عازف الكمان

  • 9/25/2014
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

قبل ثلاثة أعوام في بوسطن، نيويورك، واشنطن، غطت إعلانات قدوم عازف كمان نمسوي متفرد الموهبة شوارع المدن الثلاث وقنواتها وإذاعاتها. كان الإعلان يبشر بحضور العازف الفريد وإقامة ثلاث حفلات على ثلاثة مسارح مهمة. بيعت أرخص تذكرة بـ 100 دولار، فيما لم تعرف التذكرة الأعلى سقفا يحدها. أصغر مسرح تم الإعلان عنه، يضم أكثر من 600 مقعد، والأعلى حوى ألفا و500 كرسي، كلها بيعت بالكامل. العازف الموهوب النادر القادم من بلاد خرجت خماسي عائلة شتراوس، أشهر مؤلفي المقطوعات الموسيقية وعازفي الكمان، يعزف نغماته على كمان تحفة نادرة (أنتيكا)، سعره في السوق يتجاوز نصف مليون دولار، لأهميته التاريخية وندارته في عصره. كان رواج الإعلانات وتناقلها بين الشيب والشباب مثيرا، لافتا للنظر، صور المجتمع في انتظار حدث فريد قد يؤرخ به التاريخ، ما استفز صحيفة واشنطن بوست العريقة وقررت هيئة التحرير فيها القيام بمغامرة لإثبات نظرية ما. ذهب فريق من الصحيفة إلى العازف النمسوي واتفقوا معه على الوقوف في ناصية الشارع في محطة للركاب أمام واحد من المسارح الثلاثة المحددة سلفا، يضع قبعة متسول بين قدميه متنكرا ويبدأ عزف مقطوعته بالكمان الفريد نفسه. أعجبت الفكرة سليل بلاد دوت فيها الصرخة الأولى لهتلر وانتصب على الطريق كعازف مشرد يتمايل مع أنغام أوتار كمانه ومعزوفته الخاصة، والمارة بعضهم يلتفت وآخرون يعبرون بلا اهتمام. في النهاية كانت الدولارات التي سقطت في القبعة من جيوب المارين لا تتعدى 27 دولارا، أي أقل من نصف أرخص تذكرة بيعت لواحدة من حفلاته الرسمية الثلاث. بعد التجربة، كتبت "واشنطن بوست": لا يكفي أن تكون موهوبا للوصول إلى الناس، بل تحتاج إلى وعاء يقدمك للآخرين، وهو ما يفعله التسويق". من الزاوية العامة، التسويق هو عملية تربط بين الاحتياجات المادية للمجتمع وبين الاستجابة لأنماط الاقتصاد من خلال توصيل قيمة منتوج أو خدمة إلى العملاء، أما في تعريفه العلمي الدقيق فهو: مجموعة من العمليات تكشف رغبات العملاء وتسعى إلى تطوير المنتجات أو الخدمات التي تشبع رغباتهم وتحقق للمؤسسة الربحية خلال فترة مناسبة. وفي تعريفه الدارج البسيط، التسويق هو فن البيع. كل القصة الطويلة أعلاه، استحضرتها ذاكرتي وأنا أتابع حضور المنتخبات السعودية الباهت حاليا في منافسات دورة الألعاب الآسيوية، وسألت نفسي: لدينا مواهب عظيمة في لعبات فردية مثل في الرماية، الفروسية، السباحة، العدو، مواهب فطرية نتجت لأسباب ثقافية اجتماعية ترتبط بهذه الرياضات، لكنها تفتقد للتسويق، تفتقد للوعاء الرسمي الذي يبحث عنها ويقدمها للوطن والقارة والعالم في أبهى صورها. نقلا عن الإقتصادية

مشاركة :