أثار قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، والاعتراف بالمدينة المقدسة المحتملة عاصمة لإسرائيل، موجة غضب عالمية، وسط تحذيرات من مغبة إشعال المنطقة وتعزيز التطرف والإرهاب. وفي حين يعقد اجتماع عربي طارئ على مستوى وزراء الخارجية العرب السبت المقبل، دعت تركيا إلى قمة لمنظمة التعاون الإسلامي الأربعاء المقبل. ووصف كبير المبعوثين الفلسطينيين لدى بريطانيا مانويل حساسيان قرار ترامب بأنه «إعلان حرب»، و«قبلة الموت لحل الدولتين»، قائلاً في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» إنه «يعلن الحرب في الشرق الأوسط ويعلن الحرب على 1.5 مليار مسلم ومئات الملايين من المسيحيين الذين لن يقبلوا بأن تكون الأماكن المقدسة تحت هيمنة إسرائيل بالكامل». بدوره، قال مستشار الرئيس الفلسطيني للشؤون الخارجية نبيل شعث إن قرار واشنطن يدمر دورها في أي وساطة لعملية سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، معتبراً أن ترامب لا يمكن أن يكون لا وسيطاً ولا نزيهاً ولا أميناً. وفي حين دعت حركة «حماس» الشعب الفلسطيني بكل فصائله وقواه الحية وشباب الانتفاضة لجعل غد الجمعة يوم غضب في وجه الاحتلال، حذر رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية في بيان، من أن نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس سيشكل «تجاوزاً لكل الخطوط الحمر»، ويعد «تحدياً صارخاً لكل المواثيق والأعراف الدولية». عربياً، حذر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، أمس، خلال اتصال هاتفي مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون من «تبعات خطيرة» لقرار ترامب على أمن واستقرار المنطقة، وأنه سيقوض جهود استئناف العملية السلمية، مؤكداً أن «موضوع القدس يجب تسويته ضمن إطار حل شامل يحقق إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، وتعيش بأمن وسلام إلى جانب إسرائيل». وفي موقف مماثل، وجه العاهل المغربي الملك محمد السادس رسالة إلى ترامب عبر فيها عن قلقه «العميق والقلق البالغ الذي ينتاب الدول والشعوب العربية والإسلامية» من قرار نقل السفارة، معرباً عن الأمل في تفادي هذه الخطوة التي ستؤثر على إيجاد تسوية عادلة وشاملة للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي لكون واشنطن «أحد الرعاة الأساسيين لعملية السلام وتحظى بثقة جميع الأطراف». وكان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حذر من أن مثل هذا القرار «يستفز مشاعر المسلمين» في العالم. وذكرت وكالة الأنباء السعودية «واس»، أن الملك سلمان تلقى اتصالاً هاتفياً من ترامب، ليل أول من أمس، أكد خلاله أن أي إعلان أميركي بشأن وضع القدس يسبق الوصول إلى تسوية نهائية سيضر بمفاوضات السلام ويزيد التوتر بالمنطقة، موضحاً أن سياسة المملكة كانت ولا تزال داعمة للشعب الفلسطيني وحقوقه التاريخية. وفي حين تقرر عقد اجتماع طارئ السبت المقبل على المستوى الوزاري لجامعة الدول العربية، قال الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط إن «المكانة الدينية للقدس في قلب العرب جميعاً - مسلمين ومسيحيين- تجعل من التلاعب بمصيرها ضرباً من العبث»، معرباً عن استغرابه «أن تتورط الإدارة الأميركية في استفزاز غير مبرر لمشاعر 360 مليون عربي، ومليار ونصف المليار مسلم إرضاء لإسرائيل». وعقب محادثات مع العاهل الأردني في أنقرة، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مساء أمس، إن «مثل هذا الاجراء لا يفيد إلا الجماعات الارهابية»، مضيفاً «أوجه هنا نداء