الجامعات المصرية تقتدي بالتجربة الفنلندية لتحسين مخرجات التعليمتعيش غالبية الجامعات المصرية على غرار بقية الجامعات في الدول العربية حالة من التراجع في التصنيفات العالمية في السنوات الأخيرة، ما حدا بالقائمين على صناعة القرار في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي إلى البحث عن حلول جذرية للخروج من هذا النفق والاستعانة بخبرات أجنبية تبرز التجربة الفنلندية كمثال لإحداث طفرة في التعليم الجامعي.العرب أحمد حافظ [نُشر في 2017/12/12، العدد: 10840، ص(17)]على درب التطوير القاهرة – خلص المؤتمر الدولي الثاني الذي أقيم مؤخرا بالقاهرة وحمل عنوان “سر تميز التعليم الفنلندي” إلى التأكيد على إتاحة الفرصة أمام الجامعات المصرية لتبادل الخبرات والتواصل المشترك مع الخبراء الفنلنديين لخلق شراكة بين المؤسسات التعليمية المصرية ونظيرتها الفنلندية في مجال البحث العلمي، أملا في تغيير الواقع بالجامعات. وقال خالد عبدالغفار، وزير التعليم العالي والبحث العلمي المصري خلال المؤتمر، إن الحكومة المصرية بصدد إطلاق عام مصري فنلندي للعلوم والتكنولوجيا يتم خلاله تنظيم أنشطة تعليمية وبحثية مشتركة وذلك للاستفادة من المكانة التي تحظى بها التجربة الفنلندية في مجال التعليم والبحث العلمي. ووقف عدد من الخبراء التربويين والمعنيين بالعمل البحثي خلال هذا المؤتمر عند حجم التحديات التي تحول دون إحداث نقلة نوعية في الجامعات المصرية ومجال البحث العلمي، وتبيّن أن ثقافة الاهتمام بالأبحاث وتحفيز الطلاب على الابتكار من العناصر الغائبة عن ذهن معظم المعنيين بإدارة الجامعات عكس المعمول به في فنلندا. وقال هؤلاء إن البدء في تعميم التجربة الفنلندية على مجالات البحث والابتكار في الجامعات المصرية، يتطلب الكف عن تطبيق سياسة الحفظ والتلقين واستبدالها بالتفكير والبحث المتعمق في الحقل الجامعي، ولا يمكن أن يتعود الطالب على مسار تعليمي عفا عليه الزمن ثم يصطدم بمسار متقدم في البحث العلمي. ورغم أن الشراكة المصرية الفنلندية في مجال البحث العلمي انبثق عنها نشر 200 بحث علمي في العام الحالي، إلا أنه على الأرض لم تحدث هذه الأبحاث العلمية تقدما ملموسا في التعليم الجامعي. ويرى متابعون لواقع التعليم الجامعي أن هناك فوارق كبيرة بينه وبين نظيره الفنلندي، ويعلل هؤلاء ذلك بأن ثقافة تقييم الطلاب وتحديد مستواهم العلمي بمصر تركز على نتائج الامتحانات فقط، في حين أن النظام الفنلندي لا يقر بهذا النوع من التقييم نهائيا، ويعتمد على العمل البحثي للطالب في المقام الأول. وترتكز التجربة الفنلندية في البحث العلمي على ترسيخ أهمية الأبحاث الطلابية كي ينال الطالب درجته العلمية كاملة ويتحصل بعدها على وظيفة راقية، مثل المعلم والطبيب والمهندس، وتتعاظم فرص الحاصلين على الماجستير والدكتوراه في حجز مكان بالوظائف المرموقة. ومن الصعوبة أن يتم توظيف معلم في مدرسة فنلندية دون أن يكون باحثا تربويا وحاصلا على الماجستير، كحد أدنى للدرجة العلمية التي بحوزته حتى يتم إلحاقه للعمل في الحقل التعليمي، وهو ما جعل الأبحاث العلمية مرحلة استكمالية للتعليم وليست استثنائية أو وسيلة لنيل درجة علمية فقط.