حقّقت المملكة العربية السعودية، التي تعتبر أكبر اقتصاد في دول مجلس التعاون الخليجي، تقدّما كبيراً في إصلاح سوق رأس المال على مدى العامين الماضيين، جنباً إلى جنب مع إطلاقها رؤية المملكة العربية السعودية 2030 وبرنامج التحول الوطني 2020. وقاد هذا التحوّل أعلى هرم السلطة، تحت قيادة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وتجري الإصلاحات في وقت واحد على عدة جبهات، بهدف توسيع التنويع الاقتصادي وتعزيز سهولة الاستثمار في المملكة، وفي أسواق رأس المال. وفي وقت سابق من هذا العام، أدرَج مؤشر مورغان ستانلي كابيتال انترناشيونال للأسواق الناشئة، السوق المالية السعودية (تداول)، على قائمة المتابعة الخاصة بمؤشر الأسواق الناشئة. ويبدو أن هناك إجماعاً واسعاً على أن قراراً سيتم اتخاذه في منتصف 2018 بشأن إدراج المملكة في المؤشر، يليه إدراجها فعلياً في منتصف عام 2019. ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أنه حتى وقت متأخّر من منتصف عام 2015 فإن الأجانب الذين استثمروا في سوق رأس المال السعودي لم يكن بإمكانهم القيام بذلك، إلا من خلال صفقات التبادل فقط، والتي كانت مقيّدة ومعقّدة ومكلفة. ومع ذلك، وعلى مدى العامين الماضيين، قامت المملكة العربية السعودية بعدة إصلاحات للسماح للمؤسسات المالية المؤهلة بالاستثمار مباشرة في أسواق رأس المال، وتم مؤخراً تبسيط هذه القوانين أكثر لتشجيع المزيد من المستثمرين الدوليين والمؤسساتيين على المشاركة. إضافة إلى ذلك، قامت الهيئة المنظمة لأسواق المال بتعديل المدة الزمنية لتسوية صفقات الأوراق المالية المدرجة في سوق الأسهم السعودي لتكون خلال يومي عمل لاحقين لتاريخ تنفيذ الصفقة T+2، مما يعزز ضوابط حماية الأصول ويفتح فرصا جديدة لكل المتعاملين في السوق. كما فعّلت نظام التسليم مقابل الدفع واعتمدت معيار التصنيف الصناعي العالمي (جيكس) في السوق المالية السعودية. وقد مكّنت هذه الإصلاحات، جنبا إلى جنب مع تعزيز إطار حوكمة الشركات، واضعي المؤشرات الدولية؛ مثل مؤشر مورغان ستانلي كابيتال انترناشيونال ومؤشر فوتسي، من الأخذ بعين الاعتبار بجدية أكبر سوق رأسمال في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لإدراجه كسوق ناشئة. وقد يؤدي الإدراج في مؤشر مورغان ستانلي كابيتال انترناشيونال ومؤشر فوتسي (الذي سيتم النظر فيه في مارس 2018) إلى تدفّق عدة مليارات من الدولارات إلى السوق المالية السعودية (تداول) ليس فقط، من خلال الاستثمار في صناديق الاستثمار بالأسهم المدارة بأسلوب «سلبي» وفق تحرك المؤشرات الرئيسية، بل أيضاً الصناديق المدارة بأسلوب «نشط»، والتي تدار استناداً إلى أداء هذه المؤشرات، ومن المرجح أن يتركز اتجارها في الأسهم المدرجة في المؤشر المعني. وسيعتمد حجم التدفقات الداخلة على القيمة المطلقة للأموال التي تدار استناداً إلى أداء مؤشرات مورغان ستانلي كابيتال انترناشيونال وفوتسي في وقت إضافة القيمة السوقية لسوق تداول. وفي الواقع، يمكن أن يكون للاكتتاب العام المحتمل لشركة أرامكو السعودية تأثير مادي في وزن المملكة