على الرغم من تحذير بعض الأصدقاء من السفر إلى بيروت، فقد حضرت في 5 ديسمبر موسيقى وتراتيل الكريسماس في كنيسة الجامعة الأميركية. وهذه المرة الثانية التي أحضر مثل هذه الاحتفال في هذه القاعة. أما الأولى فكانت في الشهر نفسه من عام 1972. وأجمل ما في هذا الاحتفال الموسيقي أن أغلب المشاركين فيه هم من أساتذة وطلبة الجامعة. وشعرت بالسعادة عندما شاهدت أن أساتذة في قسم الفلسفة بالجامعة كانوا من بين المشاركين. فأساتذة الفلسفة يمكن أن يكونوا مفعمين بالبهجة والحيوية. وكانت الموسيقى للتشيكي أنطوان دفوراك، وللأستوني أرفو بارت. ولا بد من أن أعترف أن ثقافتي الموسيقية متواضعة، فلم أستطع الاستمرار بالإنصات إلى تراتيل باللاتينية أو الإيطالية تردد مع آلة موسيقية واحدة هي الأورغ. فنبهتني زوجتي أنني غفوت قليلاً. لكنني عدت إلى الاستماع بحيوية عندما شاركت بترديد بعض الأناشيد بالإنكليزية. وخلال استماعي لهذه الموسقى، والجو المفعم بالحيوية، كنت أقارن بين ما حولي من اندماج مع جو بيروت الاحتفالي، والصورة التي يتخيلها البعض في الكويت ودول الخليج الأخرى عن مدى المخاطرة من السفر إلى لبنان. هذا وفي مجال السفر إلى المناطق الخطرة، فكاتب هذه السطور يرى أن يكون المسافر حذراً لسببين: للمحافظة على حياته، لكي لا يسبب إحراجا سياسيا للدولة التي ينتمي إليها. فنحن في الكويت ودول الخليج بشكل عام، دول تحترم وتقدر مواطنيها، وتبذل الجهود الكبيرة للمحافظة على سلامتهم عند تعرضهم للخطر خارج أوطانهم. لذا على المواطن أن يكون واعيا لمصلحة بلده، قبل مصلحته. لكن عندما يتعلق الأمر بالسفر إلى لبنان، وجدنا أن منع السفر يستخدم للتعبير عن عدم الرضا من دول الخليج للهيمنة الإيرانية على الحكومة اللبنانية. وهو أمر لا يمثل وجهة نظر خليجية فقط، وإنما كذلك قناعة كثير من القوى السياسية اللبنانية المعارضة. ففي المقابلة التي أجرتها أنديرا مطر ونشرتها القبس بتاريخ 11 ديسمبر 2017 مع اللواء أشرف ريفي وزير العدل اللبناني السابق، كان صريحا في انتقاده حزب الله الذي وصفه بأنه: «أساء للعلاقات مع الكويت ومن خلال انخراطه بخلية العبدلي وأساء إلى البحرين واليمن والسعودية، بتنفيذه مشروعا إيرانياً تعمد إحداث القطيعة بين لبنان والخليج. هناك ماكنة تحاول الإساءة إلى العلاقات اللبنانية الخليجية. نحن جزء من العالم العربي، ودورتنا الاقتصادية لا تنتعش إلا من الشريان الخليجي. طهران لديها مشروع واضح تغذي «حزب الله» كأداة لها لتضرب النسيج اللبناني وهي لا توفر للاقتصاد اللبناني أي جدوى». لذا أرى أن منع السفر من قبل بعض دول الخليج لمواطنيها والتحذير منه من قبل دول أخرى مفهوم لتسجيل موقف سياسي. لكن الكويت لا تمنع مواطنيها من السفر إلى لبنان، وكثير من الكويتيين لديهم أعمال وعلاقات تتطلب السفر إلى بيروت. ويبقى التساؤل: هل السفر إلى لبنان آمن؟ بمعنى هل الحالة الأمنية في لبنان تستدعي عدم السفر إليه؟ في هذا المجال يرى كاتب هذه السطور أن الوضع في لبنان مستقر سياسيا نسبيا. انه لا مخاطر أمنية، لا على اللبنانيين ولا على زوار لبنان، وذلك للأسباب الأربعة التالية: 1. إن كان «حزب الله» يهيمن على الحكومة والسياسة في لبنان، فإنه بالتأكيد لا يهيمن على الحياة في لبنان. فما دمت خارج «الضاحية» فإنه يمكن توجيه انتقاد للسيد حسن نصر الله في الصحافة والإعلام. كما أنه من الخطأ الافتراض أن سكان الضاحية جميعهم يدينون بالولاء لـ«حزب الله». فهناك معارضة من الطائفة الشيعية تسكن الضاحية لكنها تعارض بهدوء. لكن بالتأكيد فإن حزب الله سيقوم بإسكات أي معارضة علنية له في هذه المنطقة. مثلما حصل لمن صرح علنا بمعارضته للمصائب التي سببها الحزب بدخوله للحرب في سوريا ثم اضطر أن يعتذر علنا على الفضائيات، مؤكدا ولاءه للسيد حسن نصر الله. وعلينا ألا نستغرب ذلك، فإنه كذلك لا يمكن الإعلان عن معارضة لمسيرة الحزب التقدمي الاشتراكي بانتقاد وليد جنبلاط علنا في بلدة المختارة. ولا يمكن الإعلان عن انتقاد لسمير جعجع في بلدة بشرى. وعلى هذا المنوال، فإن معارضة آل فرنجية محرمة علنا في إهدن أو آل جميل في بكفيا. كما أن هناك مخاطرة لانتقاد مسيرة الحزب القومي السوري علنا في منطقة ظهور الشوير. أو انتقاد الحريري في بعض أحياء بيروت وصيدا. لكن لحسن الحظ، فإنه يمكن انتقادهم جميعا في منطقة رأس بيروت التي لا تحمل هوية طائفية. 2. مع هيمنة حزب الله على السياسة في لبنان، فإن الحزب يدرك كذلك أن تفوقه العسكري لا يسمح له بحسم كل الأمور لمصلحته على الساحة السياسية والاقتصادية أو الحياتية. وقد اختبر فشله منذ سنوات عدة عندما أرسل قواته لوسط بيروت اضافة الى مهاجمة قناة المستقبل. أدرك حينها أن ذلك سيشل الحياة الاقتصادية والمعيشية للبنانيين جميعا، بما في ذلك أبناء الطائفة الشيعية التي تعيش حاليا عصرها الذهبي ليس من ناحية هيمنة حزب الله على الحكومة، وهيمنة حركة أمل على مجلس النواب من خلال رئيسه البراغماتي نبيه بري، وإنما على النجاحات الاقتصادية التي حققتها هذه الطائفة خلال العقود الأربعة الأخيرة. والحق يقال إن أبناء هذه الطائفة قد حققوا نجاحات على المستويين العلمي والتعليمي كذلك. وأصبح مثقفوهم يشكلون الثقل الأهم من النخبة الثقافية في لبنان. فخلال العقود الأخيرة، تميزت الطائفة الشيعية بتوليد حراك سياسي وثقافي داخل الطائفة، قدم نخبة جديدة من القياديين مستقلين عن القيادات التقليدية للطائفة الشيعية. وهذا ما افتقدته الطائفة السنية التي ظلت حبيسة تحت مظلة قيادات عائلية تقليدية، أو تحت قيادة أبناء الطائفة الذين دخلوا السياسة بعد أن جمعوا ثروات هائلة خارج لبنان. فديناميكية الطائفة الشيعية جعلت حتى أكثر المعارضين تأثيرا لهيمنة حزب الله على السياسة في لبنان، هم من أبناء الطائفة الشيعية نفسها.وللحديث بقية.. د. حامد الحمود Hamed.alajlan@gmail.comhamedalajlan@
مشاركة :