كاتبة مغربية لا تقدس اللغة ولا تتبعها بعماء بقلم: محمد بن امحمد العلوي

  • 12/9/2017
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

كاتبة مغربية لا تقدس اللغة ولا تتبعها بعماءفازت القاصة المغربية لطيفة باقا في سنة 1992 بجائزة الأدباء الشباب لاتحاد كتاب المغرب عن مجموعتها القصصية “ما الذي نفعله؟”، لتعود بعد ربع قرن لتحصد أيضا جائزة القراء الشباب للكتاب المغربي في صنف القصة القصيرة عن مجموعتها الجديدة “غرفة فرجينيا وولف”، فهل أنها باتت كاتبة الشباب الأولى في المغرب؟ عن هذا السؤال وغيره كان حوار “العرب” مع الكاتبة والقاصة لطيفة باقا.العرب محمد بن امحمد العلوي [نُشر في 2017/12/09، العدد: 10837، ص(14)]الكتابة هي خط تماس بين الواقع والخيال (لوحة للفنان عماد أبو جرين) الرباط - فازت الكاتبة المغربية لطيفة باقا بجائزة القراء الشباب للكتاب المغربي في صنف القصة القصيرة لدورة 2017، عن مجموعتها القصصية “غرفة فيرجينيا وولف” الصادرة عن دار توبقال 2015، وذلك من بين العديد من المجموعات القصصية كـ”نافذة على الداخل” للقاص أحمد بوزفور، و”همس الآلهة” لمحمد شويكة، و”صخرة سيزيف” لزهرة رميج، و”عناق” للطيفة لبصير و”مصحة الدمى” لأنيس الرافعي و”الأعمال الكاملة للزومبي” لنجيب مبارك. رهاب الفكرة في حوارها مع “العرب” أرجعت لطيفة باقا، سعادتها بالفوز بجائزة القراء الشباب للكتاب المغربي في صنف القصة القصيرة لسببين، الأول موضوعي لكونها جائزة نوعية يمنحها قراء شباب (من 14 سنة إلى 24 سنة) من خارج الدائرة المغلقة والمصابة بالتكلس التي طالما احتكرت الشأن الثقافي، والذي تحول على يديها إلى ريع ينافس في منسوب فساده الريع السياسي، وهنا تقول “هذا وحده يضفي على هذه الجائزة طراوة خاصة، على خلاف عدد من الجوائز الوطنية والعربية التي أصيبت بالانحسار البنيوي”. وأضافت باقا، أن الجائزة منظمة من قبل جهة غير رسمية تعمل في حقل غير مسبوق، هي شبكة القراءة التي اختارت أن تناضل “أفقيا” بالحث على القراءة كمدخل صحيح لتغيير حقيقي، وجائزة الشباب القارئ تندرج ضمن مشاريع عديدة تعكس تصورا عاما للنهوض بالفرد المغربي. أما السبب الذاتي، فعنه تقول “إنها ثاني جائزة في مساري الإبداعي وبالصدفة سترتبط كما ارتبطت سابقتها (جائزة اتحاد كتاب المغرب للأدباء الشباب) بمكوّن حيوي، هو “الشباب”، فالأولى منحت لي منذ أكثر من عشرين سنة باعتباري كاتبة شابة، والحالية سيمنحني إياها شباب قارئ عبّر عن رأيه بكل حرية باختياره النص الذي يروق له.. فالشباب هو القاسم المشترك بين الجائزتين”. دشنت لطيفة باقا، الكتابة السردية في تسعينات القرن الماضي، إلّا أنها مقلة في إبداعها، وحول سبب هذا التقشف أكدت لـ”العرب” أن مصطلح التقشف يروق لها، خصوصا وأنه مأخوذ من المعجم الاقتصادي، والكتابة ليست بعيدة جدا عن هذا المجال، مضيفة “قد سبق للكاتبة فرجينيا وولف أن اعتبرت الكتابة مشروطة بالغرفة الخاصة وبقليل من المال”. وتسترسل قائلة “في حالتي أفضل أن أنظر إلى تقشفي ليس من زاوية الكسل أو البخل، بل من زاوية الرهبة، تلك الرهبة التي تترجم إلى هروب يأخذ أشكالا متعدّدة، والتي أشعر بها غالبا أمام شاشة الكمبيوتر (الشكل الإلكتروني لرهاب الورقة البيضاء)، وقد أضيفت إلى هذا الرهاب حاجتي المزمنة لوقت خاص بالكتابة والتأمل المرتبط بها، أسرقه من يومي المكتظ بالمسؤوليات، حيث أعتبر أن فرصة عمر واحدة لكل إنسان ليست فكرة جيدة”.