العربية السعودية في هذه المؤشرات. مع الأخذ بعين الاعتبار أن القيمة السوقية لشركة أرامكو يتوقّع أن تبلغ أكثر من تريليون دولار. وقد نجحت السوق المالية السعودية في فبراير 2017 في طرح سوق موازية للأسهم (نمو) للمستثمرين المؤهلين، بما في ذلك الشركات الصغيرة والمتوسطة، والذي يوفّر منصة بديلة للشركات لإدراجها بمتطلبات إدراج أخف وأكثر مرونة. وفي حين إن الإصلاحات والتطوّرات الأخيرة في أسواق رأس المال في المملكة جديرة بالثناء، فإن سلامة ومستقبل الاقتصاد الحقيقي يتميّزان بنفس القدر من الأهمية. وتعكس أسواق رأس المال في النهاية الاقتصاد الأوسع نطاقاً وتوجهاتها المستقبلية. وبناء عليه، فإن الإصلاحات الجارية من خلال برنامج التحوّل الوطني 2020 نحو تحقيق رؤية المملكة العربية السعودية 2030 لها نفس القدر من الأهمية. وعلى مدى العامين الماضيين، وضعت المملكة خريطة طريق واضحة المعالم بشأن التدابير الواجب اتخاذها لتنويع اقتصادها، وتشجيع مشاركة القطاع الخاص وخلق الملايين من فرص العمل لشبابها، الذين يشكّلون غالبية سكانها. وتعتبر خريطة الطريق هذه ذات أهمية قصوى في عصر يتوقّع فيه أن تظل أسعار النفط دون مستويات 70 ـــ 80 دولاراً أميركياً للبرميل لفترة طويلة: وبذلك تحتاج المملكة إلى مصادر بديلة للدخل لتحقيق توازن الميزانية. إن فرض الضرائب على عائلات المغتربين، وارتفاع الضرائب المفروضة على المغتربين، وضرائب الإثم على السجائر، وإدخال ضريبة القيمة المضافة المتوقع تطبيقها ابتداءً من عام 2018، كلها تدابير يجري اتخاذها لتعزيز عائداتها غير النفطية. وعلاوة على ذلك، تتخذ المملكة قرارات صارمة بشأن تكاليف إزالة التجاوزات في النظام، وإعطاء الأولوية للمشاريع وإلغاء الإعانات غير الضرورية. ويمكن لإجراءات التطهير الأخيرة لمكافحة الفساد أن ترصد أي تسرّب مالي داخل النظام، مما يسمح بزيادة إنتاجية كل دولار يتم إنفاقه. ومن شأن إنشاء «حساب المواطن» المتوقع أن يمنح إعانة شهرية ثابتة للعائلات على أساس دخلها بهدف إعادة توزيع المساعدات على العائلات الأكثر استحقاقاً. وهذه خطوة في الاتجاه الصحيح قبل إدخال المزيد من الإصلاحات، لا سيما على قطاع الطاقة. مجموعة تحديات ومع ذلك، فإن إجراءات تنفيذ هذا التحوّل الكبير تواجه مجموعة من التحديات الخاصة، كما حدث عندما أعادت الحكومة السعودية البدلات لموظفي الحكومة من مدنيين وعسكريين في أبريل 2017، وذلك بعد أن تم إلغاؤها في سبتمبر 2016 كجزء من تدابير التقشّف. وقد جاء قرار إعادة صرف البدلات لتخفيف الضغط على الدخل المتاح والإنفاق نتيجة إلغاء البدلات. ومع ذلك، يبدو أن هذا مجرد زوبعة في فنجان مقابل الإعلان الأخير عن اعتزام السعودية التخطيط لبناء مدينة «نيوم» المستقبلية بتكلفة 500 مليار دولار، ويبدو أن هناك رؤية واضحة لدفع المملكة إلى مستقبل أفضل وأكثر استدامة. ويمثل تنفيذ هذه المبادرات تحدياً رئيساً؛ لذا فإن الوقت وحده كفيل بمعرفة مدى نجاح إمكانية تنفيذ ذلك. نيشيت لاخوتياعضو معهد المحللين الماليين المعتمدين وجمعية المحللين الماليين المعتمدين في البحرين
مشاركة :