احتفى المغرب خلال الأيام الماضية بصناعته التقليدية من خلال تنظيم الدورة الخامسة للمعرض المهني «من يدنا»، بمدينة الرباط، وذلك تحت رعاية الملك محمد السادس. ونُظم المعرض، الذي شهد إقبالاً جماهيرياً كبيراً، بالتعاون بين وزارة السياحة والنقل الجوي والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي، ومؤسسة «دار الصانع»، وبشراكة مع فيدرالية مقاولات الصناعة التقليدية. وأجمع كل المشاركين في المعرض، القادمين من مختلف أنحاء المملكة المغربية على أهمية هذه التظاهرة الوطنية، لما تتيحه من لقاءات، بصفة مباشرة مع المواطنين، ولما توفره من فضاءات لمناقشة ملفات الصناعة التقليدية في إطار من الصراحة والمكاشفة، لمواجهة التحديات المطروحة. وقال عبد الله عدناني، المدير العام لـ«دار الصانع»، إن الهدف من وراء تنظيم هذا المعرض المهني هو أن يكون موعداً سنوياً للصناع التقليديين، ومقاولات الصناعة التقليدية، لرفع مستوى الإبداع والإنتاج، ليرقى إلى مستوى طموح الجميع. وأضاف عدناني في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن المعرض، الذي ينظَّم وفق مقاربة تشاركية مع المهنيين، يشكل أيضاً فرصة لتلاقح الأفكار والتجارب بين المقاولين المغاربة والأجانب الذين تتم استضافتهم كل سنة خصيصاً لهذا الغرض من أجل نسج علاقات تجارية مع الصناع التقليديين، في أفق فتح أسواق جديدة في وجه المنتج الوطني في الخارج. وأشار عدناني إلى أن المعرض يشهد طيلة انعقاده ندوات تخص مناقشة المشكلات التي قد تعيشها بعض مقاولات الصناعة التقليدية والصناع التقليديين، بغية طرح الحلول والبدائل الممكنة. وبالنسبة إلى خطط المستقبل، قال عدناني: «إننا نريد أن يأخذ هذا الموعد السنوي للصناعة التقليدية بعداً دولياً على غرار بعض المعارض المهنية في الديكور والأثاث المعروفة في العالم». وأوضح عدناني أن هناك مجموعة من القضايا يتم التداول بشأنها، بخصوص الصناعة التقليدية، ومن بينها ما يرتبط بالتمويل، وتقنيات البيع عبر توفير شروط التسويق والتصدير، وكيفية تقديم العرض، والتفاوض مع الزبون لإقناعه بشراء المنتج. وانسجاماً مع التوجه المغربي نحو أفريقيا، وترسيخاً لأسس التعاون معها في مختلف المجالات، من بينها الصناعة التقليدية، أبرز مدير «دار الصانع»، أن المملكة المغربية استضافت في الدورة الحالية للمعرض السنغال ومالي، تنفيذاً للاتفاقيتين الموقعتين معهما. وفي مدخل المعرض، يثير رواق السنغال انتباه الزائرين، بمنحوتاته ومعروضاته الجميلة، حيث يقف وسطها شاب سنغالي أسمر بابتسامة واسعة، هو ماديو ساو، الذي عبر عن سعادته بمشاركته لأول مرة في المعرض المهني للصناعة التقليدية، تلبيةً لدعوة تلقاها من منظميه. وقال ماديو ساو، إنه فوجئ بالدفء الذي منحه إياه المواطنون المغاربة حين زيارتهم لرواق بلاده، ووقوفهم بإعجاب أمام المنتجات التقليدية التي أنتجتها يد الصانع التقليدي السنغالي، فجاءت محمّلةً بلمساته الإبداعية. ما إن يتقدم زائر المعرض المهني للصناعة التقليدية بضع خطوات حتى يلمس مدى الحضور الطاغي للمرأة المغربية، سواء عارضة، أو صانعة تقليدية، أو مسؤولة عن مقاولة أو تعاونية أو شركة ذات ارتباط وثيق بهذا المجال. فاطمة الزهراء فكري، واحدة من هؤلاء