نقاد يحللون المشهد الإبداعي السيناوي: عراك قاس وسعي لتجاوز تقليدية الرؤية

  • 12/19/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

جاء محور "المشهد الإبداعي في محافظة جنوب سيناء" ليشكل واحدا من المحاور المهمة ضمن فعاليات المؤتمر العام لأدباء مصر في دورته الـ 32، والذي يقام تحت عنوان "التأسيس الاجتماعي للأدب" دورة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، حيث قدم الشاعر د. أمجد ريان رؤية للمشهد أوضح فيها مراحل تطور الشعرية الجديدة من خلال دراستين قصيرتين لتجربتين متباينتين من حيث الرؤيا والتوجه، الأولى عن قصائد الشاعر إبراهيم صبحي والثانية حول قصائد للشاعر محمد أحمد، موضحاً أن التجربة الأولى تفيد من تفاعل الرومانسية والشعر الحر وتؤكد العلاقة الوثيقة بينهما، بينما التجربة الثانية تتعلق بولادة واستمرار تجربة الحداثة الشعرية وهي تجربة تتجاوز الأحادية وتنادي بالتعدد، كما أشار إلى أن الحداثة العربية تمكنت بالفعل من تقديم لغة شعرية مجازية متعددة الدلالة. وتناول د. حمدي سليمان أحد عشر نصا شعريا لتسعة شعراء عامية من جنوب سيناء من بينهم محمد جمال وعمرو شاهين ومحمود الأسواني وطلبة أحمد عامر وخضر إسماعيل ويونان سعد، وأوضح أن النصوص بعضها لا يزال يتمسك بقيم وروح قصيدة التفعيلة والالتزام بالوزن ويعلي من الغنائية، وبعضها ينتمي إلى قصيدة نثر العامية. لافتا إلى أن تلك القصيدة التي نظر أصحابها إلى جوهر الشعر وتعاملوا معه لا مع اشكاله التي تغيرت تبعا لاختلاف الذائقة وإيقاع الحياة، وربما كان علينا أن نبحث عن تيمه أساسية مشتركة نعمل عليها داخل هذه النصوص، وقد كانت تيمه "الحلم" بكل تجلياتها وتشكيلاتها الجمالية في مواجهة الواقع، هي الهدف الذي تتبعناه خلال قراءتنا لعدد من النماذج الشعرية لشعراء لهم خصوصيتهم التي تمنحهم قدرا من التميز، خاصة وأن هذه النصوص ترسم عالمًا متخيلا، وهذا العالم أو الملاذ/ الحلم الذي تؤسسه المخيلة الشعرية يخلق علاقة جدلية بين الواقع والحلم. هذه التقنية منذ اكتشفها المبدع الأول، واتبعه فيها الشعراء وغيرهم من الأدباء والمبدعين في كل المجالات، لم تكن إلا تجاوزا وهروبا من واقع رديء ومظلم، تحكمه الأفكار العتيقة والرؤى المتحجرة، وتسوده العلاقات المادية وتسيطر عليه، وتفقد الإنسان القيم الإنسانية النبيلة التي يجب أن يتحلى بها، ولعل من أهم الدوافع الوجدانية لهذه التقنية هي التخفف من أعباء الواقع المؤلم، والهروب إلى عوالم يحققون فيها ما يحلمون به، وما تصبو إليه نفوسهم بعيدًا عن العالم المادي الذي تكثر فيه الصراعات ويحكمه العبث اللانهائي. ورأى أن للشعراء موضع قراءاته تجارب شعرية تجمع بين تعدد الألوان، وتعدد التفاصيل المكانية والبصرية والزمنية، تجارب منفتحة على مساحات من التأمل الكاشف لما هو كائن وراء الواقع المعيش، وقال "استطاع كتاب هذه النصوص أن يحللوا مشاهد من بنية المجتمع المصري، وأن يغوصوا في أعماقه، ليرصدوا