اعتماد الفرنسية في العديد من المجالات الثقافية والإعلامية يأتي ترضية للوبي الفرانكفوني بالمغرب وتحت ضغط مباشر وغير مباشر من المنظمات الفرانكفونية، حسب خبراء التواصل.العرب محمد بن امحمد العلوي [نُشر في 2017/03/28، العدد: 10585، ص(17)]أين نحن من لغات البحث والتنمية العالمية الرباط - حسم الدستور المغربي مسألة الانفتاح على لغات أخرى ومنها الإنكليزية، لغة العلم والحضارة، بعدما أقر العربية والأمازيغية لغتين رسميتين في البلاد. وتذهب مجموعة من المذكرات الوزارية، إلى التأكيد على ضرورة الانفتاح على اللغة الإنكليزية باعتبارها لغة عالمية، لغة الاقتصاد والسياسة والعلوم والطب والتواصل في أغلب دول العالم. وأكد خبراء في اللغة والتواصل أن اعتماد الفرنسية في العديد من المجالات الثقافية والإعلامية يأتي ترضية للوبي الفرانكفوني بالمغرب وتحت ضغط مباشر وغير مباشر من المنظمات الفرانكفونية، منبهين إلى ضرورة دمج اللغة الإنكليزية في العملية التعليمية كلغة المعرفة والعلم والتكنولوجيا دون إهمال اللغات الأخرى كوسيلة للانفتاح. ويتطرق الميثاق الوطني للتربية والتكوين في القسم الثاني منه إلى الرفع من جودة التربية والتكوين وتحسين تدريس اللغة العربية، وإتقان اللغات الأجنبية، والتفتح على اللغة الأمازيغية. وكان رشيد بلمختار، وزير التربية الوطنية والتكوين المهني، قد أعلن في مارس 2016 أن الوزارة تعتزم تكريس انفتاح المنظومة التربوية المغربية على اللغات الأجنبية خاصة في تدريس المواد العلمية وأنها اتخذت قرار الشروع في تدريس اللغة الإنكليزية ابتداء من السنة الرابعة من التعليم الابتدائي في بادرة هي الأولى من نوعها في المملكة. وردا على الجدل الدائر حول المسألة اللغوية في التعليم الحكومي وحول مكانة اللغة العربية أكد بلمختار أن تدريس اللغات الأجنبية أصبح ضروريا لتحسين فرص ولوج أجيال المستقبل في سوق العمل. ونفى أن يتسبب تعليم اللغات الأجنبية، في تأثير سلبي على مكانة اللغة العربية. وأكد وزير التربية أن رؤية 2030-2015، لإصلاح التربية والتكوين، جعلت من اللغة العربية لغة التدريس الأساسية، في المستوى التعليمي الابتدائي والإعدادي والثانوي، بالتوازي مع تعزيز اللغات الأجنبية. وكشف عن اتجاه الوزارة إلى تدريس بعض المواد باللغة الفرنسية في المستويين الإعدادي والثانوي، بشكل تدريجي، مع تدريس اللغة الإنكليزية ابتداء من السنة الرابعة من التعليم الابتدائي.الإحصاء السكاني للفترة ما بين عامي 2004 و2014 كشف تطورا ملحوظا في الاهتمام باللغات الأجنبية غير الفرنسية ويعتقد عبدالعلي الودغيري، أستاذ العلوم اللغوية بجامعة محمد الخامس، في حديثه لـ“العرب”، أن تدريس اللغات الأجنبية في مدارسنا ومعاهدنا المغربية ضرورة لا مناص منها، موضحا أن تلقين العلوم ينبغي أن يكون باللغة الرسمية الوطنية في جميع المراحل التعليمية من رياض الأطفال إلى الجامعات، إلا في حالات العجز الحقيقي ولظرفية معينة. واعتبر الودغيري أن مرحلة الروضات والسنتين الأولَيين من التعليم الابتدائي يجب أن تخصَّصا لدراسة وتعلُّم اللغة الرسمية الوطنية (العربية)، ويبدأ تعلّم اللغة الأجنبية الأولى في السنة الثالثة من التعليم الابتدائي، واللغة الأجنبية الثانية في السنة الرابعة أو الخامسة من التعليم الابتدائي. ويرى الودغيري أن استعمال اللغات الأجنبية لا ينبغي أن يكون على حساب اللغة الرسمية ولا أن يحل محلها، ويتفق فؤاد بوعلي رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، مع هذا الرأي. ويؤكد بوعلي في حديثه لـ“العرب”، أن اللغة العربية هي المؤهلة لأداء الأدوار المعرفية والهوياتية، لأنها الأقدر على مساعدة المواطنين على الإبداع وتطوير المعارف. وفي هذا الإطار شدد الودغيري على أنه لا ينبغي للفرنسية أن تحتكر تعليم اللغات الأجنبية في المغرب، ولا