في إجابتنا عن السؤال: هل الحالة الأمنية في لبنان تستدعي عدم السفر إليه؟ استعرضنا في الجزء الأول من المقال استنتاجنا بأن الوضع في لبنان مستقرّ سياسياً نسبياً، وأنه لا توجد مخاطر أمنية، لا على اللبنانيين ولا على زوار لبنان، وسنكمل في هذه الحلقة تحليلنا للاستنتاج: 1 – من يتوقّع أن تتكرر مأساة الحرب الأهلية في لبنان – لا سمح الله – مخطئ، فهناك إجماع دولي من أميركا وإيران وإسرائيل وروسيا وأوروبا، وبالذات فرنسا والسعودية، على أن يبقى لبنان خارج منطقة الحروب القائمة. ففي الوقت الذي كان الرئيس الحريري في الرياض، وهي الأيام التي شهدت نوعاً من التوتر الداخلي، كانت نائبة رئيس أركان القوات الجوية الأميركية تقابل وزير الدفاع اللبناني مؤكدة استقرار لبنان. فليس هناك أسباب أو تحضير لحرب أهلية في لبنان. فالحرب الأهلية التي شهدها لبنان منذ عام 1975 إلى عام 1990 بدأ التحضير لها منذ سبتمبر عام 1970، عندما طرد الجيش الأردني الفدائيين الفلسطينيين من الأردن، مؤدياً ذلك إلى لجوئهم إلى لبنان ثم هيمنتهم على الحياة السياسية بالتحالف مع الطائفة السنية والأحزاب اليسارية. فمنذ ذلك التاريخ، بدأ حزب الكتائب بالتحضير للحرب لشعوره بأن دور المسيحيين في السياسة اللبنانية قد قُضي عليه. ورأى حزب الكتائب أن الجيش اللبناني غير قادر على طرد الفدائيين الفلسطينيين من لبنان أو تحجيم دورهم، بعد أن فشل الجيش في حرب المخيّمات في أبريل من عام 1973، فاتخذ قراره بأن يقوم بالدور نفسه. فافتعل حادث الباص في أبريل 1975 ثم هاجم منطقة الفنادق، معتقداً خطأ أن الأمور ستُحسم لمصلحته في النهاية وبدعم من إسرائيل وأميركا ودول أخرى في المنطقة. لكن تجربة الحرب اللبنانية زرعت القناعة لدى اللبنانيين جميعا بأنه لا يوجد حل عسكري لفرض رأي واحد على الساحة اللبنانية، وأنه لا يمكن لطائفة أن تتغلّب على طائفة أخرى. فغِنى لبنان وازدهاره لا يكونان إلا بمساهمة اللبنانيين جميعا ومشاركتهم سياسياً واقتصادياً. 2 – من يتجنّب لبنان لخوفه من حرب بين «حزب الله» وإسرائيل فهو مخطئ كذلك؛ فـ«حزب الله» متورّط في سوريا ومنهك من حرب دفعته إليها إيران. كما أنه يدرك كذلك أن أي مغامرة نحو حدود إسرائيل سيدفع ثمناً غالياً عليها، ربما تكلفة وجوده في لبنان بالكامل، هذا من ناحية. كما أن إسرائيل ليست لديها مخاوف آتية من «حزب الله»، ونتانياهو لا يستطيع اقناع الإسرائيليين بشن حرب على «حزب الله»؛ فالحزب لم يطلق صاروخاً على إسرائيل، وظل بعيداً عن الحدود السورية ـــ الإسرائيلية على الرغم من تواجده في سوريا منذ سنوات لدعم نظام الأسد بتكليف من إيران، فليس هناك سبب لان تهاجم إسرائيل «حزب الله». إضافة إلى ذلك، إسرائيل تدرك كذلك أنها ستتكبّد خسائر فادحة إن دخلت لبنان. فقد تصل صواريخ «حزب الله» إلى مراكز صناعات كيماوية في شمال إسرائيل ووسطها؛ فالردع المتبادل بين إسرائيل والحزب يساهم في منع نشوب حرب بينهما. لذا، إن كان هناك من يتجنّب لبنان توجّساً من حرب أو انفجار بين اللبنانيين أنفسهم فهو مخطئ، ومن يتجنّبه لخوفه من انفجار بين إسرائيل و«حزب الله» فهو مخطئ كذلك، لكن عند تقييم المخاطر، ليس هناك جزم بنفي أو تأكيد مخاطر بالكامل. لكن عندما تحلل الأمور بصورة موضوعية، يمكن الوصول إلى قرارات حول السفر أو عدم السفر إلى لبنان. هذا وعندما ترى أن كثيراً من الأوروبيين أصبحوا سياحاً في لبنان، فذلك دليل على أن الوضع الأمني مستقر. ففرنسا وروسيا وبلجيكا وبولندا لن تسمح لمواطنيها بالتوجه إلى لبنان، إن كان غير مستقر. وقد قابلت هؤلاء السياح الأوروبيين في الفندق الذي سكنته. كما أن هناك كثيراً من السياح من الأردن والعراق. وكثرة الإعلانات عن مطربين تعكس إقبال كثير من العراقيين على لبنان. فقد أصبحت بيروت بغدادهم بعد ان أسدل الحزن غيومه على بغداد. ما يزعج في بيروت ليس الحالة الأمنية وإنما الحالة المرورية. لذا، من تشكلت لديه الرغبة لزيارة بيروت أن يتدرّب على المشي لمسافات طويلة. فهي أسرع طريقة للتنقل ضمن وسط مدينة بيروت، وأن يحضّر نفسه للبرد المنعش على الجبال القريبة من بيروت. فعندما قضيت بضع ساعات في الجبل كانت زخات المطر مضطربة لا تعرف انها ستبقى قطرات ماء أو أن تكون بردا أو أن تتحول قطنا من الثلج. د. حامد الحمود Hamed.alajlan@gmail.comhamedalajlan@
مشاركة :