قدمت الأوركسترا السيمفونية السلطانية العمانية 15 مقطوعة موسيقية في حفلة استثنائية كان عنوانها التنوع في الاختيارات بين الأنغام الغربية والألحان الشرقية. أحيت الأوركسترا السيمفونية السلطانية العمانية أمسية موسيقية ضمن فعاليات المؤتمر الدولي السادس لعلاقات سلطنة عمان بدول المحيط الهندي والخليج العربي، وفي الثامنة مساء أمس الأول التأم شمل أعضاء الأوركسترا بقيادة المايسترو نيكولاي مولدوفينو على مسرح الشيخ جابر العلي في مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، استعدادا للإقلاع في رحلة ثرية بالمقامات الموسيقية المختلفة والمقطوعات المتميزة، وقدمت الأمسية الإعلامية العمانية عايدة الزدجالي. ولا يختلف اثنان على أن هذه النوعية من الأمسيات لا تتكرر كثيرا، لذا فإن من يقصدها شخص يعرف قيمة الموسيقى، ويبحث بين ثنايا المقطوعات المختلفة عن فسحة من الهدوء، بعيدا عن ضجيج الحياة، وعلى مدار ثلاث ساعات التقت أمنيات من توجهوا نحو مسرح جابر العلي مع اختيارات الأوركسترا التي قدمت 15 مقطوعة متنوعة جمعت بين التراث العربي الخليجي، ومن نتاج كبار الموسيقيين على مستوى العالم، وبدأت الأمسية بافتتاحية في مقام ري الصغير للمؤلف الألماني هاندال، ويعود تاريخ تأليفها الأصلي الى عام 1717. ثم استقبل الجمهور عازف الكلارنيت العماني المميز عمار العويسي الذي قدم "كونشرتو للكلارينت والأوركسترا وعزف مقطوعة للعازف ويبر الذي قام بتأليفها من مقام مي بيمول لآلة الكلارينت للعازف هننريك بارمان عام 1811، وكان العرض الأول لهذه المعزوفة في 5 ابريل 1811 في حفل حضره الملك ماكسميليان الأول ملك بافاريا حينها، وأعاد العماني العويسي احياءها بمهارة تحسب له، ولاقى اداؤه رضا الجمهور المتعطش للموسيقى والذي يجد فيها سلوى من منغصات الحياة. سوبي ثالث اختيارات الأوركسترا في هذا المساء كان "افتتاحية المرأة المتسيدة"، وهو أوبريت من ثلاثة مشاهد للمؤلف فرانز فون سوبي، وكان العرض الأول عام 1868، ومن الموسيقى العالمية ذات النكهة الغربية يستقبل الحضور مطلع المعزوفة العربية الأولى في الحفل بحماس شديد، وهي للفنان الراحل عوض الدوخي "البارحة"، التي كتب كلماتها الشاعر خالد جاسر ولحنها الدوخي، واستطاعت الأوركسترا تقديم الأغنية في قالب سيمفوني شيق أعاد للأذهان تلك الأعمال التراثية العريقة. ومن الكويت مهد الموسيقى الخليجية الى روسيا الاتحادية، حيث اختار قائد الأوركسترا العمانية واحدة من روائع المؤلف الروسي المتميز ديمثري شوستاكوفيتش "افتتاحية من متتالية فيلم الجادفلي"، تلك الموسيقى التصويرية للفيلم الذي أنتج عام 1955، وتعتبر المتتالية مجموعة من المقاطع الموسيقية، وأعاد توزيعها المؤلف الروسي ليفون اتوفميان. ويضرب الأوركسترا العمانية موعدا مع أرشيف المؤلف الموسيقي الشهير شوبرت، حيث عزف أبناء السلطنة مقطوعة "موسيقى ليلة"، وهي توزيع أوركسترالي لسيرينادة