لطيفة باقا: النص عندي قد ينتظر طويلا قبل أن يصدر في حقه عفو النشر وتؤكد القاصة لطيفة باقا في معرض إجابتها، أن الشرط النسائي أيضا له دخل بالموضوع، قائلة “لا أكترث للكم، بقدر اهتمامي بالكيف، والنص عندي عموما قد ينتظر طويلا قبل أن يصدر في حقه عفو النشر، لكني مع ذلك كنت أتمنى أن تكون مساهمتي في الحياة الأدبية أكبر مما هي عليه الآن”. ويؤكد الواقع أن هناك مبدعين اتخذوا من الكتابة مهنة ومصدر رزق، لكن إلى أيّ حد لا يتوافق هذا التوجه مع القاصة والكاتبة المغربية، فتجيب باقة عن سؤال “العرب” قائلة “ربما كان ما يجمع الكتاب المغاربة هو رغبتهم الدفينة في التفرغ للكتابة يوما ما، هذه الرغبة التي تصطدم بجدار الواقع وبضرورة البحث عن مورد للرزق، فالكاتب مثله مثل كل الناس في حاجة إلى العمل في مهن متنوعة قد تقترب وقد تبتعد عن المجال الثقافي كي يعيش وكي يكتب”. واسترسلت تقول “الأسماء المغربية التي كان بإمكانها التفرغ للإبداع معدودة على رؤوس الأصابع، والقائمون على الشأن الثقافي في البلد لم يفكروا إلى حدّ اليوم في خلق مشاريع للنهوض بالإنتاج الثقافي، كما هو معمول به في العديد من الدول التي تعي أهمية هذا القطاع باعتباره المحرار الحقيقي لأيّ نهضة اجتماعية”. بين عقل وجنون لكل كاتب تجربته في التعاطي مع أسئلة الوجود والحياة والجمال ودرجة ركونه إلى خط كلاسيكي وإعطاء مساحة أكبر للتجريب، إلّا أن للطيفة باقا رأيا آخر، حيث تقول “الكتابة عندي رؤية للوجود وموقف من العالم أولا وأخيرا وغياب هذه الرؤية تعطينا أدبا بلا عمق وبلا أساس، عندما أكتب فأنا أتورط في طقس شبيه بطقس الولادة، ومن هنا يأتي الرهاب ربما، الكتابة عندي سيرورة خلق تبدأ بجملة قد أستيقظ من النوم وأجدها تنتظرني في مكان ما داخل عقلي، أو قد تصطدم بها عيني عندما أفتح النافذة، وقد يستفزها حديث أو أغنية أو لقطة في فيلم أو ذكرى ألم شخصي”. وحول مدى إيمانها بقدرة النص السردي على تطوير نفسه، أكدت لطيفة باقا أنه لم يسبق لها أبدا أن كتبت انطلاقا من تصميم مسبق، حيث تترك النص يٌكتب من تلقاء نفسه قبل أن تبدأ المرحلة الثانية، وهي التشذيب والتنقيح والبحث عن المعنى، وتضيف “قد أعيد كتابة النص عشرات المرات قبل أن يستقيم، والاستقامة تعني أن يحقق قدرا من الإبداعية والجمال، إضافة إلى نسبة مهمة من العقل ومن الجنون”.الكتابة تكون مؤلمة في البداية والجملة الأولى عند القاصة، هي بداية الطلق وبعدها تتوالد الكلمات ثم يبدأ النص في الظهور والتشكل، موضحة “الكتابة تكون مؤلمة في البداية، لكنها تصبح مصدر سعادة فيما بعد، هي رحلة باطنية لذيذة لا نعرف إلى أين ستنتهي؟ يعجبني غارسيا ماركيز عندما يقول إن كل جملة في نصوصه لها أساس من الواقع، يعجبني البعد الفضائحي المضمر في فعل الكتابة”. أما القضايا التي تلح على لطيفة باقة، ككاتبة امرأة تعبّر عنها من خلال شخصيات قصصها، فمرجعها الواقع بنفس الحدّة التي تلح بها على الذاكرة، وتسترسل موضحة “لا أدري كيف يمكن للواقع أن يتحوّل إلى أحلام أراها وأنا نائمة لأكتبها عندما أستيقظ، فالكتابة هي خط تماس بين الواقع والخيال، بين الذاكرة-اللاوعي والصنعة-الوعي، شخوصي يشبهون الناس في الشارع أو في الغرف المغلقة، هم مغاربة بسحنات سمراء أو بيضاء بكل التناقضات الرائعة التي تصنع حياتهم اليومية”. وتقول القاصة المغربية، إنها تعيد كتابة العالم الذي تنتمي إليه لتفهمه أكثر أو لتسخر منه أو لتصرخ في وجهه، والسؤال الذي يفرض ذاته، هو هل للخصوصيات الثقافية واللغوية والسياسية أثر في إنتاجها للنص السردي، حيث أن لطيفة باقا تعمل على إدماج العامية في بعض نصوصها، وتقول في هذا الخصوص “لغتي بسيطة، لأنني لا أريد أن أسمح للغة بأن تجرني خلفها، أريد أن أخضعها لنزوات خيالي، أن أتحكّم فيها لأصنع منها الكلمات التي تروق لي وأعبّر بها عن الأفكار التي تشبهني”. وتختم لطيفة باقا بقولها “لغتي حرّة تبحث عن الشكل والمعنى الذي يناسبني، وعندما يتصادف أن لا تسعفني اللغة العربية أزور الدارجة المغربية، وهي بالمناسبة قوية جدا ومعبّرة إلى أقصى حد وقد ألتجئ إلى الفرنسية، فأنا لا أقدّس أيّ لغة، اللغة ليست أكثر من وعاء لأفكاري ونصوصي”.

مشاركة :