اتهمت وزارة الدفاع الروسية التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد «داعش» بالتركيز في سوريا على التصدي لقوات النظام السوري، «وقصف مواقعها مباشرة في بعض الأحيان، كما جرى في دير الزور».وأصدرت الوزارة، أمس، بياناً ردت فيه على تصريحات وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، الذي عبر عن دهشته بأن روسيا نسبت الانتصار على «داعش» لنفسها. وقالت إن التحالف تمكن مؤخراً فقط من تحقيق الإنجاز الوحيد، وأضافت بعبارات لا تخلو من التهكم إن ذلك الإنجاز هو «تدمير مدينة الرقة مع سكانها المدنيين نتيجة القصف الجوي العنيف. لهذا إذا كان هناك دور إيجابي لعبه التحالف في عمليات القضاء على (داعش)، فإن ذلك الدور يتجسد حصراً في عدم تمكنهم من تدمير المدن السورية الأخرى بالقصف العنيف كما فعلوا في الرقة».وكان وزير الخارجية الفرنسي عبر عن دهشته لإعلان روسيا نفسها صاحبة النصر على تنظيم داعش في سوريا، وقال في حوار تلفزيوني: «أجد أن نسب روسيا النصر على (داعش) في سوريا لنفسها أمر يثير الدهشة»، وأشار إلى أن «القوات الروسية أتت متأخرة إلى حد ما، لمساعدة قوات بشار الأسد، وفي نهاية المطاف تمكنت من تحرير دير الزور». ورأت «الدفاع الروسية» أنه «من المستغرب سماع مثل هذا الكلام من رأس الدبلوماسية الفرنسية»، وقالت إن «الفضل في أن (داعش) هزم اليوم في سوريا يعود في المقام الأول للقيادة السورية والقوات الحكومية»، وأكدت أن تلك القوات تمكنت بدعم من القوات الجوية الروسية، من تحرير مئات المناطق السكنية في سوريا و«استعادت القوات الحكومية السيطرة فعلاً على معظم أراضي البلاد».ويتبادل الجانبان الاتهامات، وينتقد كل منهما دور الآخر وعملياته العسكرية في سوريا، بصورة شبه دائمة، منذ ثلاث سنوات تقريباً، وتقول روسيا إن عمليات التحالف في سوريا، التي بدأت في سبتمبر (أيلول) عام 2014، بقرار من الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، ليست شرعية لأنها تجري دون إذن وموافقة وتنسيق مع السلطات السورية، ولم تحصل على تفويض من مجلس الأمن الدولي. ومن جانبه، يتهم الغرب روسيا بأنها تدخلت في الأزمة السورية، وتحت غطاء «عملية ضد الإرهاب» قدمت كل أشكال الدعم للنظام السوري في المواجهات مع فصائل المعارضة السورية، وأن القصف الروسي تسبب بدمار المدن واستهدف منشآت حيوية مثل المشافي والمدارس.وفي الأشهر الأخيرة أصبحت الاتهامات الروسية للتحالف الدولي شبه يومية. ومن أهم تلك الاتهامات تحميل روسيا التحالف المسؤولية عن مقتل الجنرال فاليري أسابوف، كبير المستشارين العسكريين الروس في سوريا، نتيجة قصف في سبتمبر الماضي في دير الزور. حينها اعتبر سيرغي ريابكوف، نائب وزير الخارجية الروسي، أن مصرع أسابوف نتيجة ازدواجية الموقف الأميركي في الحرب على الإرهاب، وفي الوقت ذاته اتهمت واشنطن القوات الروسية بقصف مواقع مجموعات معارضة تتلقى الدعم الأميركي، بما في ذلك «قوات سوريا الديمقراطية». غير أن موسكو نفت قصف تلك المواقع، ووجهت من جانبها اتهامات أكثر من مرة للقوات الأميركية في سوريا، منها على سبيل المثال، الإهمال في الحرب ضد الإرهاب، والتواطؤ مع تنظيم داعش، والسماح لمقاتليه بالمرور عبر مناطق السيطرة الأميركية نحو دير الزور لعرقلة تقدم قوات النظام السوري، وقالت إن القوات الكردية التي تتلقى الدعم والحماية من الأميركيين، لا تقوم بأي عمليات عسكرية شرق الفرات، وتتحرك بحرية في مناطق سيطرة التنظيم الإرهابي، وغيرها من اتهامات كثيرة خلال الشهرين الماضيين بصورة خاصة.ومع دخول المعارك ضد «داعش» في الرقة بدعم أميركي، وفي دير الزور بدعم روسي، المرحلة النهائية، كثفت روسيا حملة انتقاداتها لقوات التحالف الدولي. وبعد إعلان القوات الأميركية في مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أن عملية الرقة دخلت مرحلتها النهائية، وصفت وزارة الدفاع الروسية، القوات الأميركية بـ«قصف دموي للأحياء السكنية في مدينة الرقة السورية»، وقالت إن «القصف الدموي الذي تستخدمه الولايات المتحدة والتحالف الدولي على الأحياء السكنية، والتدمير المتعمد لكل المصادر الطبيعية للمياه، لم يأت حتى الآن بأي شيء، سوى سقوط آلاف الضحايا من المواطنين الذين تجري العملية لتحريرهم». بالمقابل أشادت الوزارة بـ«إنجازات» حققتها قوات النظام بدعم روسي، وتحديداً تحرير الميادين، ووصفت ما تقوم به الولايات المتحدة في الرقة بأنه فشل «يتباين بشكل شديد مع التقدم الناجح للقوات الحكومية في الميادين، التي تم تحريرها من الإرهابيين».ورغم كل تلك الاتهامات فإن موسكو كانت حريصة دوماً على التعاون مع الولايات المتحدة في سوريا، ووقعت معها بداية مذكرة لتفادي التصادم بين مقاتلات التحالف والمقاتلات الروسية أثناء تنفيذ مهام في الأجواء السورية. وترى موسكو أن المذكرة أمر إيجابي لكنه غير كافٍ، وتدعو إلى تعاون أوسع بين الجانبين. إلا أن موسكو لم تحصل على مبتغاها بإطلاق تعاون شامل مع الأميركيين في سوريا، على الرغم من الاتصالات على أرفع مستويات، بما في ذلك بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأميركي باراك أوباما، ومن ثم دونالد ترمب، هذا فضلا عن اتصالات مستمرة عبر القنوات العسكرية والدبلوماسية، وعبر مجموعات العمل في جنيف وفي عمان. وكان الإعلان عن الاتفاق الأميركي - الروسي على إقامة منطقة خفض التصعيد جنوب غربي سوريا الثمرة الوحيدة لكل تلك الاتصالات. وحتى المرحلة الأخيرة من العمليات العسكرية ضد «داعش» كانت روسيا تأمل بتعاون وعمليات مشتركة، وهذا ما برز في موقف وزارة الدفاع الروسية خلال معركة الرقة، حين شككت بقدرة التحالف الدولي على طرد تنظيم داعش الإرهابي من المدينة، عاصمة التنظيم في سوريا، وحذرت من التفاؤل المفرط في هذا الصدد، وألمحت إلى ضرورة التنسيق مع القوات الروسية، حين قالت، على لسان المتحدث الرسمي إيغر كوناشينكوف، إن «النجاح الفعلي، والمهلة التي يمكن خلالها إنجاز العملية في الرقة، مسائل تعتمد بصورة مباشرة على فهم التحالف الدولي، واستعداده لتنسيق عملياته مع كل القوى التي تتصدى للإرهاب الدولي في سوريا».
مشاركة :