لنا جملة من التفاصيل الدالة على التناقض الصارخ في منظومة القيم السائدة والسلوك اليومي، فالشعراء مهمومون برصد التفاصيل الإنسانية وتحولات الواقع، وهو ما جعل نصوصهم - رغم حداثتها على مستوى الشكل، وتخلصها من الموسيقى التقليدية - تخلق إيقاعا خفيًّا يتسرب إلينا عبر تدفق الصور والغوص في التفاصيل وسلاسة النفس الشعري، فثمة موسيقى من نوع آخر نجدها في نصوص نثر العامية، ولا غرابة في ذلك فالموسيقى ضرورة للشعرية بصورة عامة، حيث لا يمكن أن نهمل عنصر الإيقاع، فهناك علاقة وطيدة بين الإيقاع وطبيعة الواقع، لأنه جزء من حركة الحياة يتغير بتغيرها ويلبي حاجاتها. كما أن هناك علاقة بين أشكال التعبير الشعري وبين تغيرات الإيقاع وتحولاته، وهو ما يتحقق في بعض هذه النماذج التي تعرضنا لها، حيث نجد أن الإيقاع المستتر يتماهى مع مادة الحلم للوصول إلى حالة التخييل والاستشراف، تلك الحالة التي تسعى إلى خلق حياة غير التي تحياها غصبا، حياة من صنعها تشارك فيها الوجود الذي تشعر أنه بيتها، وأنها ليست غريبة فيه وأن وجودها له معنى". وأكد أنه رغم تميز وتنوع هذه الأعمال التي تحدثنا عنها لشعراء جنوب سيناء وهي محافظة مليئة بالموهوبين، والتي تجمع بين قصيدة التفعيلة وقصيدة نثر العامية، فإن هناك ملاحظات مشتركة تؤخذ على بعض النصوص، منها على سبيل المثال: عدم تجديد القاموس الشعري التقليدي، وتكرار وافتعال الصور الشعرية، مجاراة الشعور والاستسلام له دون ضرورة فنية، الاهتمام بالموضوع والأفكار على حساب الجماليات، كما أن هناك تكرارا مشتركا لمفردات الحلم التقليدية في معظم النصوص مثل: الحرية، الطفولة، البراءة، الأمل، البنات، الحبيبة، الأم، الوطن، إضافة للطيور والسماء والشمس والنور. وناقش د. علاء الجابري القصة القصيرة في جنوب سيناء من خلال قراءة بعنوان "هواجس الهامش والجري في المكان أو سيطرة سؤال القيمة والأفضلية للنزعة البيانية"، حيث حلل أربعة أعمال قصصية، ووجه النقد لتلك الأعمال، موضحاً أن الأعمال القصصية تقع في نطاق الرواية وليس القصة القصيرة وأن القضايا المقدمة بديهية ليس فيها عظة ولا فيها القيمة. وقال "بعض القصص كانت تحمل بذورا سردية جيدة غير أن أدوات الكتابة لم تستطع الوفاء بوعد السرد فيها، ومن ذلك قصة (امرأة عاملة ورجل صلصال)، (مجموعة خلقة ربنا: حسام خلف الله) فقد عابه عدم تطوير الحديث عن إكرامية البائعين لها، وحديثها المستتر عن غمز الرجل بأعز ما فيه، واعتمادها الالتفات لتفاصيل حياتية بسيطة، واللعب على تيمة الملابس، فضلا عن (معاش أموات) الذي يستخدمونه، غير أن التلميح دون التصريح يحتاج إلى قدرات أخرى. هذه المجموعة - بصفة عامة - مبشرة، غير أنها لها حسابات داخلية في تطوير السرد، وتعبيراته. وعلى ذكر التعبيرات، فالسرد في الإقليم يبدو مثالا واضحا لجناية الرافعي والمنفلوطي وأضرابهما على النثر العربي. لا نريد – بالطبع - قدح الكبيرين، ولكن تأثيرهما يمسك - لا يزال - بتلابيب