الحكايات الشعبية.. ذاكرة القلب

  • 12/17/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الحكاية الشعبية في صورتها الأولى الشفوية لا تنتمي إلى مجتمع بعينه، لكنها تصلح لكل زمان ومكان، وهي تتغير من راوٍ إلى آخر، وتتعدد رواياتها بتعدد الرواة، وعند كتابتها تصبح ثابتة، ثم تعود لتتغير إذا كتبها أكثر من مؤلف، والحكايات الشعبية كما كتبها رواد أدب الطفل شارل بيرو، والإخوة جريم وأندرسون، تنتمي إلى المجتمعات التي ينتمي إليها كل كاتب، فحكايات شارل بيرو ترتبط بمجتمع القرن السابع عشر في فرنسا، حيث كانت الفتيات مهذبات، خاضعات، جميلات، لكن بلا شخصية، فالذكاء للذكر وحده: عقلة الإصبع، القط لابس الحذاء، فكل الذكور يتسمون بالشجاعة، والذكاء، وحسن التصرف، لذلك يحاول الكتاب الحديثون أن يغيروا من هذه الحكايات القديمة التي لم تعد تصلح لهذا الزمن في رأيهم، بحيث تتفق مع احتياجات مجتمعهم في الوقت الحالي، فلم تعد ذات الرداء الأحمر ساذجة وضعيفة، ولم تعد الأميرة النائمة في تابوتها تنتظر قبلة الأمير ليعيد لها الحياة، ولم تعد سندريلا مستسلمة لزوجة أبيها الشريرة غير قادرة على رفض أوامرها.تؤكد د. غراء مهنا في كتابها «الحكايات الشعبية بيد التنوع والاختلاف»، أن العبارة الإطارية التي تبدأ الحكاية أو الختامية التي تتبعها، تتنوع وتختلف كما تختلف الحكاية من سياق لآخر ومن مجتمع لآخر، في الشرق والغرب، في الماضي والحاضر، وتختلف أيضاً باختلاف الراوي، أو حين يرويها الطفل، أو الشخص البالغ، وكذلك عن اختلاف نوعية المستقبل لها ومن السرد الشفوي إلى السرد المكتوب، فالاختلاف والتنوع سمة من سمات الحكاية الشعبية بصفة، خاصة والحكاية بصفة عامة.وتؤكد غراء مهنا أن هذا التنوع والاختلاف بين الحكايات أو بين الروايات المختلفة لحكاية واحدة نجده على مستوى الشكل والمضمون في السرد والشخصيات واللغة المستخدمة، والهدف الأساسي من هذا الكتاب هو الدعوة إلى عدم المساس بالحكاية الشعبية بدعوة التحديث، التي أصبحت تشكل جزءاً من تراثنا الشعبي، وإن محاولة التغيير ومسايرة العصر يمثل خطورة كبيرة على الحكايات التقليدية المعروفة، التي عاشت في ذاكرة الناس وقلوبهم، وتخطت الحواجز الزمانية والمكانية.تقول غراء مهنا: إننا ندعو إلى عدم العبث بهذا التراث الثمين من الحكايات ومحاولة إخراجه من مضمونه، ووأده بتحويله إلى مسارات أخرى، وحكايات أخرى تخدم أفكاراً وأيديولوجيات بعيدة كل البعد عما احتفظت به الذاكرة الشعبية على مر العصور، إن الحكاية التقليدية التي توارثها الأبناء عن الأجداد وظلت معلقة في الذاكرة الجماعية للشعوب فحفظها الجميع عن ظهر قلب، سواء كانت شفوية أو مكتوبة، لها سحرها الخاص، وعالمها الذي شغلنا صغاراً وكباراً، نعرفها كما حكاها الأجداد من قبل ونألفها في صورتها الأولى، فلماذا هذا التشويه والتخريب بحجة الحضارة والمدنية والمساواة؟ لماذا نربطها بزمان ومكان وهي حكاية كل زمان ومكان؟

مشاركة :