اقتصاد «داعش» .. على تركيا إغلاق مسارات تهريب النفط

  • 9/25/2014
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

لا شك أن التباطؤ الذي تسبب فيه المجتمع الدولي للقضاء على داعش، أوجد الكثير من الوسطاء، الذين تفاوتت رغباتهم وأهدافهم، في حين أن موارد مثل النفط والخطف والإتاوات، والمجندين الجدد "الجهاديين" ممكنات معروفة وموجودة سلفا، ما أدى إلى تكامل العناصر التي يقوم عليها أي سوق بغض النظر عن حجمه وأهدافه. ويبقى السؤال: هل القضاء على داعش يستلزم القضاء على السوق الموازية لها ولمثيلاتها من الميليشيات المسلحة، التي استغلت "حاجة اقتصادية" و"فراغا أمنيا" تسبب فيهما استبداد وتفرقة على أساس الطائفة والهوية، أم العكس؟ أي أن القضاء على "داعش" سيقضي فورا على هذه السوق بالضرورة؟ كثيرون يميلون إلى الإجابة الأخيرة، ولو من باب التمني، إلا أن المخاوف تؤكد أن "الحاجة الاقتصادية" ستستمر طويلا ما يعزز من وجود سوق للميليشيات واستمراره بشكل أو بآخر، ولكن هذا لا يبرر أيضا عدم المحاولة، التي يعترف مسؤولون أمريكيون منذ البداية بأنها "معقدة". تمويل ذاتي معقد هنا يبرز دور تركيا التي تحفظت تجاه بيان جدة، برغم حضورها. كما أن زيارة وزير الخارجية الأمريكي جون كيري لم تكن كافية على ما يبدو لإقناع تركيا ببذل المزيد من الجهد في هذا التحالف، إذ كان لأزمة الرهائن الأتراك الذين تحتجزهم داعش سبب أخذته الكثير من التصريحات الرسمية والجهات التحليلية الإعلامية بعين الاعتبار، وإن لم يكن هو السبب المعلن. ولكن حتى هذا السبب أصبح في حكم الماضي بعودة الأسرى صباح أمس، إذ أعلن رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو في ساعة مبكرة من صباح السبت أن المخابرات التركية تمكنت من إعادة الرهائن الأتراك، سالمين إلى تركيا. ما يؤكد، بحسب المراقبين، قوة المخابرات التركية، وقدرتها علي فعل الكثير تجاه التنظيم، إذا ما أرادت. وبالعودة لداعش، فلطالما اعتبرها الخبراء نبتًا تفوق على القاعدة الأصل من حيث الترهيب والبشاعة، ولكن أخيرا، ومن خلال التقارير التي بدأت تتكشف تباعا فإن هذا التفوق طال كثيرا من الأمور الأخرى، منها ما هو تكتيكي ومنها ما هو اقتصادي. فتمويل داعش مثلا من الأمور التي بدأ يلحظ كثير من الساسة الأمريكيين صعوبة التعامل معه بنفس الأسلوب الذي تم التعامل به مع القاعدة. فعلى الرغم أن واشنطن فرضت منذ عام 2003 عقوبات على أكثر من عشرين شخصا يتبعون لتنظيم الدولة الإسلامية أو لتنظيم "القاعدة في العراق" كما كان يعرف سابقا. إلا أنه في المقابل، وبحسب ما يعترف به مسؤول كبير في وزارة الخارجية، فإن تنظيم "الدولة" الحالي، وإن كان يحصل على أموال من متبرعين في الخارج، لكن هذا لا يقارن بتمويلهم الذاتي من خلال الأنشطة الإجرامية والإرهابية". كما أعلن وزير الخزانة الأمريكي جاك لو الأربعاء أن واشنطن تعمل مع الأسرة الدولية من أجل "قطع" التمويل الذي يحصل عليه تنظيم الدولة الإسلامية الأمر الذي وصفه بـ"المعقد"، حيث قال "لو" ردا على سؤال لأحد الطلاب "إنها عملية معقدة لأنها ليست شفافة ولا يعرف أيضا مصدر هذا المال ولا الطريقة التي يصل من خلالها". وهو ما يلخصه ايفان يندروك المحلل في مكتب جينز للاستشارات، الذي