القاهرة: محمد عنتر دأبت «إسرائيل» منذ احتلالها مدينة القدس في يونيو 1967، على محاولة تهويد المدينة، عبر تغيير معالمها وتركيبتها السكانية، بهدف إنهاء الوجود العربي والإسلامي فيها، واستخدمت لأجل ذلك كل الوسائل المتاحة أمامها، دون أي اعتبار للموقف الدولي أو القانوني للقدس، وفي إطار هذا المخطط قامت بالعديد من الإجراءات لتمكين الاستيطان من المدينة، رغبة في اتخاذها عاصمة لها.وواصلت «إسرائيل» طوال العقود الماضية استكمال مخططها الاستيطاني للسيطرة على القدس، حيث وسعت حدود القدس شرقا وشمالا، واتبعت سياسة تهجير الفلسطينيين من المدينة، إلا أن عددا كبيرا من عرب القدس ظلوا متمسكين بهويتهم وأرضهم، ما عرقل بعض المساعي «الإسرائيلية» في القدس، واليوم تسعى مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مثلما فعلت مع كل سابقيه، لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، في محاولة لاعتبارها عاصمة لها، لكن المختلف هذه المرة أن «إسرائيل» تجد استجابة أمريكية.تعود أطماع «إسرائيل» في القدس إلى ما قبل حرب 1948، فقرار تقسيم فلسطين رقم (181) الصادر بتاريخ 29 نوفمبر لسنة 1947، لم يمنحها أي وضع في المدينة المقدسة. وعلى الرغم من أن هذا القرار الأممي منح «إسرائيل» 53% من مساحة فلسطين، إلا أن هذه المساحة لم تشمل مدينة القدس. وخالفت العصابات اليهودية هذا القرار، وسعت إلى محاولة وضع يدها على القدس، من خلال فرض الأمر الواقع، فاحتلت حي القطمون العربي، قبل أسبوعين من إعلان الدولة «الإسرائيلية»، واستطاعت أن تفرض تقسيمًا فعليًا على المدينة في اتفاقية الهدنة الموقعة مع الأردن وإسرائيل بتاريخ 3/4/1949.وفي يوم 11 ديسمبر عام 1948 أصدرت الأمم المتحدة قرارا بتدويل منطقة القدس وأنشأت لجنة التوفيق، وعهدت إليها وضع نظام دائم للتدويل، واجتمعت اللجنة خلال عام 1949 مع الوفود العربية والوفد «الإسرائيلي» في لوزان، وتم توقيع بروتوكول لوزان بتاريخ 12/5/1949. وعلى الرغم من أن تقرير اللجنة تضمن قسمًا خاصًا بالقدس، غير أن سياسة الأمر الواقع «الإسرائيلية» حالت بين اللجنة وبين وضع النظام الذي استهدفته، واستمرت في سياسة الرفض، والتمسك بالأمر الواقع، وعمدت إلى نقل عدد من وزاراتها من «تل أبيب» إلى المدينة المقدسة، لتعلن في 23 أكتوبر 1950 القدس عاصمة لها، مستكملة نقل باقي الوزارات إليها في يوليو 1950. الموقف الدولي واتخذت الأمم المتحدة، في المقابل، العديد من القرارات، التي تؤكد عروبة القدس، نزولا عند مطالب عربية، خاصة بعد أن احتلت «إسرائيل» القدس بالكامل، خلال حرب يونيو 1976، كان من بينها، القرار رقم 605 لعام 1987، حيث استنكر مجلس الأمن الممارسات «الإسرائيلية»، التي تنتهك حقوق الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة، وطالب «إسرائيل»، باعتبارها القوة القائمة بالاحتلال، بأن تتقيد فورًا وبدقة باتفاقية جنيف المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب، بما في ذلك بقاء تأكيد عروبة القدس.وطالب مجلس الأمن، «إسرائيل»، في 5 يناير عام 1988، بأن تكف عن ترحيل مدنيين فلسطينيين عن الأراضي المحتلة، وأصدر قراره رقم 608، الذي ألزم فيه «إسرائيل» بإلغاء أمر ترحيل المدنيين الفلسطينيين، وكفالة عودة من تم ترحيلهم. كما أصدر المجلس القرار 672 لعام 1990، وأدان فيه أعمال العنف التي ارتكبتها قوات الأمن «الإسرائيلية» في 8 أكتوبر 1990 داخل الحرم القدسي الشريف، كما أصدر القرار رقم 2334 لعام 2016 الذي طالب فيه بوضع نهاية للمستوطنات «الإسرائيلية» في الأراضي الفلسطينية. الموقف الأمريكي وتحاول الإدارة الأمريكية جاهدة