إلى العالم أجمع: امتنعوا عن اتخاذ أي إجراء يهدف إلى تغيير الوضع الشرعي» للقدس. وحذر من أنه «لا أحد لديه حق التلاعب بمصير مليارات الاشخاص إرضاء لرغبات شخصية»، مؤكداً أن القدس هي «قرة عين كل المسلمين». وكانت الرئاسة التركية اعلنت في وقت سابق ان أردوغان دعا قادة الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاسلامي الى قمة في اسطنبول الاربعاء المقبل في 13 ديسمبر الجاري تتمحور حول مسألة القدس. كما حذر الناطق باسم الحكومة التركية بكر بوزداغ من أن القرار الأميركي يُمكن أن «يشعل» المنطقة والعالم ولا أحد يعلم متى ينتهي ذلك، مضيفاً«أدعو كل شخص إلى التصرف بطريقة مسؤولة، والامتناع عن تعريض السلام في العالم للخطر لغايات سياسية داخلية أو أخرى». في غضون ذلك، أعربت الكنيسة القبطية المصرية الأرثوذكسية في بيان، عن قلقها البالغ من نقل السفارة الأميركية إلى القدس، مؤكدة أنها تقف في صف الجهود الرامية إلى دفع عجلة السلام، وتدعو إلى السير في طريق التفاوض كسبيل أمثل لإقرار الوضع العادل، الذي يتوافق مع الحق التاريخي والقانوني لمدينة القدس، وبلوغ لحل عادل وسلام شامل. بدوره، دعا بابا الفاتيكان فرنسيس، أمس، إلى احترام الوضع القائم في القدس بما يطابق قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة»، والتحلي بـ«الحكمة والحذر». وفي طهران، اعتبر المرشد الأعلى علي خامنئي أن خطوة واشنطن دليل على عجزها وفشلها في حل القضية الفلسطينية، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة تريد إشعال الحروب في المنطقة للحفاظ على أمن إسرائيل. وفي لندن، قالت رئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماي: «موقفنا لم يتغير. وضع القدس يتم تحديده في مفاوضات تسوية بين الاسرائيليين والفلسطينيين، والقدس يجب ان تكون عاصمة مشتركة». وفيما أعربت الصين عن «القلق» من توجهات ترامب نحو القدس، محذرة من «تصعيد» محتمل للتوتر في المنطقة، أعلن الكرملين أن روسيا تشعر بالقلق إزاء احتمال تأجيج الخلاف بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية نتيجة خطط ترامب لنقل السفارة الأميركية إلى القدس. أما المنسق الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط نيكولاي ملادينوف، فأكد أن «مستقبل القدس أمر يجب التفاوض عليه مع إسرائيل والفلسطينيين، جنباً إلى جنب في مفاوضات مباشرة». وقال خلال مؤتمر في القدس، إن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس «تحدث مرات عدة عن هذه القضية، وقال إنه يتوجب علينا جميعاً أن نكون حذرين للغاية بما نقوم به بسبب عواقب هذه الأعمال». بدورها، أعلنت باكستان، ثاني كبرى الدول المسلمة، وحليفة الولايات المتحدة منذ أكثر من نصف قرن، معارضتها التامة قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. مسؤولون أميركيون: العملية السلمية تتطور خلف الكواليس نقل السفارة يستغرق سنوات وعينْ ترامب... على ولاية ثانية | واشنطن - من حسين عبدالحسين | لا يبدو إعلان الرئيس دونالد ترامب نيته نقل السفارة الاميركية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس أكثر من خطوة انتخابية تهدف لانتزاع أصوات وتبرعات اليهود الأميركيين، في محاولته للفوز بولاية رئاسية ثانية في العام 2020. وعشية إعلان ترامب نيته نقل السفارة الاميركية الى القدس، تماشياً مع وعده الانتخابي، عقد ثلاثة مسؤولون كبار في إدارته مؤتمراً صحافياً، شارك فيه أكثر من 400 إعلامي بصفة شخصية، عبر الهاتف. ورسم مسؤولو الإدارة خلفية القرار الاميركي على الشكل