شوبرت الشهيرة، وكانت النسخة الأصلية منها أغنية تم نشرها لأول مرة عام 1829. ويمضي الأوركسترا العمانية في الأمسية مدفوعا بحماسة الجمهور، فتأتي مقطوعة "الفالس الثاني من متتالية الجاز" لشوستاكوفيتش لتثير في الأنفس البهجة، لاسيما أن المتتالية تتكون من ثلاث حركات، تابع الحضور خلال هذا المساء الحركة الأولى. مارش الفرسان وما هي إلا دقائق حتى شرع العازفون في مقطوعة "مارش الفرسان مصنف رقم 428"، وهو من المارشات الشهيرة ليوهان ستراوس الثاني، وعرضت للمرة الأولى عام 1887 ضمن أوبريت يتضمن مقدمة موسيقية ومشهدين. ومن جنوب المحيط الهادي انتقت الأوركسترا العمانية مختارات للعازف ريتشارد روجرز، وهو أحد أبناء نيويورك الذين درسوا في مدرسة جوليارد للموسيقى، ومن أجواء بلاد العم سام الى "أصوات فالس الربيع" إحدى روائع ستراوس، الذي استطاع أن يسوقها خلال جولة حفلاته في روسيا عام 1886. ويخرج أبناء السلطنة من الأجواء الكلاسيكية الى الموسيقى الإيقاعية، عندما يختارون "رقصة إيقاعية مكسيكية" للمؤلف المكسيكي خوسيه بابلو مونتشابو الذي قدم العرض الأول لهذه المطقوعة عام 1941. ولعل قائد الأوركسترا العمانية كان من الذكاء حيث نوع في اختياراته ليحول دون تسرب الملل الى نفوس الحضور، ثم استمع الجمهور الى مقطوعة أخرى لكن هذه المرة من مكتبة المؤلف إلجار، وهي بعنوان "نيمورد من منوعات إنجيما"، ثم مقطوعة "فالس الزهور"، وهي إحدى حركات متتالية "كسارة البندق" للمؤلف الروسي بيتر تشايكوفسكي والذي كتب هذا العمل عام 1982. ومع اقتراب الرحلة من نهايتها يعود الأوركسترا العمانية مجددا للتراث الكويتي، لينتقوا عملا آخر مميزا للفنان الراحل عوض الدوخي، وهي أغنية "عذروب خلي" للشاعر جاسم شهاب، ومن الحان الدوخي، ولعل ما ميز اختيارات الأوركسترا حرصهم على التراث على صعيد الاعمال الخليجية او العالمية، لتأكيد أن الموسيقى لا تعترف بحدود الزمان او المكان وقد تسري أنغامها عبر سنوات لتصل الى أجيال لم تعاصر مؤلفيها، ولكنهم آمنوا بما جاء فيها من ابداع. وفي ختام البرنامج استمتع الحضور بمقطوعة "الفرسان الخفاف"، إحدى روائع المؤلف فرانز سوبيه، وهي الحركة الأولى من أوبريت "الفرسان الخفاف" الذي عرض للمرة الأولى في فيينا عام 1866، ليهدي قائد الأوركسترا للجمهور أغنية "الي يحب الكويت" للفنان عبدالله الرويشد. السلام الوطني وكان السلام الوطني الكويتي والعماني حاضرا في بداية وختام الأمسية، في لفتة لاقت استحسان الجمهور الكبير الذي تابع الاحتفالية. يذكر أن الأوركسترا السيمفونية السلطانية العمانية تأسست في سبتمبر 1985 بتوجيهات سامية من السلطان قابوس بن سعيد، الذي كان اهتمامه بالموسيقى والثقافة وراء قيام المشروع برمته. ومن هذا المنطلق، تم قبول الشباب والبنات ممن وجد لديهم الرغبة في خوض تجربة عالم جديد من الموسيقى، فكانت هذه الفكرة الفريدة والجديدة في المنطقة.
مشاركة :