدوية تعهدت في نهاية الحملة بإعطاء مزيد من الصلاحيات لاسكتلندا، وإدنبرة تتوقع أن يتم الالتزام بهذه التعهدات سريعا. وقد وصلت تلك الرسالة إلى كاميرون الذي رد على المشككين بالوعود الدستورية المقطوعة، بأنه سبق وتم نقل صلاحيات في ظل حكومته، وسنقوم بذلك من جديد في الحكومة المقبلة، مضيفاً أن الأحزاب الوحدوية الثلاثة قطعت تعهدات بمنح البرلمان الاسكتلندي صلاحيات إضافية، وسنتثبت من الوفاء بها. ونقل الحد الأقصى من السلطات إلى برلمان إدنبرة الإقليمي يتناول جمع الضرائب واستخدامها ونظام الضمان الاجتماعي، وتطالب المناطق الأخرى في بريطانيا بإجراءات مماثلة. وغرد لين وود زعيم الحزب الاستقلالي في ويلز، بأن "كل عرض يقدم إلى اسكتلندا يجب أن يطرح على ويلز أيضا. إنه الحد الأدنى الذي نتوقعه"، ومن أجل تهدئة الأمور شدد كاميرون على أنه مثلما سيحصل الاسكتلنديون على مزيد من السلطات في إدارة شؤونهم، كذلك يجب أن تكون لسكان إنجلترا وويلز وإيرلندا الشمالية صلاحيات أكبر في إدارة شؤونهم. لكن سلسلة التنازلات ستواجه صعوبة في إقرارها وخصوصا عبر احترام الجدول الزمني المعلن، وذكرت إميلي سان دوني أستاذة الإدارة العامة في جامعة ستيرلينج في اسكتلندا أن إدنبرة كسبت كل شيء تقريبا من هذه النتيجة إلا الحصول على استقلال كامل، وهذه ستكون بداية مفاوضات مهمة حيث قطعت كثيرا من الوعود لها، وهذه الأمور ستتم لكن في إطار صعب لأنه في المقابل هناك نواب من إنجلترا وويلز غير راضين عن هذه الوعود. وكان المصوتون في اسكتلندا قد رفضوا الاستقلال في استفتاء تاريخي هدد بتقطيع أوصال المملكة المتحدة وببث الاضطراب في القطاع المالي وتقليص ما تبقى من نفوذ بريطانيا في العالم لكنها في الوقت ذاته تتطلع إلى سلطات جديدة أوسع. وبدد التصويت لصالح الاتحاد الذي تشكل قبل 307 أعوام بواعث قلق ملايين البريطانيين ومن بينهم ديفيد كاميرون رئيس الوزراء الذي كان منصبه أيضا على المحك فضلا عن الحلفاء الذين روعهم احتمال انفصال اسكتلندا عن المملكة المتحدة في مختلف أنحاء العالم. ورفض الاسكتلنديون الاستقلال عن بريطانيا بـ 55.3 في المائة من الأصوات بفارق كبير عن مؤيدي الاستقلال الذين حصلوا على 44.70 في المائة من الأصوات بحسب الأرقام الرسمية عقب انتهاء عمليات الفرز في جميع الدوائر الـ 32 في اسكتلندا، وحصل الوحدويون على مليونين وألف و926 صوتا، مقابل مليون و617 ألفا و989 صوتا للاستقلاليين في الاستفتاء. وجاءت نتائج الاستفتاء مطمئنة للذين كانوا يتخوفون من انعكاس الاستقلال سلبا على الاقتصاد في حال الانفصال عن بريطانيا، فقد قفز الجنيه الاسترليني مقابل الدولار واليورو في حين ارتفعت أسعار الأسهم البريطانية، وقال رويال بنك أوف سكوتلند "إنه ألغى خططا لنقل مكتبه إلى إنجلترا". وينتظر أن تصدر وثيقة عمل تفصل الصلاحيات الاسكتلندية الجديدة وكذلك بالنسبة للمناطق الثلاث الأخرى، في تشرين الثاني (نوفمبر) قبل أن تعرض مشاريع قوانين على البرلمان بحلول نهاية كانون الثاني (يناير) بحسب التعهدات التي قطعتها لندن. واعتبر نيك باتلر الأستاذ في كينجز كوليدج في لندن ونائب رئيس شركة "بي بي" سابقا أن مهلة 150 يوما تعتبر قصيرة نسبيا بالنسبة لقوانين دستورية معقدة يفترض أن يدرسها مجلسا البرلمان البريطاني. لكن بعض المختصين يعتبرون تمرير هذه الإصلاحات بشكل طارئ لن يكون قرارا حكيما، وكتبت نيكولا ماكايون الأستاذة في جامعة إدنبرة على مدونتها "إن الإسراع في قوانين جديدة يمكن أن يلاقي ترحيبا على المدى القصير لكن من غير المرجح أن يقدم ذلك حلا دائماً". وأضافت أن "الحزب القومي الاسكتلندي يريد كما يبدو أن يعرض اقتراحاته الخاصة حول نقل السلطات وأنها ستكون بعيدة بالفعل عما هو معروض حاليا على الطاولة، وهذه الفرضية تطبق أيضا على المناطق الأخرى في المملكة المتحدة التي يجب التفاوض معها على كل شيء". وعلى صعيد ردود الأفعال، تنفس مسؤولون كبار في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي (الناتو) الصعداء بعد إعلان نتيجة الاستفتاء الذي أجرته اسكتلندا بشأن الاستقلال عن بريطانيا الذي صوتت خلاله الأغلبية ضد الانفصال عن باقي بريطانيا. ورحب جوزيه مانويل باروسو رئيس المفوضية الأوروبية بقرار الشعب الاسكتلندي للحفاظ على وحدة المملكة المتحدة، معتبراً أن تلك النتيجة طيبة لأوروبا موحدة ومنفتحة وأقوى وهي التي تمثلها المفوضية. وأشاد باروسو أيضا بـ "الالتزام الأوروبي" تجاه اسكتلندا قائلا "إن المفوضية ستواصل إجراء حوار بناء مع الحكومة الاسكتلندية حول قضايا مثل التوظيف والطاقة والبيئة". وقال مانفريد ويبر نائب البرلمان الأوروبي الذي يرأس أكبر حزب في الهيئة التشريعية وهو حزب "الشعب الأوروبي"، "إنه بينما لا يمكن تجاهل الرغبة القوية لدى الكثيرين للاستقلال إلا أن النتيجة مفيدة للاقتصاد". من جانبه، قال أندريس فوج راسموسن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) "إنه يحترم تماما اختيار الشعب الاسكتلندي، ورحب بأن بريطانيا ستبقى موحدة"، معبراً عن ثقته بأن المملكة المتحدة ستظل تضطلع بدور رئيسي في الحفاظ على قوة التحالف.
مشاركة :