أكد الدكتور خالد المحيسن، رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بالسعودية (نزاهة)، أن الهيئة وسّعت قنوات تلقي البلاغات، ما أسهم في ارتفاع عدد البلاغات الواردة للهيئة؛ متوقعاً أن يزيد عدد البلاغات هذا العام المالي على أكثر من 8 آلاف بلاغ، ونتيجة لذلك زادت القضايا المحالة للنيابة العامة بنسبة 59 في المائة، وزادت القضايا المحالة إلى هيئة الرقابة والتحقيق بنسبة 100 في المائة.وأضاف المحيسن، خلال كلمته في المنتدى السنوي السادس تحت عنوان «النزاهة في مؤسسات العدالة الجنائية»، بمناسبة الاحتفاء باليوم الدولي لمكافحة الفساد، الذي عقد في الرياض أمس، أن الهيئة تعمل باعتبارها شريكاً مع وزارة المالية لتطوير نظام للمشتريات الحكومية الإلكترونية، إذ يتم التنسيق لوضع 20 مؤشراً صُممت خصيصاً لكشف حالات التواطؤ، والتزوير، والاستثناءات غير النظامية، وسوء الاستعمال الإداري، وحالات هدر المال العام.ولفت إلى أن المملكة منذ تأسيسها على يد الملك عبد العزيز سبّاقة في تبني الأنظمة والتشريعات التي تحقق العدالة وتكافح الفساد، وتسد الطرق والمنافذ التي تؤدي إليه.وأوضح المحسين أن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، رسم في كلمته عند توليه مقاليد الحكم ملامح مكافحة الفساد والضرب على أيدي المفسدين، والأخذ بأسباب القوة العادلة، من خلال تشكيل اللجنة العليا لمكافحة الفساد برئاسة الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع.وتطرق رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بالسعودية إلى أن عقد المنتدى يهدف لتبادل الخبرات والتجارب في مجال تعزيز النزاهة، ويسلط الضوء على ممارسات النزاهة في مؤسسات العدالة الجنائية.إلى ذلك، بيّن الأمير فيصل بن بندر بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض، خلال رعايته منتدى «النزاهة في مؤسسات العدالة الجنائية»، أن السعودية من خلال رؤيتها 2030 عازمة على أن تكون الشفافية ومكافحة الفساد من المرتكزات الأساسية لتحقيق التنمية الشاملة للبلاد، مستحضراً المواقف المشرّفة في نبذ الفساد كمقولة الملك سلمان بن عبد العزيز بأن المملكة لا تقبل فساداً على أحد، ولا ترضاه لأحد، ولا تعطي أياً كان حصانة في قضايا الفساد.وشدد أمير منطقة الرياض، على أن مؤسسات العدالة الجنائية لها دور محوري في تنسيق قيم وحماية النزاهة ومكافحة الفساد من خلال تطبيق الأنظمة المعنية لمكافحة الفساد واتخاذ الإجراءات القانونية تجاه كل من يعتدي على المال العام لاستعادة الأموال ممن استولى عليها دون وجه حق.من جهته، أكد الدكتور محمد العيسى عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي خلال محاضرة في المنتدى أمس، أن ذكر مفردة الفساد تشمل معاني عدة مثل الفساد في الدين؛ مشيرا إلى أن التطرف في مفاهيمه المنغلقة والمحرِفة لدلالات النصوص يمثل فساداً فكرياً، لافتاً إلى أن الفساد يطال كذلك جانب الأخلاق، فالانحراف المسلكي فساد في الأخلاق، كما يشمل مفهوم قيم العدالة من خلال ممارسات الظلم، مؤكداً أن هناك فساداً يطال الإدارة والمال، ولا يوجد فساد مالي إلا وهو في غالبه مسبوق بفساد إداري.واعتبر أن الفساد هو الثقب الأسود في التنمية، ومحاربته مقياس نهضة الدول، ولذلك توجد قياسات تنافسية تتعلق بمؤشرات عدة كثير منها تصب في موضوع محاربة الفساد، وتسهيل الإجراءات، والقضاء على البيروقراطية وتعزيز الشفافية.وتحدث عمّا سماه «الفساد المركب» وهو ممارسة الفساد مع تسويغه، وكذلك الفساد المقنع أو المغلف متوشحاً برداء السياق اللفظي المضلل كالإكرامية والتشجيع والتسهيلات الخاصة، وأوسع أبوابه وأخطرها في هذا السياق غسل الأموال.وأضاف أن للفساد أسباباً من بينها: الثغرات النظامية والإجرائية التي يكون علاجها بالتقويم والتحديث المستمر، إضافة إلى بيروقراطية بعض الإجراءات، مؤكداً أنه كلما توسعت الإجراءات وتعقدت فتحت باباً للفساد، وعدم تفعيل النظام والإجراء بكسل أو عدم كفاءة أو تعمد، في حين أن التطبيق الحازم لتشريعات مكافحة الفساد هو العلامة الفارقة بين النظام وفاعلية النظام، وعدم شفافية بعض الإجراءات التنفيذية، وتجاهل الشكاوى، حيث إن كل شكوى يفترض أن تكون بمثابة قضية مرفوعة لا بد أن تُسمع ويصدر فيها قرار، واحتجاب المسؤول هو ما يصرفه عن مشهد عمله التنفيذي، مؤكداً أن إصغاء الإدارة للجميع يدعم الجهود في هذا المجال، وكل تساهل إداري يقود لفساد مالي.