من بين خطط تطوير التعليم إعادة النظر في مواد الدستور والقانون التي تمنع اتخاذ إجراءات أكثر فاعلية نحو المزيد من التطوير. ورأى مراقبون للحراك الحكومي الرامي إلى إصلاح منظومة التعليم أن أي تعديلات في مواد الدستور الخاصة بالتعليم سوف تغيّر من سياسة مجانيته حتى يمكن الاستفادة من الأموال المهدورة على الدروس الخصوصية، فضلا عن قصر المجانية على فترة زمنية محددة من مسيرة الطالب التعليمية. دليل ذلك أن وزارة التربية والتعليم أبدت ترحيبًا على استحياء بتصريحات أدلى بها العالم المصري فاروق الباز خلال مؤتمر عُقد في مايو الماضي، وتحدث خلاله عن ضرورة اقتصار المجانية على فئة عمرية من الطلاب، ولتكن حتى نهاية المرحلة الإعدادية، حتى تكون هناك منافسة بين الطلاب ومن ثم يتسنى إصلاح المنظومة برمتها. وقال مصدر مسؤول بوزارة التعليم لـ”العرب” إنه لا يمكن إلغاء المجانية بالنسبة لأبناء البسطاء، وإن العدل هو أن يتم الأخذ من الأغنياء لصالح الفقراء، لكن المشكلة أن الحكومة إذا قالت لأي ولي أمر ادفع عشرة جنيهات لصالح تطوير التعليم فإنه سيرفض بشدة، وفي نفس الوقت تراه يدفع الآلاف من الجنيهات للدروس الخصوصية، وبالتالي يجب أن تكون هناك وقفة جادة لتعديل هذا الخلل. وأوضح المصدر الذي رفض نشر اسمه وهو قريب من صناع القرار التعليمي، أن “المجانية ستظل موجودة لكن في إطار ضوابط، فإذا كان ولي أمر الطالب يدفع 1000 جنيه على الدروس الخصوصية التي لا تستفيد منها الحكومة، فليدفع مستقبلًا بضع عشرات من الجنيهات لمجموعات تقوية داخل المدرسة لتدخل خزانة الدولة، مع وضع عقوبات مشددة على المعلمين المخالفين لذلك”.يلتحق بمدارس المتفوقين الطالب الحاصل على مجموع 95 بالمئة فأكثر في الشهادة الإعدادية، نظرًا إلى أن لها طبيعة خاصة في الدراسة تعتمد على العلوم والرياضيات والأبحاث والابتكارات بشكل أساسي ويتعلم في مصر الآن 22 مليون طالب في التعليم الحكومي بنحو 52 ألف مدرسة في كل مراحل التعليم، من بينهم 600 ألف طالب يذهبون إلى مرحلة التعليم الجامعي سنويًا. أما بالنسبة لمشكلة المجانية في الجامعات الحكومية المصرية، فتتمثل في أن هناك طلبة يستفيدون منها بطرق سلبية، بمعنى أنه قد يكون هناك طالب راسب ومع ذلك يظل يدرس في نفس الصف الدراسي لثلاثة أو أربعة أعوام على حساب الدولة، وهو الأمر الذي استدعى التدخل هذا العام بطريقة لا تمحو المجانية بشكل نهائي لكنها سوف تكون عبارة عن حافز للطلاب الجامعيين. ويتمثل النظام الجديد، المنتظر تطبيقه خلال العام الدراسي الجديد (بدءًا من منتصف سبتمبر المقبل)، في أنه سوف يتم إبلاغ كل طالب عبر استمارة الالتحاق بالكلية، بأن “المجانية هبة من الدولة يجب الاستفادة منها من خلال تميزك التعليمي، لكن في حال رسوبك فلن تتحمل الدولة تكلفة ذلك”. ما يعني أن الطالب الراسب أو الذي يعيد السنة الدراسية في مجموعة من المواد، سوف يدفع تكلفة الدراسة كاملة، والتي تختلف قيمتها من كلية إلى أخرى، فهناك الكليات العلمية مثل الطب والعلوم والهندسة مصروفاتها مرتفعة لاعتمادها على المعامل والتجارب والأبحاث بشكل أكبر على عكس الكليات النظرية مثل التربية والآداب. وقال رضا سعيد، الخبير التربوي والباحث التعليمي لـ”العرب”، إن ما خطط له بشأن المجانية في مصر، حسب ما يجري على الساحة، هو أن تكون مرتبطة بالتفوق والتميز العلميَّين، وأن تستهدف فئة معينة ممثلة في أبناء البسطاء، وأن يدفع أبناء الفئات الأخرى تكلفة تعليمهم. وأشار إلى أن ذلك مرحب به شريطة أن يستهدف العائد من ذلك تحسين واقع التعليم الحكومي، أما إذا توسعت قاعدة تقليص المجانية دون ضوابط أو رؤية وخطة للإصلاح فإن ذلك سوف يؤدي إلى المزيد من الأمية في المجتمع الذي أصبح نحو 20 بالمئة منه لا يجيدون القراءة والكتابة باعتراف الحكومة نفسها.
مشاركة :