تناقل فنانون وإعلاميون الأخبار الواردة من أروقة هيئة الإذاعة والتلفزيون بكثير من الحذر والتحفظ، خاصة القرارات التي أصدرها رئيس الهيئة الإعلامي داوود الشريان، ومنها قرار إلزام الموظفين بمواعيد الحضور والانصراف، وقرار استقطاب أهم الإنتاجات العربية لشهر رمضان المقبل. وأرجع الكثير منهم هذا التحفظ إلى خوفهم من أن تسهم هذه القرارات في قتل "الإبداع" الذي يتطلبه العمل الإعلامي وتحويل منسوبي الهيئة إلى مجرد موظفين يحرصون على "وقت الدوام" أكثر من نوعية المنجز الذي يقدمونه، أما الفنانون فعبروا عن احتجاج مبطن ضد استقطاب المسلسل الجديد للنجم المصري عادل إمام "عوالم خفية" بدعوى أن هذا الاستقطاب يتنافى مع مسؤولية التلفزيون تجاه الفنان السعودي وضرورة دعم الدراما المحلية. مثل هذه الاحتجاجات تتكرر دائماً كلما سعى التلفزيون السعودي للنهوض ومنافسة القنوات المسيطرة على السوق الفضائي. في كل مرة يتم استدعاء "قناعات" معينة لتقييد التلفزيون وتثبيطه، وإلزامه بتوجهات تخدم أطرافاً معينة ولا تخدم التلفزيون نفسه، مثل القناعة المتأصلة التي ترى أن الواجب الوطني يحتم على التلفزيون دعم الدراما المحلية ومنحها مساحة كبيرة من وقت البث بغض النظر عن مستواها، وحتى لو كانت دراما سيئة. وقد أدى هذا الإلزام القسري إلى توريط التلفزيون بأعمال سعودية رديئة أضعفت قدرته على المنافسة في سوقٍ لا رهان فيها إلا للجودة والإتقان. قنوات التلفزيون السعودي مثلها مثل أي قنوات أخرى ليست مطالبة إلا بتجويد موادها وتقديم محتوى جاذب ومنافس، وليس من واجبها أن ترتهن لقناعات "معينة" تُلزمها بسلوك يتناقض جوهرياً مع مبدأ المنافسة الصارم. المطلوب من التلفزيون أن يغطي ساعات بثه بمحتوى ممتاز يستطيع أن يمسك بالمتفرج أكبر وقت ممكن، بغض النظر عن مصدر هذا المحتوى، داخلياً أم خارجياً. وبدلاً من أن يُلام على استقطابه لعادل إمام، لابد أن يلوم الفنانون السعوديون أنفسهم على فشلهم في صناعة دراما تضاهي ما يصنعه النجم المصري الكبير. التلفزيون السعودي ظلم نفسه كثيراً في السنوات الماضية عندما ألزم نفسه بواجبات وطنية ليست من مسؤوليته أساساً، ودفع ثمنها بعدم قدرته على المنافسة وتراجعه أمام قنوات مثل MBC وروتانا. وما يفعله داوود الشريان الآن هو تصحيح لهذه المفاهيم الخاطئة وتحرير للتلفزيون من القناعات التي قيّدته طويلاً وتسببت في ابتعاد المشاهدين السعوديين عنه، فليس من واجبات التلفزيون -مثلاً- أن يكون "جمعية خيرية" لمنتجين ولفنانين سعوديين لا يبذلون الجهد الكافي لصناعة أعمالهم بالحد الأدنى من الإتقان. إن كان ثمة هدف للمرحلة الجديدة فلابد أن يكون "الجودة" أولاً وأخيراً، فلا يقبل التلفزيون بأي عمل إلا وفق معيار "الجودة" بغض النظر عن جنسيته. الدور الحقيقي للتلفزيون هو أن يكون "جيّداً" قبل أي شيء آخر، أما دعم الدراما المحلية فهذا شأن آخر لا علاقة للتلفزيون السعودي به وليس من مسؤولياته الرئيسية. أما قضية الحضور والانصراف واعتراض البعض عليها، فإن كلامهم يصح في الأحوال العادية، أما التلفزيون السعودي تحديداً فقد عانى في السنوات الماضية من ترهل إداري غير عادي، إلى درجة أن بعض موظفيه الرسميين يظهرون كمذيعين في قنوات خاصة منافسة! ولا يلتزمون بعملهم الرسمي في سابقة لم تحدث في أي تلفزيون آخر، تشي بضعف المتابعة والمحاسبة. وهو ما جاء الشريان لمعالجته بقراره الانضباطي، فلا تطور بدون شكل واضح للعمل وبدون تحديد صارم لوقت العمل وطبيعته.داوود الشريان بقراراته الأولى يسعى لتحرير التلفزيون السعودي من مفاهيم خاطئة كانت السبب في تأخره عن المنافسة، فالإعلامي هو موظف في نهاية الأمر ولابد أن يتقيد بعمله مثله مثل أي موظف آخر في الدولة، والفنان السعودي أيضاً مثله مثل أي فنان آخر، لابد أن يصنع أعماله بشكل متقن ومنافس قبل أن يطالب بدعم مجاني؛ بدعوى الوطنية. داوود الشريان
مشاركة :