طوال الوقت، رغم قرارات الأمم المتحدة، منافسة «إسرائيل» في فرض سياسة الأمر الواقع على مدينة القدس، في إطار مساندتها في جعل القدس عاصمة موحدة للكيان «الإسرائيلي»، متخذة جملة من الخطوات، ومن ذلك قيام لجنة العلاقات العامة الأمريكية - «الإسرائيلية» إيباك - إحدى جماعات الضغط «الإسرائيلية» في الولايات المتحدة- بدفع أحد رجال الكونجرس عام 2005 إلى تقديم مسودة مشروع قرار يطالب بالاعتراف بالقدس كعاصمة ل»إسرائيل» لا تقبل التقسيم، ومن ثم يعد موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تجاه القدس، جزءا من مسلسل حرص عليه مختلف الرؤساء الأمريكيين، حيث يعلنون خلال حملاتهم الانتخابية، تأييدهم لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس، طمعا في كسب أصوات اليهود وأنصارهم من المتطرفين، لكنهم لا ينفذون وعودهم بعد انتهاء الانتخابات، وتولي الرئاسة، إلا أن ترامب هو من يسعى إلى مخالفة ذلك بالتحدث بين فترة وأخرى حول عزمه نقل السفارة إلى القدس، كاعتراف أمريكي بأنها عاصمة ل «إسرائيل». الخبراء يحذرون وحذر أكاديميون وخبراء ل«الخليج» من اتجاه الإدارة الأمريكية الجديدة لاتخاذ قرار هذا الأسبوع، بنقل السفارة الأمريكية من «تل أبيب» إلى القدس، وإعلان القدس عاصمة ل «إسرائيل» مؤكدين أن ذلك سيزيد الصراعات في المنطقة العربية.وقال الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن الجمعية العامة للأمم المتحدة أصدرت العشرات من القرارات، التي تعتبر أن الأراضي التي احتلتها «إسرائيل» منذ عام 67 في فلسطين، هي أراض محتلة، ويجب أن ترحل عنها «إسرائيل» في أي تسوية، حيث أكد منطوق القرار 242 لسنة 1967، الذي أصدرته الأمم المتحدة أن القدس هي عاصمة فلسطينية عربية محتلة، لذلك فإن أي قرار قد يصدر من الإدارة الأمريكية في الوقت الحالي مخالف لذلك سيُحدث أزمة كبيرة على المستوى العربي والدولي.وتوقع نافعة حدوث رد فعل عنيف من جانب الحكومات والشعوب العربية في حال اتخاذ الإدارة الأمريكية قرارا بنقل سفارتها إلى القدس، قائلا: رغم المشكلات الداخلية التي تعاني منها الأنظمة والحكومات العربية، إلا أنه من المتوقع أن يكون هناك رد فعل عربي عنيف ضد القرار الأمريكي بنقل السفارة إلى القدس المحتلة. توقعات غاضبة وقال الدكتور مصطفى كامل السيد، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية في القاهرة: إن اتجاه الإدارة الأمريكية لاتخاذ قرار بنقل سفارتها للقدس سيلاقي رد فعل عربيًا غاضبًا واستياء دوليًا، ويؤكد للجميع أن أمريكا وإدارة ترامب لا تعطي أي أهمية للقرارات الدولية التي تصدر من الأمم المتحدة.وأشار إلى أن الرئيس الأمريكي ترامب يحاول البحث عن تسوية جديدة للقضية الفلسطينية يرضي من خلالها «إسرائيل» ورجال الأعمال اليهود، الذين دعموه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية السابقة، لكن ليس من المناسب أن يتخذ هذا القرار في الوقت الراهن، لأن اتخاذ قرار بنقل السفارة الأمريكية للقدس ستكون له آثار عكسية على موقف السلطة الفلسطينية والعرب بشكل عام، في ما يتعلق بالمفاوضات الجارية مع أمريكا الخاصة بتسوية القضية الفلسطينية وإحلال السلام في المنطقة. انحياز أمريكي وقال الدكتور أحمد يوسف أحمد، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة: إن هناك انحيازًا تامًا لإدارة الرئيس الأمريكي ترامب ل «إسرائيل»، كما أن ترامب يحاول التغطية على اتهامه بتزوير الانتخابات الرئاسية الأمريكية بالتعاون مع روسيا، لذلك فهو يريد أن يكسب تعاطف وتأييد رجال الأعمال اليهود و»إسرائيل»، الذين ساندوه في السباق الرئاسي.