النسوة النشيطات، وتمثل شركة يعود تاريخ تأسيسها إلى سنة 1981، وتختص بإنتاج القفف اليدوية المصنوعة من مواد طبيعية مائة في المائة، وصديقة للبيئة. تتحدث «فكري» بحماس عن هذا المشروع الذي يوفر فرص العمل لـ30 امرأة، يشتغلن إلى جانبها، وينفذن تصاميمها، وفق رؤيتها، وأحياناً وفق اقتراحات بعض الزبائن. وتلاحظ «فكري» أن هناك إقبالاً متزايداً على القفف اليدوية من الأكياس البلاستيكية التي تلوث البيئة، مشيرة إلى أن الطلبات ترتفع أكثر في فصل الصيف، موسم الإجازات والعطلات، علماً بأن أغلب المنتجات من القفف موجهة إلى التصدير للخارج، خصوصاً أسواق أوروبا والولايات المتحدة وأستراليا. أما مها سعادي، وهي مسؤولة عن تعاونية للصناعة التقليدية، تنشط في مجالات الخزف والجلد والألبسة والمنسوجات، فتعتبر هذا الميدان قطاعاً حيوياً واستراتيجياً، نظراً إلى مساهمته في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وبحكم تجربتها المهنية، فهي ترى أن لكل فصل منتجاته المفضلة من الصناعة التقليدية، التي تستقطب الزبائن، من بينها مثلاً أن الطلب يتزايد أكثر على الجلد خلال فصل الشتاء والبرد. وتخطط «سعادي» لتعاونيتها في الصناعة التقليدية لأن تشهد انطلاقة جديدة من خلال تنظيم معارض ثابتة طوال العام في المغرب، كخطوة أولى، على أن تتبعها خطوة أخرى في أوروبا والشرق الأوسط، «وستكون البداية من مصر». وتقول غيثة لعرائشي، مصممة ملابس نسائية، وخريجة إحدى المدارس الخاصة لفن الخياطة في مدينة الدار البيضاء، إن هذه هي أول مرة تشارك فيها في هذا المعرض المهني للصناعة التقليدية، وتأمل أن يفسَح لها المجال للمشاركة في مظاهرات أخرى في الخارج. لدى «لعرائشي» ورشة للخياطة يساعدها فيها عدد من الخياطين التقليديين مع بعض النسوة، ممن يتكفلن بتنفيذ تصاميمها على الأقمشة، وتحويلها إلى لمسات مستوحاة من التراث «تحافظ على الحشمة والوقار باعتبارنا مجتمعاً محافظاً، ولا يجوز خدش حيائه، بدعوى التحديث والعصرنة»، على حد تعبيرها. وشددت «لعرائشي» على أنها ترفض التصاميم التي تستعملها بعض المصممات، والتي تسيء، في نظرها، إلى سمعة الفستان المغربي من خلال إدخال بعض التعديلات على شكله، تكشف أجزاء من جسد المرأة، وقالت بالحرف «القفطان المغربي أصيل ويجب أن يبقى أصيلاً». يغطي المعرض مساحة تقدر بـ4500 متر مربع، ويشارك فيه 90 عارضاً وصانعاً تقليدياً من خلال تعاونيات ومقاولات تقدم آخر ابتكاراتها في مجالات الديكور والفراش والطبخ واللباس التقليدي والنقش والخشب والهدايا، وكل ما يرتبط بـ«فن العيش المغربي»، علماً بأن القطاع، وحسب بعض الإحصائيات الرسمية، يشغل نحو مليون ونصف المليون صانع مغربي. ومن بين العارضين أيضا هناك أحمد بنمصطفى، صاحب ورشة في مركب الخزف المعروف في الرباط باسم «الولجة»، الذي نوه بالمعرض المهني للصناعة التقليدية كمبادرة إيجابية، إلا أنه يرى أن الصناعة التقليدية تعاني من غياب ثقافة التدبير المقاولاتي، ملمحاً إلى أن المستوى الثقافي لغالبية الصناع التقليديين لا يتجاوز المستوى الابتدائي في التعليم المدرسي. وأكد بنمصطفى أن الحرفي المؤهل، والمتشبع بروح التدبير المقاولاتي قادر على الاشتغال طول السنة، وليس في بعض المواسم فقط.
مشاركة :