التالي: أولاً، على الرغم من العبارات المنمقة التي تستخدمها الادارة لمداعبة مخيلة اليهود في إسرائيل وأميركا، لناحية القول إن خطوة واشنطن هي اعتراف بالواقع القائل إن القدس عاصمة الأمة اليهودية منذ القدم، وهي عاصمتهم بالامر الواقع اليوم حيث حكومتهم وبرلمانهم ووزاراتهم، الا أن القطبة المخفية تكمن في قول المسؤولين في ادارة ترامب ان «حدود القدس يتم تحديدها بموجب اتفاق السلام النهائي بين الاسرائيليين والفلسطينيين». بكلام آخر، حتى لو قامت الولايات المتحدة بنقل سفارتها الى القدس الغربية، عاصمة اسرائيل نظرياً في مرحلة ما بعد السلام، مقابل القدس الشرقية عاصمة فلسطين، تشكل الحدود غير المرسومة للقدس، والخاضعة للمفاوضات النهائية بين الطرفين، مخرجاً للاعتراف الاميركي. فواشنطن تعترف بالقدس عاصمة لاسرائيل، ولكنها لا تقرر حدود القدس، ما يبقي الباب مفتوحاً لقدس شرقية عاصمة للفلسطينيين. ثانياً، حرص المسؤولون الأميركيون على تكرار انه على الرغم من إعلان ترامب، الا أن الامور على الارض ستبقى على حالها، وان أي عملية نقل لأي سفارة أميركية حول العالم تستغرق سنوات على الأقل، وضربوا مثالاً على ذلك بعملية نقل السفارة الاميركية في لندن الى مبنى جديد، وهي عملية استغرقت ثماني سنوات. ولأن عملية نقل السفارة، التي يعمل فيها ألف ديبلوماسي أميركي، من تل أبيب إلى القدس ستستغرق سنوات، سيضطر الرئيس ترامب الى الاستمرار في توقيع الاعفاءات التي دأب على توقيعها الرؤساء الاميركيون على مدى الاعوام الاثنين والعشرين الماضية. وتوقيع الاعفاء هو تأجيل لقانون الكونغرس الذي يفرض نقل السفارة الاميركية الى القدس، تحت طائلة وقف التمويل عن وزارة الخارجية الاميركية، وهو ما يجبر الرئيس على توقيع اعفاءات كل ستة أشهر بهدف تأمين استمرار التمويل الحكومي للخارجية. ثالثاً، حرص ترامب على الاتصال بالزعماء العرب المعنيين، بمن فيهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، للتأكيد أن خطوته لا تتعارض مع عملية السلام. وأمام إصرار الصحافيين على الاستيضاح كيف يمكن لإعلان أميركا، منفردة، لواحدة من بنود الحل النهائي المفروض التفاوض حولها، ان تدفع عملية السلام قدماً، أجاب المسؤولون الأميركيون انهم والرئيس «يعلمون ما لا يعلمه الرأي العام والإعلاميون حول تطورات العملية السلمية خلف الكواليس»، وان ترامب يبدي تفاؤلاً في التوصل الى تسوية سلمية بين الفلسطينيين والاسرائيليين في المستقبل القريب، وان اعتراف اميركا بالقدس عاصمة لاسرائيل لا يؤثر في مجرى المفاوضات السرية. في المحصلة، كاد المسؤولون الاميركيون أن يقولوا صراحة ان سبب إعطاء ترامب توجيهات لوزارة الخارجية ببدء إجراءات نقل السفارة الأميركية الى القدس هو سبب داخلي، وهو يتماشى مع قيام الكونغرس بتصويته على قوانين تنص على نقل السفارة في دوراته العشر الاخيرة، وأن قرار نقل السفارة لا يتعلق برأي ترامب أو رؤيته تجاه عملية السلام، وانه لا يتوقع ان يؤثر قرار إبقاء السفارة الاميركية خارج القدس في دفع عملية السلام قدماً، كما حدث في العقدين الماضيين، ولن يؤثر في عرقلتها كذلك، حسبما يعتقد ترامب ومسؤولوه. هو اعتراف اميركي أقرب الى النظرية منه الى الواقعية، وهو اعتراف مرتبط بعدد من العوامل التي مازالت قيد المفاوضات النهائية، أولها ترسيم حدود نهائية لمدينة القدس، وآخرها أن عملية النقل تبدأ الآن، ولكنها تبقى بحاجة الى المزيد من الاعفاءات الرئاسية على مدى السنوات المقبلة، وان إتمام عملية النقل يحتاج إلى إعادة انتخاب ترامب، وهو بيت القصيد.
مشاركة :