على طريقة الأفلام الأمريكية التي يقوم بإخراجها(ديفيد غريفيث)صاحب المدرسة السينمائية التي تقوم على مبدأ (الإنقاذ في اللحظات الأخيرة) تتصاعد أزمات اليمن إلى درجة الغليان الذي يشعر معه الجميع بأن دقات قلوبهم صارت شبيهة بدقات ساعة قنبلة على وشك الانفجار يظهر في الثواني الأخيرة من ينزع فتيل الأزمة وسط همهمات وزفير وشهيق المواطنين البسطاء الذين أصبحت هذه الطريقة السينمائية بالنسبة لهم معتادة ومكرورة وجزءاً من حياتهم اليومية فهم الذين لا يخرجون من أزمة حتى تداهمهم أخرى الأمر الذي لم يعد معه يكترثون بانحباس أنفاسهم مع كل لحظة عصيبة يمرون بها. وتبرز آخر تجليات هذه التراجيديا في الأزمة والأحداث المهولة التي شهدتها العاصمة اليمنية صنعاء خلال الأيام القليلة الماضية والتي بلغت سخونتها مبلغاً ظن معه الجميع أن اليمن بات على أبواب حرب أهلية وزلزال مدمر يصعب احتواؤه أو إيقافه قبل أن يطل عليهم أبطال إطفاء الحرائق في الوقت الحاسم ليقوموا ب (تنفيس) الغليان باتفاق جرت هندسته من قبل المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بنعمر يقضي بإعادة صياغة المعادلة السياسية على نحو يسمح بإشراك جماعة أنصار الله في دوائر صناعة القرار بعد أن صارت كقوة لا يستهان بها على الأرض وبصرف النظر عن العوامل التي أسهمت في تقوية هذه الجماعة ومن يقف وراءها فإن اليمن أصبح أمام معادلة جديدة ستكون لها استحقاقاتها على المدى المنظور والبعيد. لا يختلف اثنان على أن ما جرى في اليمن مؤخراً كان متوقعاً من المطلعين على بواطن الأمور فالأخطاء المتراكمة للحكومة والسلطة الانتقالية لاشك وانها من مكنت جماعة أنصار الله من امتطاء مطالب الشارع وتقديم نفسها كحامل لمشروع الإصلاح مستغلة تذمر الغالبية العظمى من أداء الحكومة وفشلها على مدى الثلاث السنوات الماضية في تحقيق أي إنجاز يذكر بل على العكس فقد تدهورت الأوضاع الأمنية والاقتصادية وارتفعت معدلات البطالة وتزايد أعداد الفقراء وتضخمت منظومة الفساد وتراجعت أحوال الناس بطريقة دراماتيكية وهو ماسمح لتلك الجماعة بالإمساك بزمام المبادرة وقيادة ثورة شعبية لإسقاط الحكومة بجميع مكوناتها. هناك من قد يطرح من أن ماحصل في اليمن لم يكن بعيداً عن تدخلات الخارج ولكن فلولا مكامن العجز وإخفاق القائمين على إدارة المرحلة الانتقالية لما حدثت تلك التدخلات بل إن الحقيقة انه ما كان لأي طرف خارجي أن ينفذ إلى الداخل اليمني لولا اقتناع الناس بأن المؤسسات التي تدير شؤونهم ليست قادرة على إعادة بناء مشروع الدولة وان هذه المؤسسات تتجه بالبلاد نحو انسداد سياسي وانكشاف أمني سيفضي بها إلى المجهول. وبفعل هذه الظروف وغيرها كنا قد قلنا إن اليمن بحاجة إلى مشروع (مرشال خليجي) ينقذه من الانهيار والوقوع تحت تأثير الاستقطاب الذي تشهده المنطقة ولو أن أشقاء اليمن استوعبوا الأهمية الاستراتيجية لأمن واستقرار اليمن لأدركوا تماماً إن حماية هذا البلد من زوابع التجاذبات الداخلية والخارجية هو إنقاذ لبلدانهم وتلك مسؤولية يجب النظر إليها بعين الاعتبار حتى لا نشهد موت اليمن كما شهدنا موت العراق وليبيا وسورية وقبل ذلك موت الصومال.
مشاركة :