حسن شريف.. احتفاء سينمائي بـ «آلات حادة»

  • 12/10/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

نوف الموسى (دبي) لم يكن فيلم «آلات حادة» للمخرجة نجوم الغانم عرضاً سينمائياً عابراً في مهرجان دبي السينمائي الدولي، ولم تكن المخرجة نجوم نفسها، تمتلك خياراً في أن تصنع فيلماً عن الفنان الراحل حسن شريف، الذي حضر مساء أول من أمس، بقامته الروحية، وتوسط الجلوس بين أصدقائه الشعراء، مصفقاً.. لا لما قاله، بل لما استطاعت الحياة أن تنجزه من خلاله. فالقدر بحكمته، جعل من الحدس الوجودي لنجوم الغانم، ممراً لكل هذا الثراء البصري والجمالي بحدودية الصراع والغضب والقسوة والخشونة والرعونة، وما كان منها إلا أن تستجيب لصوتها الداخلي، الذي أعلن حسن شريف عن ارتياحه لصداه بعد أن علم بمرضه، وقرر أن يقف أخيراً أمام الكاميرا، ليس حباً فيها، وإنما انتظاراً جديداً لتجليات الرحلة القادمة لما بعد الموت. ماذا قصدت المخرجة نجوم في افتتاحية قصيدتها، بـ «أنت»؟ في العرض الأول للفيلم، قالت فيها: «ذاكرتي ممتلئة بصندوق معدات لم يمسه أحد، ولن يمسه أحد إلا أنت». كل شيء عند نجوم الغانم يبدأ بالشعر، بينما ظلت القصيدة لدى حسن شريف، صديقاً مقرباً يملي به فضاءات الفراغ الشاسع، في مراحلة التحول البديعة من النغمة اللونية إلى النغمة المفاهيمية، مستثمراً الموسيقى والمسرح والأدب، وجمعيها ساهمت باعتراف حسن شريف في بناء لحظة جارحة في أعماله الفنية، لا يمكن أن ترى عملا له وأنت تشرب القهوة الصباحية، فأنت لست مخيراً في ذلك، إما أن تحضر بكلك في العمل أو لا تكون. وكمية الإزعاج في تلك الأعمال، دفعت بالناس إلى التنازل أخيراً عن قدسية اللوحة المعلقة، وعن الرومانسية المفرطة تجاه وصف الفنون، وتحديداً عند إنزال العمل على الأرض وصولاً إلى الأقدام كما فعل حسن شريف، معتبراً أنه لا حاجة لأي هوامش كالإضاءة، مصرحاً بذلك في الفيلم: «ضوء الشمس يكفي لرؤية الأعمال، وفي الليل إذا لم تستطع رؤيتها يكفيك أن تلمس العمل بيديك». سُئل حسن الشريف خلال دراسته في بريطانيا، هل فعلاً ستعود وتنتج هناك، قال وقتها نعم، لم يهتم أبداً بمسألة الجدوى في ذلك الوقت، واستثمر جّل الثراء البصري والفكري، ليقتفي أثر ما هو خلف اللوحة، بمنظورها الفلسفي والنفسي. قل إخلاصه للوحة، وزاد انجرافه نحو بناء الأشياء في الأشياء، باقتضاض التكرار الذي لا يمثل تكراراً، وبنغمة هارموني تغنى بـ تا فا تي فا، القريبة من الموسيقى المعاصرة. يستهجن حسن شريف عودة الأسئلة عن مقاربة ترك اللوحة والانغماس في الأشياء أو العكس، فهو التناقض الجميل الذي يولد في الصيرورة الداخلية للإنسان. معجب هو بشهرزاد، تلك المرأة التي نجت عبر سرد القصص، فالفن هو تلك الحكاية التي تنساب نحو تخفيف وطأة الحكاية الأقدم منها، مرجحاً مسألة الربط والقطع في أعماله بأنها فعل أنثوي بامتياز. «عشت طفولة.. بؤس في بؤس».. انزعجت والدة حسن شريف من أعماله، وفي كل مره توبخه وتطلب منه أن يخرج للعمل وإحضار المال. في مشهد الحديث عن الطفولة في الفيلم، هدأت حماسة حسن شريف، لا يود الحديث عن الماضي ولا يؤمن بما يمكن أن يدعى بـ «الحنين»، فليس لديه عاطفة تجاه أي شيء، واختار أن يكون حجراً. يحاول الابتعاد عن أي تصنيف، ويخبر الذين يبحثون عن مساره، بأنه لا يملك طريقاً معيناً ليخبرهم به، متجنباً ذلك حتى لا يحسب على مفهوم معين ويضطر للدفاع عنه طوال حياته. وعندما أطلقوا عليه ادعاءات بأنه مخرب للفن، ضحك هنا حسن شريف في الفيلم وقال إنه وسام على صدري أن أكون مخرباً، جيد إنهم نبهوني لذلك في ذلك الوقت. يرى من تكسيره لبعض أعماله، حالة من نشوة الفرح ربما، مفضلاً أن يتحمل مسؤولية أعماله فقط، وتجنب فكرة العائلة، واصفاً بأنه «عائلة نفسه». يستحوذ على حسن شريف القلق والفرح، فأحياناً لا يعرف الشخص لماذا يعيش حالة فرح معينة، وأحياناً أخرى يعيش لحظات قلق لا يعلم أيضاً لماذا؟ يرجح التعاطي مع الطقوس وترك الروحانية في أعماله، بالنسبة له الوطن في مواده وأعماله. فالأخير معروض في هذه اللحظة التي هو يتحدث فيها بالفيلم في العديد من الأمكنة، فهو ليس وحيدا، بل يشارك كل هؤلاء من خلال الأعمال. ظل الفنان محمد كاظم، صديق الفنان حسن شريف، يعيش حالة من التوتر طوال عرض الفيلم، وهو اعتراف تقدم به، أثناء طلب المخرجة نجوم الغانم منه التحدث عن رأيه في الفيلم بعد انتهاء عرضه: «متوتر من اللحظة التي رأيت فيها الفيلم، هذا ما أستطيع قوله». تركزت كل الأسئلة والمناقشات بعد عرض الفيلم من قبل الجمهور، عن كيفية قدرة المخرجة نجوم الغانم على إقناع حسن شريف بعمل الفيلم، حيث إن صوت المرض وقتها الذي حضر في جسده، ألقى به نحو نهر الخروج من الصمت. بكت المخرجة نجوم الغانم، احتفاءً بهذا الجمال الذي أرادت أن تصل به لروح الفنان الراحل، مؤكدة أنه بتلك الثقة التاريخية التي جمعتهما خلال دعمهما لبعض، في الكثير من التحديات في وقت سابق، ساهمت في إحداث الفيلم. حضر المحتوى بضخامته وحجمه اللامحدود، في الفيلم، بمستوى عالٍ من الرقي المعرفي، الذي تجنب النخبوية، في طرحه، ولمس التلاقي العفوي للمشاهد، سواء كان مهتما بالفنون أو غير مهتم، فالفيلم بشاعريته التامة، أحدث نقلات تضمنت عروضا لصور توثق رحلة حسن الشريف في الثمانينيات تحديداً، إضافة إلى صور اجتماعية للأصدقاء، وجاء جمعها بانسجام روحي، متسلسل، وبالأخص الموسيقى التي ألتقت بالمشهدية البصرية، واستكملت حوارها هي الأخرى عن ما يفعله حسن شريف بنفسه وبأعماله.

مشاركة :