لبنان في فخ إيران بقلم: علي الأمين

  • 12/12/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

ما يتخوف منه بعض اللبنانيين أن تكون الاستعراضات الإيرانية الأخيرة على الحدود مع إسرائيل عبر عصائب أهل الحق العراقية، ليست إلا محاولة دفاعية عن الوجود الاستراتيجي الذي يمثله حزب الله.العرب علي الأمين [نُشر في 2017/12/12، العدد: 10840، ص(8)] الفيديو الذي انتشر لمسؤول ميليشيا عصائب أهل الحق العراقية، أثار موجة استنكار شعبية في لبنان، موجة الاستنكار والاستهجان، تأتت من الاستعراض الذي مارسه مسؤول هذه الميليشيا قيس الخزعلي على الحدود اللبنانية مع إسرائيل. استعراض قال فيه وهو يرتدي البزة العسكرية أنه يريد أن يدعم حزب الله واللبنانيين في مواجهة إسرائيل. الفيديو انتشر بعد ستة أيام من حصول الزيارة غير المعلنة كما صرحت مصادر رئاسة الحكومة اللبنانية، جاء توقيته بعد يوم على خطاب أمين عام حزب الله الذي اتسم بالهدوء غير المعهود، حيال موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس. لا بدّ من الإشارة إلى أن زيارة الخزعلي وكشفها عبر تسريب الفيديو المدروس، هو عمل مدروس لا يمكن أن يتمّ من دون إشراف حزب الله وموافقته، فعصائب أهل الحق، هي ميليشيا توالي ولي الفقيه، وتأتمر بقائد فيلق القدس قاسم سليماني ممثل ولي الفقيه في قيادة “فتوحاته في المنطقة العربية”. وكان الخزعلي قد أعلن قبل شهر في بيان أنه سيقف إلى جانب حزب الله في مواجهة أي عدوان إسرائيلي سيتعرض له حزب الله سواء في سوريا أو في لبنان، وتجوال الخزعلي على بعض المناطق الحدودية اللبنانية، والذي يعتبر تجاوزا للقرار الدولي رقم 1701 الذي يحظر أيّ وجود عسكري خارج قوات الأمم المتحدة والجيش اللبناني، هو رسالة مقصودة سواء من حزب الله أو سليماني، تنطوي على تلويح بالاستعداد لتجاوز هذا القرار، ويستحضر في نفس الوقت ما قاله أمين عام حزب الله حسن نصرالله قبل أشهر، من أنّ استهداف الحزب من قبل إسرائيل سيفتح الباب لقدوم عشرات الآلاف من المقاتلين لإسرائيل من دول مختلفة. من هنا لا يمكن إدراج جولة قيس الخزعلي على الحدود مع إسرائيل، إلا في سياق سياسي وضمن سياق يتصل بالدور الإيراني على مستوى المنطقة، ولا ينفصل بالضرورة عن المسارات الجاري رسمها على المستوى السوري، ولا سيما بعد الانتهاء من الحرب على تنظيم داعـش في سـوريا والعراق. رسالة قاسم سليماني عبر الخزعلي، تنطوي على الربط بين أذرع إيران، ولا سيما أن مرحلة الانتهاء من محاربة ما يسمى التطرف السني المتمثل في داعش وجبهة النصرة، فرضت دوليا وإقليميا عنوان التخلص مما يسمى الإرهاب الشيعي، باعتبار أن بقاء الميليشيات الشيعية في المنطقة العربية سواء في العراق أو سوريا أو العراق واليمن، كفيل بإعادة إنتاج ما هو أسوأ من تنظيم داعش، وبالتالي فإن البحث في إنهاء دور الميليشيات الشيعية أمر تفرضه إعادة بناء المكونات الوطنية والدولية في الدول المشار إليها. تدرك إيران هذه الحقيقة، والجنرال سليماني الراعي لهذه الأذرع الإيرانية الشيعية يدرك في المقابل أن الموقف الدولي والإقليمي يبحث اليوم