يرجح أن تشهد العلاقة بين حماس والمحور الإيراني عموما، وحزب الله على وجه الخصوص، تطورا نحو المزيد من التحالف والتعاون، وهو تطور بدأ يوم الأحد بمقاطعة حماس لاجتماع المجلس المركزي الفلسطيني في رام الله.العرب علي الأمين [نُشر في 2018/01/16، العدد: 10871، ص(9)] أثارت العملية الأمنية التي تعرض لها أحد الناشطين في حركة حماس، محمد عمران حمدان، ونجا منها في الجزء الشمالي من مدينة صيدا (البستان الكبير)، تساؤلات حول مغزى هذه العملية التي استهدفت المذكور من خلال عبوة ناسفة انفجرت أثناء فتح باب سيارته وقد كانت موضوعة في بابها، وقدّر خبيرُ عسكري لبناني زنتها بخمسمئة غرام من مادة التي ان تي. وتركزت التساؤلاتُ حول الجهة المنفذة للعملية والغاية من وراء التفجير، لا سيما بعدما طوى لبنان بشكل شبه نهائي ملف تنظيم داعش وأخواته من الحركات الإرهابية. حركة حماس وحزب الله أشارا إلى إسرائيل كطرف يقف وراء التفجير. نائب المسؤول السياسي لحركة حماس جهاد طه قال إن “محمد حمدان هو أحد أعضاء الحركة ويعمل في مكتب مسؤولها السياسي في لبنان أحمد عبدالهادي”، محمّلا “العدو الإسرائيلي المسؤولية في استهداف حمدان”. فيما اعتبر حزب الله في بيان أصدره إثر العملية “أن التفجير يحمل دلالات واضحة لأصابع العدو الإسرائيلي وعملائه لإثارة البلبلة ونشر الذعر على بوابة صيدا الجنوب والمقاومة”، وقال إن “التفجير يهدف إلى إحداث بلبلة بين الفصائل الفلسطينية والجوار اللبناني”. توجيه الاتهام لإسرائيل لم يقابله أي بيان رسمي لبناني يشير إلى اتهام جهة معيّنة، لا سيما أن التحقيقات لم تستكمل، علما أن بعض وسائل الإعلام المقرّبة من حزب الله ألمحت إلى احتمال أن يكون هذا التفجير يرتبط بتداعيات أحداث سابقة جرت في عين الحلوة بين مجموعات فلسطينية منها ما يرتبط بتنظيم داعش، رغم أن هذه المجموعات باتت شبه منحلة بعدما غادر معظم رموزها المخيم إلى خارج لبنان. وتجدر الإشارة إلى أن المحلة التي جرى فيها التفجير كانت شهدت في العام 2006 عملية أمنية استهدفت اثنين من مسؤولي حركة الجهاد الإسلامي وأدّى التفجير إلى مقتلهما، فيما استطاعت الأجهزة الأمنية اللبنانية لاحقا إلقاء القبض على منفذ التفجير الذي تبيّن أنه مكلّف من جهاز الموساد الإسرائيلي لتنفيذها، وهو لبناني الجنسية. كما لا بد من الإشارة إلى أن أي مسؤول في حركة حماس لم يتعرض في لبنان لاستهداف أمني، أو لعملية شبيهة بما طال محمد حمدان أخيرا، فحركة حماس، كما هو معلوم، كانت تتخذ من دمشق مقرّا لقيادتها ولأجهزتها خارج فلسطين إلى حين انفجار الثورة السورية في العام 2011 الذي دفع قيادة حماس إلى مغادرة سوريا والانتقال إلى قطر، فيما ظل نشاط الحركة في الساحة اللبنانية قبل الثورة السورية وبعدها، نشاطا إعلاميا وسياسيا ولم يكن لهذه الحركة أي نشاط عسكري إلا بشكل جزئي داخل مخيم عين الحلوة من خلال احتضانها لبعض المجموعات الإسلامية التي كانت تحتمي سياسيا وأمنيا بمظلة حركة حماس. على أن تغيّرات حصلت في الشهور الأخيرة، إذ شهدت العلاقة بين حركة حماس وإيران تطوّرا في الآونة الأخيرة، بعدما كانت العلاقة بينهما فاترة نتيجة الموقف من الثورة السورية التي شكّلت شرخاً في العلاقة بين حماس وحزب الله أيضا، لكن هذا الشرخ ما لبث أن جرى ردمه من خلال الزيارات التي قامت بها قيادات الحركة إلى طهران في السنوات القليلة الماضية، والتي تزامنت مع تردّي علاقات الحركة مع الدول العربية ولا سيما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، والتطوّر النوعي في العلاقة مع حزب الله ومن خلفه طهران، جاء بعد ما سمي الأزمة القطرية خلال العام الماضي، فثمة ما يمكن استعادته اليوم لفهم التطور الذي تحقق في العلاقة بين تنظيمي حماس وحزب الله. في منتصف يونيو 2017 وصل إلى بيروت ما يقارب المئة من قادة ونشطاء حركة حماس من العاصمة القطرية الدوحة. ونقلت وسائل الإعلام آنذاك أن ضغوطا أميركية وإسرائيلية مورست على الحكومة اللبنانية لعدم استقبال خمسة قياديين أمنيين لحماس منخرطين في العمل العسكري في الضفة الغربية. ومن بين هؤلاء المسؤول عن النشاط العسكري في الضفة الغربية صالح العاروري الذي التقى في شهر أكتوبر الماضي الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله بشكل علني. وكان دخول هؤلاء القادة إلى لبنان، قد أحدث جدلا داخليا تزامن مع ضغوط دولية، لم تستطع الحكومة اللبنانية اتخاذ أي إجراء يظهر أنها غير راضية عـن دخولهم إلى لبنان، وساهم بالضرورة تنظيم حزب الله لعملية دخولهم عبر مطار بيروت، بعدم رفع الصوت الرسمي حيال هذه القضية، وكانت إسرائيل، في حينها، قد وجّهت رسائل علنية من أنها لن تسمح بحصول هذا الانتقال. اتهام حزب الله وحركة حماس لإسرائيل بتنفيذ العملية سواء كان مستندا إلى معلومات مؤكدة أو لم يكن، إلا أنه من الاحتمالات المرجحة، لا سيما إذا ما أخذنا بعين الاعتبار التهديدات الإسرائيلية والرسائل التي تلقاها لبنان بعد انتقال كوادر حمـاس من قطر إلى لبنـان، ولـم يتضح بعد أن المستهدف (وهو من غير الأسماء المعروفة إعلاميا ولم يصدر أي بيان يشير إلى ما يشغله من مسؤولية داخل حماس) من القادمين من قطر أو من المقيمين في لبنان. لكن بمعزل عن كل هذه التفاصيل، ثمة ما يؤشر إلى أن إسرائيل أطلقت نشاطا أمنيا عدوانيا في اتجاه حركة حماس في لبنان، وهذا ما يمكن أن يشكّل رسالة مزدوجة إلى حماس نفسها بأنها لن تكون في مأمن في لبنان كما كانت في مراحل سابقة، ورسالة إلى الحكومة اللبنانية بأن لبنان يتحمّل مسؤولية استضافة قادة حماس وما يمكن أن يسبب ذلك من تداعيات أمنية في الوضع اللبناني. أما حزب الله الـذي يدرك أن محاولة الاغتيال جرت في منطقة خارج نفوذه الأمني المباشر، فإن العملية الأخيرة ستشكل عنصرا محفزا لأن يقنع حزب الله قادة حماس في لبنان بأن يكونوا تحت مظلته الأمنية وإشرافه، خصوصا أن حماس كانت تحاول في السنوات السابقة أن تنشط في لبنان من خارج مناطق نفوذ حزب الله، حيث نقلت قبل سنوات مقر قيادتها اللبنانية من داخل الضاحية الجنوبية إلى مدينة بيروت. في المرحلة المقبلة وبعد العملية الأمنية الأخيرة يرجّح أن تشهد العلاقة بين حركة حماس والمحور الإيراني عموما، وحزب الله على وجه الخصوص، تطوّرا نحو المزيد من التحالف والتعاون، وهو تطوّر بدأ يوم الأحد الماضي بمقاطعة حركة حماس لاجتماع المجلس المركزي الفلسطيني في رام الله وتعزّز مع محاولة اغتيال محمد عمر حمدان على الطرف الشمالي من مدينة صيدا اللبنانية. كاتب لبنانيعلي الأمين
مشاركة :