بقلم - رئيس التحرير / صالح بن عفصان العفصان الكواري : اختتمت القمة الخليجية الثامنة والثلاثون الليلة الماضية في دولة الكويت الشقيقة،بنتائج لم ترق لطموحات المواطن الخليجي وصدر عنها «إعلان الكويت» داعياً بكلمات إنشائية إلى إدراك التحديات التي تمر بها المنطقة والتمسك بمجلس التعاون وتعزيز العمل الجماعي، لتنفض كما بدأت،تاركة أزمات المنطقة تراوح مكانها، مع العلم أنه لم يكن متوقعاً منها أصلاً الخروج بأمر إيجابي، بقدر ما كان المؤمل إعطاء الانطباع، بأن الجسد الخليجي لا يزال بخير ويمكن تعافيه من أمراضه، في حال كانت المشاركة على المستوى الذي تمنته شعوب دول المجلس والدولة المضيفة، وفي حال كانت أجندة القمة واضحة ومحددة،ما أدى بدوره إلى اختزالها في ساعة. لقد انطوت مشاركة دولة قطر في القمة على النحو المعلن،بوفد ترأسه حضرة صاحب السمو الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى «حفظه الله ورعاه»، على رسالتين مهمتين، أولاهما حرص الدولة وقيادتها الحكيمة على مسيرة مجلس التعاون وعلى اللحمة الخليجية،وإنقاذ ما يمكن إنقاذه على كافة المستويات،وبالأخص المستوى الشعبي والجماهيري بعد التداعيات والانتهاكات الإنسانية الخطيرة التي تسببت فيها الأزمة الخليجية وحصار قطر. وتمثلت الرسالة الثانية والمهمة أيضاً التي بعثت بها قطر للرأي العام الخليجي والعربي والعالمي، في عدم إيمانها بسياسة المقاطعة، ما يعني أن قطر كانت ستشارك في هذه القمة حتى لو عقدت في إحدى دول الحصار، فما بالك في دولة الكويت الشقيقة،التي تكن لها قطر وشعب قطر ولأميرها الحكيم، رجل الإنسانية، كل المحبة والتقدير. ولا شك أن القمة الخليجية الثامنة والثلاثين، قد عقدت بدولة الكويت الشقيقة، كما قال حضرة صاحب السمو الأمير المفدى «حفظه الله» أمس لدى وصوله الكويت، في ظل ظروف بالغة الدقة في مسيرة مجلس التعاون،وفي ظل ما تواجهه المنطقة من تحديات، وبالتأكيد فإن استضافة الكويت الشقيقة، للقمة وفي هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها المنطقة، تؤكد بجلاء حرصها القوي على كيان مجلس التعاون والبيت الخليجي الواحد، وسعيها للملمة الجراح، ونزع كل ما من شأنه تعكير الأجواء أكثر، استمراراً لجهودها المقدرة لحل هذه الأزمة، وتفادي أية تداعيات إضافية سالبة لها، منذ افتعالها قبل 6 شهور. من هذا المنطلق جاءت أيضاً مشاركة دولة قطر في القمة،رغم أن الجرح لا يزال ينزف، والإساءات تتوالى والاتهامات المزورة المنفلتة بحقها مستمرة دون وازع من ضمير، أخلاقي، إنساني أو أخوي. وتعلم قطر تماماً أن مشاركتها في القمة الخليجية، لم تكن تعني انتهاء الأزمة،ولكن جاءت المشاركة، منسجمة مع موقفها المبدئي الثابت برفض المقاطعة وعدم إيمانها بسياسة المقعد الشاغر، وهو موقف متقدم ومتحضر،حظي بترحيب وتقدير الجميع داخل المنطقة وخارجها. نعم،شاركت قطر في القمة، لأنه ليس هناك ما تخشاه، فموقفها من أزمات المنطقة وآليات حلها واضح،ويمكن اختصاره في عدة لاءات،مثل لا للتدخل في شؤون الغير، ولا للوصاية، ولا لسلب السيادة والانتقاص من القرار الوطني، ولا للإملاءات، ولا للتآمر على الشقيق والجار، ولا للزج بالشعوب في الأزمات والاختلافات السياسية، ونعم للحوار خياراً استراتيجياً وحيداً لحل الأزمات دون المساس باللاءات أعلاه. رغم كل الافتراءات والبذاءات واتهامات الإفك والضلال التي طالتها، شاركت دولة قطر في القمة الخليجية بأرفع تمثيل، ورضيت رغم المرارات أن تجلس تحت سقف واحد مع الأشقاء، بعد أن تجاوزت بسياساتها الحكيمة وتوجيهات قيادتها السديدة ودبلوماسيتها الراشدة،الأزمة،ووضعت الحصار وراءها، لكن التمثيل المتدني لدول الحصار قد خذل الكويت الشقيقة وقيادتها الحكيمة أولاً، وخذل ثانياً شعوب ومواطني دول مجلس التعاون، وهو ما يؤكد استمرار هذه الدول في مخالفاتها الصريحة للأعراف الخليجية، وقفزها على قيمنا الدينية والأخوية التي توارثناها أباً عن جد،ما خيب الآمال وأثار الكثير من علامات الاستفهام حول ما تريده وتسعى إليه دول الحصار، بعدما خلعت قناعها وخاب سعيها وسقطت بجدارة في امتحان تحدي قطر !! المنطق يقول إن قطر تثبت على الدوام حضورها في كل القضايا الخليجية والعربية والدولية مهما كانت الظروف