أيام قرطاج المسرحية تقدم عملين تونسيين في عرض أول بقلم: محمد ناصر المولهي

  • 12/12/2017
  • 00:00
  • 14
  • 0
  • 0
news-picture

أيام قرطاج المسرحية تقدم عملين تونسيين في عرض أول المسرح في اتصاله المباشر بالجمهور يمثل أكثر الفنون تأثيرا، وأكثرها دقة، حيث كل حركة يجب أن تكون مدروسة ومتقنة، وكل جملة يجب أن تكون لها دلالاتها ووظيفتها، وربما يقول البعض بالاعتباطية وضرورة التحرر من هذه الإلزامات، لكن ذلك أيضا يتطلب ضرورات أخرى، فالمسرح ككل عمل فني يتطلب الوعي الحاد.العرب محمد ناصر المولهي [نُشر في 2017/12/12، العدد: 10840، ص(14)]الشمع حاولت أن تلامس قضايا عديدة تتواصل فعاليات الدورة الـ19 من أيام قرطاج المسرحية مقدمة أكثر من خمسين عرضا تونسيا من جملة 105 عروض من بلدان عربية كالعراق ومصر وسوريا والجزائر، إضافة إلى عروض أفريقية. فيما يلي نستعرض عرضين تونسيين قُدّما ضمن الأيام، الأول خارج المسابقة بعنوان "الشمع"، والثاني ضمن المسابقة الرسمية بعنوان "فريدم هاوس". التجريب عموديا ضمن فعاليات أيام قرطاج المسرحية، قدمت قاعة "الريو" بالعاصمة عملا مسرحيا بعنوان "الشمع" للمخرج التونسي جعفر القاسمي، وهو العرض الأول للمسرحية التي يؤدي أدوارها كل من توفيق العايب وصبرة الهميسي ومحمد الجبي وعاصم بالتوهامي والصحبي عمر وخالد الفرجاني ووسام البراهمي وأكرم العمدوني ومروان الطرخاني وعبدالرحمن المؤدب. "الشمع" باللهجة التونسية تعني صواري البناء المؤقتة، والتي يتم من خلالها أيضا دعم الأسقف للترميم. السينوغرافيا التي تواجه الجمهور، أعمدة منتصبة إلى أعلى، وفي الأسفل يقف الممثلون بينها، إلى أن تبدأ بجملة "الدار بش تطيح" أي المنزل سيسقط. هنا يتسلق كل من على الركح الأعمدة الفولاذية العالية، ليقدموا صورة عمودية تكررت أكثر من مرة خلال العرض.فعاليات الدورة الـ19 من أيام قرطاج المسرحية تتواصل مقدمة أكثر من خمسين عرضا تونسيا من جملة 105 عروض من بلدان عربية حكاية العرض أن أخا يحاول الاستحواذ على منزل الجد، وطرد إخوته، تليها تشعبات مكانية، بين المنزل، والسرداب تحت المنزل، الذي صورته السينوغرافيا حفرا في الركح، مع تشعب الحكاية لا نعرف من الميت ومن الحي من الشخصيات. الشخصيات حضرت في لعبة تجريبية حيث تحضر كلها بأسمائها الحقيقية، وتحتدم اللعبة بين الشخص والشخصية عند كل ممثل، في تمثله لمآلات العرض. قدمت المسرحية صورا جميلة، خاصة من خلال استعانة المخرج بلاعبي سيرك محترفين، أدوا المشاهد الحركية من تسلق وحركات بهلوانية وغيرها. إن ما قدّمه المخرج في هذا العرض من تصوّر سينوغرافي ليس جديدا، لكن أكثر المآخذ التي يمكن أن تحسب على هذا العمل، هي محاولته قول كل شيء. كل شيء مقحم بعنف وسطحية في العرض، الذي حاول أن يقدّم نقدا وتصوّرا شاملا، عن الدين والعلاقات الأسرية والسياسة والنضال وعلاقات الزواج والإنجاب الخ.. إسقاطات كثيرة لم تكن موفقة مثل استحضار شخصية الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، أو رحلة الحج على ما يشبه البراق وغيرها، ما جعل المسرحية تسير بلا فكرة واضحة، بل بفوضى أفكار عنيفة، لطفت منها ربما البعض من مشاهد الحركة والحوارات، مثل الحوار الذي دار بين خالد وصحبي حول الزواج والإنجاب. إن "الشمع" حاولت أن تلامس قضية الوطن الذي أقنعونا أنه آيل للسقوط، متجسّدا في منزل الجد، لكن كان يمكن أن يكون ترتيب الأفكار بعيدا عن الحشو الفائض والفضفاض، حيث محاولة قول كل شيء بعنف العارف تجعلنا أمام لا شيء، حركات اعتباطية وكلام اعتباطي رغم محاولة الممثلين تأديته بجهد."فريدم هاوس" سخرية ناقدة الجنرال المجنون ضمن فعاليات أيام قرطاج المسرحية الـ19 قدمت مسرحية "فريدم هاوس" بقاعة الفن الرابع بالعاصمة، وهو عمل للمخرج الشاذلي العرفاوي، يؤدي أدواره كل من الممثلين شاكرة رماح ومحمد حسين قريع وعبدالقادر بن سعيد ومنى التلمودي وشكيب الرمضاني ومنصف بن مسعود. المسرحية حكاية جنرال يحاول لملمة كتيبة لإعادة ضبط النظام، إلى أن يثور عليه الجنود، الذين هم ليسوا جنودا في الواقع. يحاول العمل بنَفَس الكوميديا السوداء، نقد الواقع السياسي وخاصة التونسي، الذي تشوبه الفوضى والضبابية. فمن يتصدّى للجنود هي في الواقع مجرد دمى، ما يجعل الجميع في حيرة، من هم المخربون وأعداء الوطن والمتآمرون الذين يتحدث عنهم الجنرال. هنا إسقاط ذكي من العمل، حول أن اللاعبين الفعليين في الحراك السياسي وفي خلق الفوضى والإرهاب، ليسوا من نراهم بل هم مجهولون، فمن نراهم ليسوا سوى دمى، وحتى الجنرال كذلك ليس سوى دمية كما نرى في آخر العرض. كذلك نجد إسقاطات أخرى، خاصة في شخصية الجنرال، الذي يذكرنا بالنازية وشخصية هتلر، حيث الحروب والكوارث التي يقودها مجانين مغرورون. ما نعيبه على العمل أنه كان نسقيّا، إلى درجة أنه يخلق الضجر، ربما خلقت بعض الحركة الشخصيتان النسائيتان، اللتان أدتا دور العاهرتين في ثكنة الجنرال، لكن بقي النسق بطيئا، لم يتحرك دراميا بالشكل الذي يمكنه أن ينشئ مفاصل متماسكة للعرض، الذي لم يشفع له النهاية المباغتة واكتشاف أن الجنرال مجرد عسكري معزول ومريض نفسي. اللافت في "فريدم هاوس" هو الأداء المميز للممثلين ونخص بالذكر منهم منى التلمودي التي لعبت دورها كفتاة ليل بتماه جيد، إضافة إلى أداء مميز للممثل محمد حسين قريع، في دور الجنرال. إذ لم تمنعه وفاة والده قبل ساعات من العرض من تأدية دوره الذي يتخلله الجد والهزل بإتقان على الركح، وهو ما يحسب له.

مشاركة :