الحديث المنشور على هذه الجريدة لوزير خارجية العراق الدكتور إبراهيم الجعفري، قد يكون الخطوة المنتظرة لإعادة النظر في العلاقات العربية عموماً، وتقويمها ليس على ظرف معين، أي مسألة الإرهاب فقط، والذي رغم أهمية التعاون في مكافحته، إلا أن هناك خطى أخرى لابد أن تأخذ اتجاهها أمنياً وسياسياً واقتصادياً.. فغربة العراق عن محيطه لم تخلقها دول الجوار له، أو ما هو أقصى منها، بل الظروف التي أحاطت به بعد الاحتلال الأمريكي، وكلنا يعرف أن المالكي تسبب في عزل العراق، وجعل إيران البديل، حتى إن الشكوك حول استقلالية القرار العراقي أدت إلى أن تأخذ عزلته مع محيطه صورة لعراق آخر تحكمه منطلقات وأطر أضرت بوحدته الداخلية قبل غيرها، وعرّضته إلى ما يشبه الحرب الأهلية، وتفتيت قاعدته الوطنية ووحدة فصائل شعبه.. الدولة الجديدة محتاجة لأنْ تبادر وتكسر حاجز العزلة الخاصة، وهذا لا يعني ألا يكون العراق منفتحاً على الفضاء العالمي كله، لأن هذا حق لا ينازعه عليه أحد، لكن أن يدخل في ورطة مع سورية بتحالف مع نظامها، فذلك فجّر قيام داعش وقبلها القاعدة، واتخاذهما مركز الانطلاق والتوسع، وكذا الأمر مع حزب الله على مبدأ طائفي وضع العراق على حافة نشوء دولة داعش على معظم أرضه، وهي أخطاء لا تعالج بالصدمات الآنية، طالما مبدأ الخطأ استخدام «أفعل التفضيل» بين مكون وطني، وآخر ليُحدث فراغاً تنمو فيه القوى الإرهابية الجديدة من فصائل شعبية رأت أنها أمام خيار أن تتحالف مع عدو لا يحمل أي مشاعر إنسانية، مقابل من يقتل على الهوية، ويقطع أوصال الوطن الواحد.. في المملكة لا نريد استعراض تاريخ طويل من التلاحم الجغرافي والقبلي والتجاري مع العراق، فهي من الثوابت التي يعرفها كل إنسان من جميع التنوعات الوطنية، وعودتها ليست مستحيلة، إذا ما أزيلت الشكوك لصالح الروابط التي تجعل البلدين أمام تحديات الواقع الجديد بجدلياته الأمنية تحديداً، ثم صياغة صورة للمستقبل بدون أي تعقيدات مذهبية أو سياسية طالما تتوفر الظروف لهذه العودة.. لقد كشفت الأحداث الراهنة عن أن اعتماد سياسة الحواجز النفسية والمذهبية، لم يمنع أن تلعب الجغرافيا دوراً مختلفاً ليظهر للبلدين ومحيطهما أن أي خلل أمني يؤثر في بيئتيهما الأمنية، ولا يمكن لقوى خارجية أن تضمن الأمن ما لم تكن هناك علاقات واقعية تراعي مختلف الوقائع على الأرض، وليس من مصلحتهما استمرار العزلة ولأسباب ليست أساسية أو منطقية.. فالعراق لديه مقومات بأن يكون البلد العربي المتنافس على الفرص والتقدم في مختلف مجالات الحياة، يوفرها وفرة النفط والغاز، والزراعة، وقوة بشرية قابلة لأداء دور عامل النهضة الشاملة، وهذه الصورة لو عادت بإيجابياتها، فسوف تنعكس عملياً ليس على المملكة وحدها، وإنما على محيط العراق العربي والإقليمي، لتعيد دورها الفعلي باستقلالية تامة.. من منظور عام لا ندري هل تبقى الأحكام التي سادت المرحلة السابقة قائمة بحيث يتم التفاضل بين مصلحة عربية للبلدين، أم الاستمرار في الخيار السابق والعودة إلى إغلاق الحدود وتفشي الظواهر السلبية التي لم تخدم سياساتهما وتوجههما؟ النوايا الحسنة قد تكون البوابة الجديدة لإحياء التضامن العربي أمام أكثر من عدو داخلي وخارجي، والعراق أكثر من اكتوى بهذه النيران وعاش حرائقها..
مشاركة :