أن تُزاحِم اللغة الرسمية أو تأخذ مكانَها في أي مجال من المجالات. واقترح إعادة الاعتبار لتدريس اللغة الإسبانية التي أخذت الفرنسيةُ مكانَها في المناطق الشمالية والجنوبية بعد الاستقلال، كما يجب إعطاء مساحة أكبر للإنكليزية. ويذهب فؤاد بوعلي إلى أنه من متطلبات تكريس السيادة الوطنية جعل اللغة الرسميةِ لغةَ التدريس والتداول في الشأن العام، لكن يبدو أن منطق الاستلاب الذي تدبر به المسألة اللغوية والهوياتية بالمغرب قد أدى إلى سيطرة شبه كاملة للغة الأجنبية على دواليب الحياة العامة. واعتبر فؤاد بوعلي أن المغرب يعيش نكسة هوياتية خطيرة لم تحدث منذ الاستقلال تتمثل في تراجع سياسات التعريب وفرنسة التعليم واستعمال الفرنسية لغة للتخاطب في المحافل الرسمية. وحسب المعطيات الرسمية كشف الإحصاء السكاني العام للفترة ما بين عامَيْ 2004 و2014 تطورا ملحوظا في الاهتمام باللغات الأجنبية غير الفرنسية من 9.1 بالمئة إلى 18.4 بالمئة، وهذا التطور يثبت -حسب بوعلي- أن الفرنسية مآلها التراجع في السوق العالمية لتغدو لغة أدب وتاريخ وليست لغة تنمية. ويعد عبدالعلي الودغيري من الأساتذة الداعين إلى الانفتاح على لغات العالم التي تفرض وجودها علميا ومعرفيا، ويشير إلى أنه ما دام الغرضُ من تعلُّم اللغات الأجنبية هو اكتساب المعارف المتطورة والاستفادة من دول العالَم الأكثر تقدماً، فإن الإنكليزية هي اللغة المؤهلة أكثر من غيرها لتحتل المرتبة الأولى بين اللغات الأجنبية، فهي لغةُ العلم والتقنيات والسياحة والتجارة وغير ذلك من المجالات في الوقت الحاضر، وهي التي تفيد الطلاب عملياً أكثر من غيرها.استعمال اللغات الأجنبية لا ينبغي أن يكون على حساب اللغة الرسمية ولا أن يحل محلها، ويتفق فؤاد بوعلي رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، مع هذا الرأي ويرى الكاتب العام للائتلاف الوطني لترشيد الحقل اللغوي عطاء الله أن انفتاح المغرب على لغات أخرى لا يرتبط باختيارات فردية أو بتخوفات وهواجس ذاتية، بل هو رهان مؤسساتي. ويعتقد عطاء الله أن الفرنسية من المكونات الموجودة بتعددنا اللغوي في المغرب، وتبقى اللغتان العربية والأمازيغية لغتين دستوريتين لا مجال للمزايدة عليهما بأي حال من الأحوال. ويؤكد رئيس الائتلاف الوطني لترشيد الحقل اللغوي لـ“العرب”، أننا لا نعادي أي لغة حتى وإن كانت العبرية لأنه من الناحية العلمية والمنطقية والعقلية الحكيمة الوازنة لا يمكن لمثقف بعيد النظر أن يرفض فكرة أو مشروع تعلم اللغات، وخصوصا ذات الصيت والحضور العالميين مثل الإنكليزية والصينية. ويتطلع الائتلاف الوطني لترشيد الحقل اللغوي إلى المساهمة الفعالة في تحديد السياسة اللغوية في المغرب، وتم تكليف عطاء الله الأزمي بوضع خطة إستراتيجية للسنوات 2017-2014 تتضمن أربعة مجالات متكاملة: المشاركة والحكامة (الحوكمة)، والعلاقات الداخلية والخارجية، والسياسات والممارسات، والشراكات. وتعتبر الخطة المقترحة أداة منهجية لتحليل المجالات المستقبلية للعمل في الحقل اللغوي. وحسب الفصل الخامس من الدستور المغربي، تظل العربية اللغة الرسمية للدولة. وتعمل الدولة على حمايتها وتطويرها، وتنمية استعمالها. وتعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء. وتسهر الدولة على انسجام السياسة اللغوية والثقافية الوطنية، وعلى تعلم وإتقان اللغات الأجنبية الأكثر تداولا في العالم، باعتبارها وسائل للتواصل، والانخراط والتفاعل مع مجتمع المعرفة، والانفتاح على مختلف الثقافات، وعلى حضارة العصر. ويشدد عطاء الله الأزمي على أنه لا يجوز أن يتم تعليم اللغات الأجنبية على حساب لغتينا الدستوريتين مهما تكن الأسباب والدواعي، لأن في ذلك خرقا سافرا لمقتضيات الدستور، وتراجعا عن إجماع وطني سجله المغاربة بفخر واعتزاز في استفتائهم على دستور 2011.
مشاركة :