عصام خميس: مصر ستبدأ تجربة شراكة بين جامعات مصرية خالصة وأخرى مختلطة وقال عصام خميس، نائب وزير التعليم العالي للبحث العلمي بمصر لـ”العرب”، إن “الفارق بين مصر وفنلندا هو أنها دولة تعتمد في نهج جامعاتها على إعداد جيل من الشباب يتعامل مع تحديات الثورة الصناعية الرابعة من خلال تدريس مناهج دراسية جديدة ومبتكرة، وهو ما نبحث عن تطبيقه في الجامعات المصرية”. وأضاف أن “التقدم الحقيقي في المجال التعليمي والبحثي المصري يتطلب إتاحة الفرصة لتبادل الخبرات والتواصل المباشر مع الخبراء الفنلنديين لخلق شراكة بين المؤسسات التعليمية المصرية والفنلندية في هذا المجال”. ولفت إلى أن مصر سوف تبدأ بتجربة شراكة بين جامعات مصرية خالصة وأخرى مختلطة، مثل الجامعة الصينية مع جامعات تطبيقية فنلندية مثل جامعة “جامك” للعلوم التطبيقية على أن يقوم بالتدريس أساتذة من مصر وفنلندا ويحصل الطالب على شهادته من فنلندا. وتبرز أزمة التعليم الجامعي المصري في كون تقييمه من جانب مؤسسات تربوية محلية ليست بالمستوى الذي يتيح للحكومة أن تعمل على تطويره وجعله مواكبا لأحدث النظم العالمية، بعكس فنلندا التي أنشأت عام 2014 مركزا يضطلع بتقييم التعليم وفقا لمعايير ومراقبة الجودة في مؤسسات التعليم العالي العالمية. وتحتضن فنلندا 49 جامعة تشكل شبكة التعليم العالي هناك، وتنقسم هذه الجامعات إلى 21 جامعة تعليمية بحثية و28 جامعة للعلوم التطبيقية، يقوم توجهها الأساسي على تلبية احتياجات المجتمع المدني. وتشكو الكثير من الجامعات المصرية من نقص حاد في التمويل المخصص للبحث العلمي، حيث لا يتجاوز 1 بالمئة من إجمالي الناتج القومي، ما يعكس حجم الإهمال للمجال البحثي، وتطبق فنلندا نظاما تعليميا وبحثيا عالميا لا يفرض رسوما دراسية على الطلاب في كل أنظمة التعليم حتى الدراسات العليا. ويقول خبراء تربويون إن مساعي الجامعات المصرية للاستفادة من التجربة الفنلندية في البحث العلمي تمثل تحوّلا واعيا ومهمّا يبرهن على وجود نوايا جيدة لدى القائمين على إدارة هذه المؤسسات لتحسين مخرجات التعليم، لكن ذلك يتطلب تغييرا كبيرا في نظرة الجامعات للأعمال البحثية أولا والإعلاء من شأنها عند الطلاب ثانيا. ويستلزم ذلك أيضا أن يتم اختيار كوادر تعليمية تؤمن بجدوى البحث العلمي بعيدا عن الاختيار وفق انتماءات سياسية أو فكرية معينة، لأنه في غياب القيادة التربوية السليمة التي تعي ضرورة المنهج العلمي لن تنجح التجارب المستوردة في تغيير الواقع السيء.ويرى أيمن البيلي، وهو باحث تربوي أن الاستعانة بتجارب أجنبية وبينها الفنلندية في الجامعات المصرية يتطلب تغييرا جذريا في أسلوب التعليم الجامعي ونشر ثقافة العمل البحثي بين الطلاب والتوقف عن سياسة الحفظ والتلقين، مع تقديم دعم حكومي لا محدود لإنجاح هذه التجربة، فقد تكون الفكرة ناجحة في بلد ويصعب تكرارها في بلد آخر، ما لم تتوفر لها المقومات التي تساعد على النجاح. وقال لـ”العرب” إن “أهمية التجربة الفنلندية تكمن في أنها تربط الباحث باحتياجات المجتمع عامة والجامعة على وجه الخصوص”، ويتم تطبيق العمل البحثي حرفيا على الأرض، لافتا إلى أن مشكلة الجامعات المصرية أنها تدعم فكرة النظرية دون إعلاء قيمة التطبيق والعطاء البحثي واستخدامه كأداة مهمة في نهضتها العلمية. وأوضح أن استقدام أساتذة فنلنديين للتدريس في جامعات مصرية كشراكة حقيقية، من شأنه أن يؤسس لنظام تعليمي وبحثي في مصر يتواءم مع الأطر العالمية، ويتوسع ليشمل مختلف مؤسسات التعليم الجامعي، لأن اختيار أكاديميين على درجة عالية من الكفاءة هو المعيار الرئيسي لإحداث نهضة تعليمية لأنهم يضعون مناهج مبتكرة، وهي المعادلة التي تفتقدها الجامعات في مصر. ويقول خبراء إنه حتى إذا نجحت الجامعات المصرية في اتباع النظام الفنلندي، فإنها قد تصطدم في الواقع بغياب المساواة في التعليم الجامعي، إما لإعطائها الأولوية للجامعات الموجودة في المناطق الحضرية وإما بانتشار التعليم الخاص، ما يتسبب بالتالي في وجود جامعات جيدة وأخرى سيئة.
مشاركة :