في تحد واضح لدمشق وأنقرة وفي الأول من كانون الأول/ديسمبر الجاري أجرى حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي انتخابات المرحلة الثانية من الانتخابات التي يجريها في المناطق التي تسيطر عليها ما تسمى بـ "وحدات حماية الشعب" الكردية أو ما تسمى بـ "قوات سوريا الديمقراطية" والتي تم فيها انتخاب مجالس محلية للنواحي والمقاطعات التي يتألف منها كل إقليم. وكانت المرحلة الأولى من الانتخابات جرت عشية استفتاء كردستان العراق في 22 سبتمبر/أيلول الماضي تم فيها انتخاب الرئاسات المشتركة للجان المحلية والأحياء والحارات أو ما يطلقون عليه "الكومونات". أما المرحلة الثالثة والنهائية فستجرى في التاسع عشر من كانون الثاني/يناير المقبل وسيتم فيها انتخاب "مجلس الشعوب الديموقراطية" لكل من الأقاليم الثلاثة التي ستتمتع بصلاحيات تشريعية محلية، كما سيتم في اليوم نفسه انتخاب "مؤتمر الشعوب الديموقراطية" العام الذي سيكون بمثابة برلمان عام على رأس مهماته تشريع القوانين ورسم السياسة العامة للنظام الفدرالي! صالح مسلم الرئيس المشترك السابق لحزب الاتحاد الديمقراطي أكبر الأحزاب الكردية في سوريا كان أعلن أن "الانتخابات هي الخطوة الأولى لترسيخ النظام الفدرالي والديمقراطية الفدرالية" في الأراضي التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية" مؤكداً أن "روج أفا" جزء من سوريا، لكنها تطالب بالفدرالية. والسؤال: هل نحن أمام بداية انفصال معلن عن الدولة السورية إذا جاز التعبير؟ وهل كان إقرار 200 عضوٍ من ممثلي "الإدارة الذاتية" الفيدرالية في مارس/آذار 2016 شمال شرق سوريا هو بداية الطلاق مع الدولة السورية؟ حيث عمدوا حينها إلى تقسيم مناطق سيطرتهم إلى ثلاثة أقاليم، هي الجزيرة (محافظة الحسكة، شمال شرق) والفرات (شمال وسط، تضم أجزاء من محافظة حلب ومحافظة الرقة) وعفرين (شمال غرب، تقع في محافظة حلب). والسؤال الآخر: هل ستنجح هذه المحاولة؟ قد يكون الجواب: لا، لعدة أسباب: الأول: دعوة "المجلس الوطني الكردي في سوريا" أكراد سوريا إلى مقاطعة الانتخابات المحلية والتشريعية التي ستجريها الإدارة الذاتية الكردية شمال سوريا وإصدار المجلس بياناً يعتبر فيه أن إصرار حزب الاتحاد الديمقراطي (المتحكم بالإدارة الذاتية) على الانتخابات هو تحد صارخ لإرادة الشعب الكردي وإلى ضغوط يتعرض لها الأكراد من قبل الاتحاد الديمقراطي في سبيل الدفع بهم للمشاركة في الانتخابات "المسيئة إلى نضال الشعب الكردي" ما يعني أن ثمة انقسام كردي واضح في تلك المنطقة. الثاني: الموقف الأميركي الملتبس والمحرج أمام المجتمع الدولي وأمام حليفته تركيا فلم يصدر أي تصريح من واشنطن يدعم إعلان "الفدرالية" إلا ما قالته صحيفة واشنطن بوست من أن الولايات المتحدة تسعى لإقامة هيئة حكم مدنية في المناطق التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية" منفصلة عن العاصمة دمشق. الثالث: موقف روسيا الداعم لوحدة الأراضي السورية واعتبار أي تواجد لقوات أجنبية في سوريا تواجد غير شرعي والمقصود هنا القوات الأميركية ما يجعل "قوات سوريا الديمقراطية" في موقف ضعف في حال خروج القوات الأميركية وهو ما قاله روبرت فورد السفير الأميركي السابق في سوريا وبدا تلوح بوادره عندما أعلنت الولايات المتحدة سحب أربعمائة جندي أميركي شاركوا في قتال داعش في الرقة دون إرسال أي بديل عنهم. الرابع وهو الأهم: الموقف التركي الرافض لإقامة أي كيان كردي منفصل عن الدولة في سوريا خوفا من انتقال العدوى للداخل التركي، الأمر الذي قد يدفع بتركيا لشن حرب على المناطق الكردية ما يجعل الأكراد في موقف ضعيف قد يقودهم إلى إعلان ولائهم للحكومة السورية للوقوف في وجه العدوان التركي وهو السيناريو الأكثر احتمالا وهو ما قاله الرئيس المشترك لـ"مجلس سوريا الديمقراطية" رياض درار من أن "قوات سوريا الديمقراطية" ستنضم للجيش السوري الذي سيتكفل بتسليحها عندما تتحقق التسوية السورية. على الرغم من إجراء الانتخابات في المناطق التي تسيطر عليها الوحدات الكردية لكن شبح ما حدث في كردستان العراق لا شك أنه سينعكس على الوضع الكردي السوري. فاللاعبون الاقليميون في العراق هم أنفسهم من يديرون اللعبة في سوريا ومهما تعاظم الدعم الأميركي لن يكون بمقدور الأكراد التخلي عن محيطهم الاقليمي وفتح جبهات مع أبناء جلدتهم في سوريا أو جيرانهم في تركيا والعراق! فهل تكون الحكمة سيدة الموقف ويكون كلام رياض درار عن اندماج الوحدات الكردية بالجيش السوري هو الحل؟ غسان يوسف باحث في الشؤون التركية
مشاركة :