لفت إلى أن نظام عقوبات شاركت فيه أكثر من 160 دولة نجح في نهاية المطاف في الحد من قدرة القاعدة على الحصول على أموال عبر مؤسسات خيرية ومصارف، غير أن هذا لن يكون مجديا حيال تنظيم الدولة الذي له مصادر تمويل خاصة به في المناطق التي يسيطر عليها. وقال يندروك لوكالة فرانس برس "إن كان بوسع عقوبات مشددة الحد نوعا ما من تحويل الأموال إلى تنظيم الدولة الإسلامية من خارج العراق وسورية، فإنه من الصعب للغاية تقليص مصادر التمويل داخل مناطق سيطرته من حقول نفطية وشبكات إجرامية وعمليات تهريب". تبدأ الأمور بالسيطرة على أراض محددة ثم تأتي الجريمة والابتزاز من أجل المال. سيطرة ثم ابتزاز وتعود هذه القدرة الاقتصادية والإدارة المالية الجيدة لدى داعش، بحسب الكثيرين، استنادا إلى الدروس التي تعلمها التنظيم أيام كان اسمه الدولة الإسلامية في العراق بعد تعرض كثير من التدفقات المالية التي كانت تصله لمزيد من التدقيق من جانب وزارة الخزانة الأمريكية. وبدلا من استمراره في ذلك أضفى التنظيم صبغة رسمية على نظام للتمويل الداخلي يشتمل على الزكاة وعلى النهب ومزيد من التحولات ومبيعات النفط في إدارة الولاية على نحو فعال. حيث غالبا ما تبدأ الأمور بالسيطرة، من قبل التنظيم، على أراض محددة ثم تأتي الجريمة والابتزاز من أجل الحصول على المال، ففي محافظة الرقة السورية التي تعد معقل التنظيم تأكد المتشددون من قدرتهم على إدارة المنطقة بكفاءة قبل أن يعبروا الحدود إلى الأراضي العراقية. يقول توم كيتنج محلل الشؤون المالية والأمنية لدى معهد رويال يونايتد سيرفيسز لوكالة رويترز "الأمر يتعلق بالسيطرة على مراكز مالية رئيسية، والسيطرة على المراكز التجارية والسيطرة على الطرق ونقاط التفتيش، ولا مفاجأة في ذلك لأن ثمة قيمة كبيرة في هذه السيطرة. وكلما زاد ما تحصل عليه من تمويل زاد ما يمكنك أن تحققه من تنمية". وعن نوع المناطق المستهدفة أضاف "ما من فائدة في السيطرة على فدادين من الصحراء، فأنت تريد السيطرة على المراكز المالية حتى يمكنك الاستمرار في التوسع، وأنت لا تريد الانتشار في مساحة كبيرة تفوق إمكانياتك المالية قبل أن يمكنك العمل بفعالية في منطقة التوسع". النفط والوسطاء حين تجتمع السيطرة والنفط، فإن القوة تكون مضاعفة ويتنوع الوسطاء وتتفاوت قوتهم ما يدفع بعض الدول لغض الطرف عن كثير من هذه التعاملات فالسوق مربحة، وبشكل غير مسبوق. يقول محللون ونشطاء إن أغلبية دخل التنظيم يأتي من مبيعات النفط المستخرج من آبار في مناطق تحت سيطرة التنظيم للتجار المحليين، حيث الحقول النفطية الأحد عشر التي سيطر التنظيم عليها في شرق سورية وشمال العراق. وفي المقابل فالأسعار الزهيدة أسست لسوق سوداء منتعشة تقوم بإغراء الكثير من الوسطاء، حتى من خارج التنظيم، للعمل فيها، والتربح من خلالها، إذ يقوم التنظيم ببيع النفط لدول مجاورة مقابل مبالغ نقدية ومنتجات مكررة. وقدر مسؤول أمني عراقي رفيع المستوى، وفقا للوكالة الفرنسية، عدد الحقول التي يسيطر عليها مقاتلو التنظيم بأربعة حقول إضافة إلى حقل خامس يتنازعونه مع قوات البشمركة الكردية. ويبدو أن التنظيم اختار المناطق التي يدخلها بدقة وكان من أهدافه التمويل. فيما قال جونستون لرويترز إن التنظيم