ولفت العيسى إلى أن «من أسباب الفساد ضعف أو عدم وضوح الإجراءات الداخلية الخاصة والسياسة الداخلية للمنظومة الإدارية وفق السلطة التقديرية للمسؤول، حيث تتطلب كل منظومة ذلك بما ينسجم مع طبيعة عملها، وما يلزم له من مرونة نتيجتها صلاحية السلطة التقديرية في إطار إمكاناتها المتاحة، وضعف الوازع، وهو في مسارين؛ وازع تربوي ثقافي عام يشترك فيه المؤمن وغير المؤمن، ولذلك توجد دول لا دينية سجلت معدلات متدنية في مقاييس الفساد بسبب الثقافة النابعة من قناعتها القِيَمية والمادية بأن مواجهة الفساد مرتكز البناء والتنمية والتحضر والتقدم في إطار ما يسمى بأخلاقيات العقل المعيشي، والمسار الثاني كذلك لكنه يرتكز على قيم ديننا الحنيف، وبالتالي يجعلنا أكثر مسؤولية في هذا المجال».وأشار إلى أن «الأسوأ أن تجد من يُنظّر دينياً أو محسوباً على أي منظومة دينية أياً كان مجالها في أي مستوى إداري فيها، ويُسهب في التنظير التربوي والمسلكي، وهو مع ذلك أمام حالة انفصام قيمي، فتجده مع الأسف يباشر نوعاً من أنواع الفساد أياً كان تأويله له، وسيكون سيئاً للغاية إذا كان من جملة الفساد المركب الذي تحدثنا عنه، وهذا وإن كان قليلاً جداً لكن لا بد من أخذه في الاعتبار، ولا عصمة لأحد، فما كل من يُنظّر دينياً وقيمياً معصوم بمجرد الطرح والتنظير، لكن حسن الظن والثقة هما الأصل بل والسائد».ودعا العيسى إلى وضع تصنيف جنائي لوقائع الفساد يفيد في مسار هدف المنتدى السنوي السادس للنزاهة في مؤسسات العدالة الجنائية، مبيناً أن «هناك السرقة والاختلاس والتأويل الفاسد والخطأ الإداري والتساهل الإداري والعرف الفاسد، وكلها تنتج تكييفاً مهماً يفيد في مباشرة وقائع الفساد في كل مساراتها، ومع أن هذه لا تشكل فراغاً في السياقات الحالية لكن تحتاج للمزيد من الدراسات والبحوث والمقارنات، بحكم التحول والتنوع في وقائع الفساد، وهذا يفيد كثيراً للمستقبل».وفي الإطار ذاته، أوضح القاضي عبد العزيز الناصر مستشار وزير العدل السعودي في كلمة ألقاها بالنيابة عن الشيخ الدكتور وليد الصمعاني وزير العدل السعودي، أن المملكة اعتنت بالجهاز القضائي، وحرصت على استقلاله؛ كونه إحدى أهم ركائز الدولة ومن مكوناتها الرئيسية. وتابع: «الدولة منذ تأسيسها وحتى يومنا هذا بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز تولي القضاء استقلاله، وتدعم أركانه بالكوادر البشرية، وتجديد الأنظمة وتجويدها، وإصدار وتمكن القاضي من تحقيق رسالته في العدالة السامية».ولفت إلى أن الأنظمة السعودية أكدت بشكل قاطع ضمان استقلالية القضاء وحماية نزاهته، مشيراً إلى أن النظام الأساسي للحكم أكد بشكل قاطع ضمان استقلالية القضاء ونزاهته.وتم خلال المنتدى توقيع اتفاقية بين الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية لإدارة ومتابعة تنفيذ عدد من المشاريع البحثية، ومذكرة تفاهم أخرى مع غرفة الرياض في مجال حماية النزاهة ومكافحة الفساد.وتطرق إلى أن الفساد الإداري بريد الفساد المالي، وأن الجهود الحازمة في مكافحة الفساد من الأعلى صححت المسار وعكست صورة إيجابية مستحقة ومُلْهِمَة داخلياً وخارجياً، وأن السعودية سلكت المنهج النبوي الكريم في ترسيخ مفهوم محاربة الفساد من الأعلى، إذ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها»، وهذا يعطي رسالة للجميع بأن لا حصانة لأحد في هذا، لكن متى بدأت بالأدنى فربما شعر الأعلى أو غيره بأن الأعلى له حصانة، وفي العكس ستصل الرسالة الوقائية والرادعة للأدنى تلقائياً.وقال العيسى: «الحديث عن وقائع الفساد هي فقط لجهة الاختصاص، بما تملكه من أدلة مادية وليس لغيرها، ومؤسسات العدالة الجنائية في السعودية تضطلع بدور كبير وجاد في مواجهة جرائم الفساد، وتفاعل المملكة مع اليوم العالمي لمكافحة الفساد إسهام مهم في الإثراء والتبادل، وتأكيد على العزيمة في مختلف مساراتها».
مشاركة :