وأضاف أن القدس عاصمة عربية محتلة، ومعظم دول العالم والأمم المتحدة اعترفت بذلك، وأي قرار مخالف في هذا الشأن سيلاقي رد فعل وغضبًا عالميًا وعربيًا تجاه الولايات المتحدة. أرض عربية وقال الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية في القاهرة: إن القدس هي جزء من الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتم الاعتراف بذلك رسميا من قبل الأمم المتحدة في قرارها رقم 242 لسنة 67، وأي قرار بنقل مقر السفارة الأمريكية من «تل أبيب» للقدس سيكون قرارا غير شرعي ومخالفا للقرارات والأعراف الدولية، وسيزيد من حدة الصراعات في المنطقة العربية، وقد تستغله إيران كذريعة للتدخل في المنطقة.وأوضح أن الإدارة الأمريكية الجديدة تستغل انشغال الحكومات العربية في الصرعات الموجودة في بعض الدول العربية، خاصة في سوريا والعراق واليمن وليبيا، لاتخاذ قرار بنقل السفارة الأمريكية للقدس، وهو ما يعد كارثة كبرى قد تنتهي بتدهور العلاقات العربية - الأمريكية.وأضاف أن القضية الفلسطينية السنوات الماضية لم تكن محور اهتمام العرب بسبب الانشغال بالصراعات والجماعات الإرهابية، التي انتشرت في عدة بلدان عربية في سوريا والعراق ومصر واليمن، إلى جانب الانشغال بالصراع مع إيران ومحاولاتها المتكررة للتدخل في الشأن العربي بخاصة الشأن الخليجي، لافتا إلى أن ترامب يحاول استغلال ذلك ونقل السفارة الأمريكية للقدس لإرضاء «إسرائيل».وتابع: لا بد من تدخل عربي قوي لمنع الإدارة الأمريكية من نقل سفارتها إلى القدس، ويجب أن يكون هناك موقف حاسم لجامعة الدول العربية لرفض تلك القرارات التي ستزيد من الصراعات داخل الوطن العربي. تقوية الإرهاب وأكد الدكتور أحمد دراج، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن اتخاذ الإدارة الأمريكية قرارا بنقل سفارتها من «تل أبيب» إلى القدس سيكون ذريعة للجماعات الإرهابية لزيادة نشاطها في المنطقة العربية، كما سيلاقي رد فعل عربياً عنيفًا خاصة من قبل الشعوب، وسيزيد من الصراع العربي- الأمريكي.وأضاف دراج، أنه يتوقع في حال اتخاذ ترامب قرارا بنقل السفارة الأمريكية للقدس أن تحدث احتجاجات عربية عنيفة، لأن القدس ليست عاصمة عربية فحسب، لكنها رمز إسلامي مهم بالنسبة لكل عربي ومسلم ومسيحي في نفس الوقت، ولن يتخلى عنها العرب والمسلمون، مشيرا إلى أن إدارة ترامب تحاول التغطية على قضية تزوير الانتخابات الرئاسية، بعد اعتراف المستشار السابق للأمن القومي الأمريكي مايكل فلين بالتدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية السابقة. أمريكا تساند «إسرائيل» وقال الدكتور سعيد اللاوندي، أستاذ العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إنه من المتوقع أن يتخذ الرئيس الأمريكي ترامب قرارا بنقل السفارة الأمريكية للقدس، لإرضاء «إسرائيل» وحلفائه اليهود الذين ساندوه في الانتخابات الرئاسية، ولن تفعل الأمم المتحدة شيئًا، فأمريكا من أكثر الدول التي لا تلتزم بقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومن ذلك أنها غزت العراق رغم الرفض الدولي.وأضاف اللاوندي أن القضية الفلسطينية تعقدت، وتم تهميشها الفترة الماضية بسبب الصراعات، التي تعاني منها بعض الدول العربية، ولكن هذا لن يمنع من حدوث احتجاجات شعبية وحكومية قوية ضد القرار الأمريكي المتوقع، وقد تكون هناك انتفاضة عربية ضد القرار الأمريكي وضد إدارة ترامب، الذي أصبح يشعر بأنه يقترب من الخروج من منصبه، بعد فضحه واعتراف المستشار السابق للأمن القومي الأمريكي مايكل فلين بالتدخل الروسي في تزوير الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
مشاركة :