يمكنه أن يحقق فائضا بين 100 مليون و200 مليون دولار هذا العام رغم التوسع السريع للدولة الإسلامية وضرورة سداد مرتبات عدد أكبر من المجندين. ويضيف "إنهم يحققون دخلا أكبر ولديهم معارضة أقل من الناحية العسكرية ". بينما قدر لؤي الخطيب الباحث في معهد بروكينجز مداخيل التنظيم بما يصل إلى مليوني دولار في اليوم بفضل مبيعات النفط. وقال إن الجهاديين يقومون بتكرير النفط في مصاف بدائية ثم ينقلونه في شاحنات أو سفن أو حتى بواسطة حمير إلى تركيا وإيران والأردن حيث يباع بسعر يتراوح بين 25 و60 دولارا للبرميل، في حين يبلغ سعر النفط في الأسواق العالمية 100 دولار. وكتب الخطيب أخيرا في تقرير أن تنظيم الدولة الإسلامية "نجح في جني ثروة في السوق السوداء بتطويره شبكة واسعة من الوسطاء في الدول والمناطق المجاورة". ويوضح الخطيب أن عليهم دفع أموال لنقاط تفتيش مختلفة للتنقل بهذه القوافل النفطية وخاصة لتصدير النفط لتركيا". ويتابع "يقدر الآن بعد خسائر الأراضي الأخيرة أن بوسعهم إنتاج نحو 25 ألف برميل يوميا ما يحقق لهم نحو 1.2 مليون دولار يوميا، حتى إذا باعوا بخصم يتراوح بين 25 و60 دولارا للبرميل. طرق بدائية لتكرير النفط، لكنها مجدية ماليا ولها أسواقها الخاصة. الدور التركي وفي معرض البحث عن الحلول يقول الخطيب الذي يشغل أيضا منصب مدير معهد الطاقة العراقي إن على تركيا أن تشن حملة على مسارات تهريب النفط في جنوبها، وسيؤدي هذا إلى توقف مصدر دخل استخدمه تنظيم الدولة الإسلامية في تمويل حملة كبرى لتجنيد مقاتلين جدد، وأضاف أن على السلطات التركية أن تولي اهتماما بإغلاق هذه الأسواق وبذل المزيد من نشاط المخابرات وتطبيق سيادة القانون، وهو ما لفت إليه أيضا الخبير "هارود شاتز" حيث من الممكن الحد من عمليات بيع النفط إذا ما شددت تركيا والأردن إجراءات مراقبة الحدود أو تم التعرف إلى الوسطاء الذين يؤمنون عمليات التهريب. وقال شاتز الذي درس مالية المنظمات السابقة للدولة الإسلامية إنه رغم صعوبة قطع التمويل عن التنظيم، إلا أنه يبقى من الممكن للجهود الدولية أن تطاله، وهو ما حصل في الماضي. وختم شاتز "إن المسألة تعود في نهاية المطاف إلى السيطرة على الأراضي". والسيطرة على الأراضي بحاجة إلى عمل استخبارتي قوي وفقا لباتريك جونستون وبنجامين باني من مؤسسة راندفي اللذين أشارا في مقال تحليلي نشر لهما الشهر الماضي في صحيفة نيويورك تايمز، إلى أن من المستبعد أن تكون الاستراتيجيات التي تركز على فرض عقوبات على أنشطة مالية دولية فعالة. ويقول الكاتبان إنه يجب استهداف المسؤولين عن إدارة حسابات التنظيم ونشاطه النفطي وما لديه من سيولة مالية بقدر أكبر من عمل أجهزة الاستخبارات للمساهمة في تعطيل عمليات تمويله وتوفير معلومات إضافية عن أساليب عمله. وأخيرا، سينطوي خنق مصادر تمويل التنظيم على استخدام مزيج من معلومات المخابرات والقوة على الأرض. وسيقضي إنهاء سيطرة الجماعة على منطقة ما باستخدام القوة العسكرية على قدرتها على جمع الضرائب محليا على سبيل المثال، كذلك فإن اقتفاء آثار طرق التهريب سيشمل وجود مخبرين محليين. وكل هذه الأمور تبقى بيد الجانب التركي لاعتبارت كثيرة، وهذا ما يجعل التحالف الدولي يراهن على الدور التركي كثيرا.

مشاركة :