كيفية التعامل مع هذه الميليشيات، إما بالمواجهة العسكرية، وإمّا بمحاولة استيعابها ضمن الأطر العسكرية الرسمية. وليس خافيا على سليماني أن ثمة تنازعا بين وجهتين واحدة تريد القضاء على هذه الأذرع، وأخرى تحاول تفادي المواجهة العسكرية معها، انطلاقا من أن القوى الشيعية تحظى بنوع من الحاضنة الشعبية، ما يجعل من القضاء عليها أمرا دونه صعوبات، ويساعد على عدم حسم الخيار بين القضاء على هذه الميليشيا من عدمه، عدم تبلور اتفاق أميركي- روسي نهائي بشأن سوريا، رغم وجود تفاهمات حققت خطوات متقدمة على صعيد خفض التوتر وإنهاء تنظيم داعش. الميليشيات الشيعية وضعت على طاولة الحل الإقليمي، ولكن عوامل عدم نضوج الحل تتيح حسب بعض المراقبين محاولة إيران ضمان ما تعتبره حقوقا من أي تسويات على هذا الصعيد، فالتلويح بربط الميليشيات هذه في ما بينها هي أداة من أدوات الضغط، خاصة وأن ثمة من يؤكد أن أي تسوية في المنطقة تستهدف وقف القتال والعنف، ستعني خسارة لإيران، انطلاقا من أن القيادة الإيرانية تفتقد القدرة على ترجمة النفوذ العسكري الذي تحوزه سواء في العراق أو في سوريا وحتى في اليمن، إلى نفوذ سياسي، ولا سيما في سوريا التي تفتقد إيران فيها أي حاضنة اجتماعية لنفوذها ولمشاريعها. ما يتخوّف منه بعض اللبنانيين أن تكون الاستعراضات الإيرانية الأخيرة على الحدود مع إسرائيل عبر عصائب أهل الحق العراقية، ليست إلا محاولة دفاعية عن الوجود الاستراتيجي الذي يمثله حزب الله، ولا سيما أن الاستقرار الذي تشهده الحدود مع إسرائيل هو الورقة الأهم التي تمتلكها إيران في سياق ابتزاز المجتمع الدولي منذ أكثر من عشر سنوات، وبالتالي فإن التهديد بالإخلال بهذا الاستقرار عبر ميليشيا عراقية وليس عبر حزب الله، ينطوي على تلويح بخيارات غير لبنانية، ما يجعل سلاح حزب الله بمنأى عن السجال المحلي والخارجي. ما أثار المخاوف الإضافية وربما دفع حزب الله إلى تسريب فيديو الخزعلي، هو أن مؤتمر المجموعة الدولية لدعم لبنان الذي انعقد في باريس يوم الجمعة، أعاد التأكيد على سياسة النأي بالنفس وعلى تنفيذ القرارين الدوليين 1559 و1701 اللذين يرفض حزب الله الالتزام بموجباتهما منذ صدورهما حتى اليوم. وما يزيد من قلق حزب الله وإحراج السياسة الإيرانية على هذا الصعيد، أن حزب الله تفاءل بموقف فرنسا التي حمته نسبيا من التصعيد السعودي ضد السياسة اللبنانية بعد الإفراط في تورّطه في الحرب في اليمن، بدت أنها متمسكة بالقرارات الدولية التي تستهدفه بالدرجة الأولى كما كان يؤكد منذ أن صدرت عن مجلس الأمن. بين خيار التسويات أو استمرار اشتعال المنطقة عبر حروب متنقلة، يتأرجح النفوذ الإيراني في المنطقة العربية، وفيما توجّه إسرائيل ضربات عسكرية متكررة لقواعد إيرانية في سوريا، من دون ردّ إيراني عسكري، يأتي الاستعراض العراقي على الحدود اللبنانية الجنوبية مع إسرائيل، كنوع من إعادة تذكير الإسرائيليين والمجتمع الدولي بمن يؤمن الاستقرار على هذه الحدود، وللقول إن أي تجاوز لهذا الواقع سيجعل من إعادة التوتر لهذه الحدود أمرا في يد إيران. كاتب لبنانيعلي الأمين

مشاركة :