إن نعمة الأمن من أعظم النعم التي رزقنا الله إياها، بل إنها تفوق في الفضل نعمة الرزق، ولذلك قُدمت عليها في الآية الكريمة، قال تعالى: «وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ». (البقرة: 126)، فبدأ سبحانه وتعالى بالأمن قبل الرزق لسببين أساسيين: الأول – أن استتباب الأمن سببٌ رئيسٌ للرزق، فإذا شاع الأمن واستتبَّ ضرب الناس في الأرض، وهذا مما يدر عليهم رزق ربهم ويفتح أبوابه لهم. الثاني – لأنه لا يطيب طعام ولا يُنتفع بنعمة ولا برزق إذا فقد الأمن. وقد تمتع أهل الكويت الكرام بأسواق ممتلئة بالأمن والأمان ولله الحمد، وهذا من فضل الله تعالى على هذا البلد الطيب، ومن كرمه تعالى بأهلها المحسنين الطيبين. وهذا ما سوف نستعرضه في ذكر هذه القصة الواقعية التي رواها العم عبدالعزيز محمد الحمود الشايع في كتابه «أصداء الذاكرة» (عبدالعزيز محمد الشايع، «أصداء الذاكرة» ص 42 – 43)، حيث يذكر فيها مهام عمله حينما كان يحصل في سوق الكويت القديم، قائلاً: كنت أثناء جولتي الأسبوعية على محال تجار التجزئة أحمل كيساً مصنوعاً من القماش أضع فيه الروبيات (جمع روبية وهي عملة هندية متداولة في الكويت قديماً وقيمتها تعادل 75 فلساً) المعدنية التي أحصلها من التجار تجاه حقوقنا لديهم من التعاملات التجارية السابقة، ففي ذلك الوقت لم تكن الأنواط النقدية الورقية قد ظهرت بعد، وكان الجميع حولي يعلمون ماذا أحمل في كيسي الذي كانت تزداد حمولته كلما خرجت من أحد المحال باتجاه المحل الآخر، لكنني كنت أشعر بمنتهى الأمان، فقد كانت الحياة كلها آنذاك في الكويت بسيطة وآمنة والجميع يشعر بالأمان حتى وهو يمشي في الشارع محملاً بالأموال، وما زلت أتذكر أن محال الذهب، أيام تجارة الذهب، كانت تبقى مفتوحة حتى عندما كان أصحاب هذه المحال يقومون بعمليات تحويل الذهب إلى أسياخ (وزنها 10 تولات، أي ما يعادل 115 غراماً تقريباً) من أجل تسهيل تصديرها والتعامل معها، فقد كانت تلك العملية تتم أمام أنظار الناس بشكل مباشر وبكل إحساس بالأمان والاطمئنان، وكان من الطبيعي رؤية سبائك الذهب وهي موضوعة أمام أبواب المحال المفتوحة، والصرافون يضعون الأموال أمامهم ويعدونها من دون أي خشية من أن تغري تلك العملية أي ضعيف نفس للقيام باختطافها أو سرقتها، خصوصاً أن أبواب محال الذهب كانت مصنوعة من الخشب الذي يسهل كسره ومن دون أي حماية أو حراسة أبداً. ويستطرد العم عبدالعزيز الشايع قائلاً: ولا أتذكر أي حادثة سرقة يمكن اعتبارها استثناءً لهذا الجو المشبع بالأمن، وكانت سبائك الذهب تنقل بأيدي الأشخاص بشكل مكشوف في الطريق العام بكل أمان، فكان من المناظر المألوفة في شوارع الكويت آنذاك رؤية أحد صبيان المحال هو يحمل بين يديه سبائك ذهبية وهو يمشي في الشارع من دون أن يلفت ذلك المشهد انتباه أحد. وهكذا يتضح من هذه المشاهد الجميلة التي رواها لنا العم عبدالعزيز الشايع كيف كانت عليه الحال في أسواقنا القديمة من أمن وأمان، لا سيما في محال الذهب والعملات التي عادة ما تحتاج في وقتنا الحاضر إلى تأمين وحراسة. ولقد عكست هذه المشاهد بالفعل زمناً جميلاً، وجيلاً رائعاً من الآباء والأجداد عاشوا في سلام داخلي مع النفس، فانعكس ذلك على المجتمع بأسره، فكان مجتمعاً آمناً مطمئناً بسيطاً متحابّاً، تمتع فيه الجميع بالأمن والأمان وراحة البال. د. عبدالمحسن الجار الله الخرافي ajalkharafy@gmail.comwww.ajkharafi.com
مشاركة :