انتهت القمة وجاءت الأسئلة. لماذا غاب زعماء الإمارات ومصر وخصوصا السعودية عن قمة اسطنبول بشأن القدس؟ ولماذا كان تمثيل المملكة العربية السعودية متدنيا في قمة تناقش مصير أول قبلة للمسلمين وثالث بقعة مقدسة بعد مكة والمدينة؟ الحضور السعودي المتدني كان لافتا. إذ غاب عن القمة الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده محمد بن سلمان وفضلت الرياض أن توفد وزير الدولة للشؤون الخارجية نزار مدني لحضور قمة مصيرية كالتي عقدت في اسطنبول. والمفارقة أنها قمة لمنظمة مقرها جدة وأمينها العام سعودي الجنسية هو يوسف بن أحمد العثيمين الذي تقلد مناصب عليه في الدولة قبل تعيينه على رأس التعاون الإسلامي. ثمة عدة أسباب تقف وراء هذا الحضور الباهت لقيادة تعتبر رمز العالم الإسلامي وزعيمها يحمل لقب خادم الحرمين الشريفين علاقة السعودية المتميزة بالرئيس ترامب 1- بعد سنوات من البرود الذي ميز العلاقة بين الرياض وواشنطن أثناء حكم الرئيس باراك أوباما، عادت الحرارة والزخم إلى العلاقات بين البلدين. وشهدنا من العام الماضي عودة لعلاقة متميزة مع صاحب قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل. فالسعودية لا تبدو أنها في وارد إغضاب الرئيس الملياردير خصوصا في ظل الحديث عن استراتيجية أمريكية بمباركة سعودية لبلورة اتفاق سلام بين إسرائيل والفلسطينيين عرّابُها هو جارد كوشنر مستشار دونالد ترامب وصهره الذي تربطه علاقات قوية بولي العهد السعودي محمد بن سلمان منذ أن تسلم هذا الملف الحساس. 2- إيران العدو اللدود للسعودية في المنطقة حضور إيران قمة اسطنبول يجعل من السعودية تفكر مرتين في ان تتواجد مع خصمها العقائدي والسياسي في مكان واحد خصوصا في ظل التقارب بين تل أبيب والرياض والذي بدأت إرهاصته تلوح في الأفق انطلاقا من مبدأ عدو عدوي صديقي وخصوصا أيضا بعد الصفعة التي تلقتها في لبنان من خلال عودة الرئيس سعد الحريري عن الاستقالة المدوية والقصيرة الأمد التي أعلنها من الرياض الشهر الماضي. ولا ننسى طبعا الضربة الأخيرة الموجعة في اليمن بعد انقلاب الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح على حلفائه الحوثيين المدعومين من إيران انتهى بمقتله. 3-القدس ليست الأولوية وباستثناء التنديد والاستنكار، فإن الرياض لم تدع ولم تقم بأي إجراء ملموس أو حازم كاستدعاء السفير الأمريكي لديها مثلا ولا حتى التلويح بإجراءات أخرى. ما يشي بأن القدس لم تعد أولوية كبرى لدى السعودية. وقد صادف قمة اسطنبول افتتاح أعمال مجلس الشورى السعودي. وقد آثر الملك سلمان آثر حضور جلسة أعمال المجلس بدل التوجه إلى اسطنبول. فقد كان يمكن تأجيل الجلسة مثلا نظرا للظرف الحساس والطارئ لملف كملف القدس لكنه لم يفعل وفضل الحديث عن القدس في خطابه بدل التوجه لحضور قمة عنوانها الوحيد هو القدس وما فعله ترامب. بحث عن نفوذ خارج الإقليم والقارة أيضا كما صادف القمة أيضا وجود وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في قمة أخرى دعا إليها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. حيث كان الجبير متواجدا في باريس لحضور قمة لحشد الدعم المالي لقوة دول الساحل في إفريقيا والتي تشهد تعثرا ماديا. وقد تبرعت السعودية بمبلغ 100 مليون دولار من أصل 500 مليون تحتاجه هذه القوة بالإضافة إلى دعم إماراتي متمثل في تمويل مدرسة حربية مقرها نواكشوط في موريتانيا لتخريج عناصر هذه القوة التي يريد لها ماكرون أن تكون يده الضاربة في إفريقيا لمكافحة الإرهاب والتطرف. -4 قطر والأزمة الخليجية ! التمثيل المتدني للسعودية والإمارات ومعهما مصر التي أوفدت وزير خارجيتها سامح شكري، يجد أيضا مبررا له في حضور أمير قطر الشيخ تميم بن حمد قمة اسطنبول. وبالتالي فحيث يكون هو لا يكون الآخرون خصوصا في ظل الأزمة المستعصية على الحل ودون وجود أية بوادر لانفراج قريب رغم المساعي الكويتية في هذا الخصوص. 5- تنازع الزعامة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هو من دعا للقمة بشأن القدس باعتبار بلاده الرئيس الدوري لمنظمة التعاون الإسلامي. وبالتالي قد يكون هناك نوع من التذمر على اختطاف أردوغان للأضواء وتقديم نفسه ولو عن غير قصد، على أنه زعيم العالم الإسلامي المهتم لأمر القدس وأهلها خصوصا بعد المواقف الحادة والتصريحات النارية التي أطلقها باتجاه أمريكا. حيث قال الرئيس التركي إن واشنطن شريكة في إراقة الدم الفلسطيني وبأن إسرائيل دولة إرهابية ودول محتلة ما جعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يرد عليه قائلا إن إسرائيل لا تحتاج لتلقي دروس ممن قتل الأكراد وتحالف مع إيران والإرهابيين. هذه هي الأسباب الكامنة وراء التمثيل السعودي المتدني في قمة اسطنبول بشأن القدس والتي لم تخلص هي الأخرى لاتخاذ اجراءات ملموسة بغرض الضغط على الإدارة الأمريكية للتراجع عن قرارها إذا استثنينا التصريحات الحادة التي صدرت من رئيس السلطة الفلسطينية والرئيس المضيف للقمة. فماذا بعد؟ سامية مباركي
مشاركة :