والمتغيرات وتطورات الأوضاع، ومن هذا المنطلق جاءت مشاركتها الرفيعة في القمة الخليجية أمس بالكويت الشقيقة، دعماً وتقديراً لجهود أمير الإنسانية وحرصه القوي على توثيق العلاقات والوشائج الخليجية الخليجية والمحافظة عليها في أفضل حالاتها، لكن هذا الموقف النبيل، يقابله موقف سالب اتخذته دول الحصار للأسف بغياب رموزها، وتدني مستوى مشاركتها في القمة،وهو ما يفسر تبييت نيتها على إجهاضها، بأنانية مفرطة وسياسات مرتبكة،من غير مراعاة للعواقب أو تقدير لجهود أمير الإنسانية الذي كرس جل فكره ووقته وجهده لعقد القمة وإنجاحها،واستقبل ضيوفه شخصياً ببالغ الحفاوة والبشر والترحاب. تبقى الحقيقة في أن مستوى مشاركة دولة قطر في هذه القمة، يؤكد بلا جدال ودوران، حرصها الشديد على المسيرة الخليجية، مهما كانت التحديات التي تعصف بالمنطقة، فيما لا يعفي غياب قادة دول الحصار عن القمة، من مسؤوليتهم،وما آلت وتؤول إليه الأوضاع داخل البيت الخليجي الكبير، وما يجري ويحدث في المنطقة كلها، جراء إفرازات هذه الأزمة التي افتعلوها وفشلوا في التعاطي الصحيح والسليم مع آليات حلها. كان الناس يتساءلون ما إذا كانت قطر بعد كل ما لحق بها من حصار ومقاطعة واتهامات مزيفة،ستجلس تحت سقف واحد مع دول الحصار في هذه القمة،لكنهم كانوا يتعشمون خيراً أن تشارك قطر، فكانت دوحة الخير عند حسن الظن بها، فيما قاطع قادة دول الحصار القمة، فخذلوا شعوبهم ومستضيفهم، وقوضوا الحد الأدنى من انفراجة خليجية تحد من الفتنة، وتعطي بصيصاً من الأمل بإمكانية إنهائها، بما يساير إيقاع العصر الذي لا يؤمن بالخصومات والمقاطعات،بل بالمصالح العليا التي تحكم العلاقات وتصون الحقوق، ولنا في دول الاتحاد الأوروبي والدول العظمى المثل الحي على هذا النهج العقلاني. يحسب للكويت الشقيقة نجاحها في عقد القمة في هذه الظروف غير العادية، لأنها كانت ترى وجود حاجة ملحة لتخطي الخلافات وتداعيات الأزمة التي فرقت الأسر وانتهكت الحقوق، وخيبت الآمال والتوقعات من حيث المحافظة حتى على القدر الضئيل من طموحات الشعوب الخليجية في الوحدة وتوثيق مسيرة مجلس التعاون وما حققه من إنجازات سابقة،لكن بالتأكيد فإن القمة لم تكن لتتجاوز ما خرجت به من نتائج، سقف الغرفة التي عقدت فيها،حتى لو التأمت في ظل الظروف الماثلة، بحضور كل القادة. رسالة قطر المفتوحة للجميع دائماً ومن هذه المشاركة تحديداً، هي أنها مع كل تجمع ولقاء خليجي يحقق مصالح دول المنطقة، وأنها مع الحوار الجاد والمسؤول، وكل ما من شأنه تعزيز اللحمة الخليجية، بغض النظر عن الغيوم التي تلبد سماء السياسة، وتحجب البصر والبصيرة عن رؤية الحق وقول الحقيقة. وفي الوقت الذي تحرص فيه قطر على الحوار والترفع عن الخلافات وطي صفحاتها وترسيخ التعاون الخليجي المشترك، يتعين أن يكون لدول الحصار في مقابلة الموقف القطري الإيجابي، رؤية ومرجعية واضحة ومفهومة، لتحديد وتقييم مواقفها، دون استمراء العنت والإصرار، على عرقلة جهود استقرار المنطقة وسبل معالجة أزماتها، وهدم الكيان،حيث تجلت أولى مظاهر تدميره، باتفاقيات ولجان ثنائية جرى التوقيع عليها بالتزامن مع انعقاد القمة!! . نستطيع أن نؤكد أن مشاركة حضرة صاحب السمو الأمير المفدى في القمة الخليجية الثامنة والثلاثين بالكويت كانت إيجابية بكل المقاييس، وأكدت على امتداد الدور القطري الطليعي والرائد وتعاظمه دوماً على مستوى المنطقة والإقليم والعالم بأسره، هذه المشاركة التي لقيت قبولاً وارتياحاً وترحيباً على مستوى الشارع الخليجي والعربي والإسلامي، وأكدت سمو قطر وروحها المتسامحة وجديتها في معالجة الخلافات والأزمات، لا سيما أن القمة كانت في ظل أزمات المنطقة المتفاقمة، سانحة مواتية للتقارب والتلاقي مجدداً وليس التنافر والتباعد. ولابد من الإشادة بالكلمة الضافية التي افتتح بها سمو أمير دولة الكويت القمة الخليجية وتناول فيها محاور ومضامين مهمة منها التأكيد على أن انعقاد القمة في موعدها هو بلا شك تأكيد للعالم أجمع على حرص دول المجلس على هذا الكيان وأهمية استمرار آلية انعقاده مع تكريس توجهها في أن أي خلاف يطرأ على مستوى هذه الدول ومهما بلغ لا بد أن يبقى مجلس التعاون بمنأى عنه لا يتأثر به أو تتعطل آلية انعقاده. editor@raya.com
مشاركة :