الإبداع في بعض الأماكن، أو لنقل عند بعض تصورات المبدعين الذين تجمدت متابعتهم للكتابة عند فترة ما". ورأى أن ثمة ملمحا فنيا - مع التجاوز في التعبير- يبدو في المباشرة، وهي التي إن امتزجت بالقيمة صارت أكثر عبئا على العمل الفني، وقال "ثمة إصرار برئ على ضرورة أن ترتبط القصة بخلفية أخلاقية فلا مجال للفن للفن، ولا يخرج أمر الاعتبارات الأخلاقية عن "رفع العتب" عن المبدع، والإلحاح على كون الإبداع جزءا من ثقافة تقوم على العيب والحرام. وألمح جلال إلى إن المشكلة الأبرز في التعويل على "القيمة" تبدو في مدى ما تحدثه من ارتباك في مفهوم النوع القصصي نفسه؛ إذ تتحول إلى نوع من اليوميات تارة، أو الملاحظات العبرة تارة أخرى، فضلا عن النزوع نحو "المقال" بشكل كبير. إننا حيال تنويعات غير قصصية في مجموعات يُفترض أنها قصصية. هكذا يظل سؤال النوع مؤرقا للمتلقي من جهة، وموحيا بنوع من ضبابية الرؤيا عند المبدع من جهة أخرى، مهما أفرطنا في الحديث عن "بينية" القصة القصيرة بطبيعتها". قد يتعامل الإبداع بأريحية مع هذه الأمور ثقيلة الظل، والتي يفترضها الناقد، وقد لا يلقي لها المبدع بالا، غير أن الأعمق في المسألة أن يصل مبدع إلى عدد متراكم من الأعمال الأدبية دون أن يلتفت إليه أحد، أو يؤكد له خطل نظرته للفن الذي يكتب فيه. إن تخليّ الناقد عن الدور التعليمي يبدو شاخصا هنا. أما الباحث هاني القط فقدم بحثا بعنوان "الغربة بين أوهام الحلم وقسوة الواقع"، حيث تناول روايتين تخوضان في عراك قاس مع وحشة الغربة فيتجلى المكان بعيداً عن حاضنة الوطن، الرواية الأولى هي "آدمُ يهبط مرتين" للكاتب حسام خلف الله على، الصادرة عن دار الإسلام للطباعة والنشر. وقد انطلقت أحداثها من غربة البطل في الأردن لتتواصل الغربة إلى قبرص بغية المال لتحقيق حلم شراء مزرعة. هذا هو نسيج الحكاية العريض الذي عُشقت فيها تفاصيل عوالم جديرة بالتأمل. والأخرى هي رواية "نافيجاتر" للكاتب محمد توفيق عبدالحافظ. والتي خاضت في عالم الإبحار المدهش، الذي أمتعنا به البرازيلي جورجي أمادو والأميركي أرنست همنجواي في رائعة العجوز والبحر والتي ذكرها الكاتب في حديث للبطل مقارنًا بين معاناة البطل في رواية همنجواي ومعاناة البطل في روايتنا نافيجاتر. وألقى الشاعر د. أمجد ريان في بحثه "قيمة التشكيل الشعري بين الرومانسية والتعدد" الضوء على مراحل تطور الشعرية الجديدة في الشعر السيناوي من خلال دراستين قصيرتين لتجربتين متباينتين من حيث الرؤيا والتوجه، ولكنهما تكتملان في طريق بناء تصور ناضج عن مراحل تطور الشعرية في بلادنا، الدراسة الأولى عن قصائد الشاعر إبراهيم صبحي المرسي، حول تجربة تفيد من تفاعل الرومانسية والشعر الحر، وتؤكد العلاقة الوثيقة بينهما، وقد كان شعراء مدرسة الشعر الحر يبحثون عن جذورهم، بداية من جذور المدرسة الرومانتيكية العربية والغربية، وأكدو أن ما يقدمونه هو نوع من تطوير الحس الرومانسي، دون الخروج عليه. والدراسة الثانية حول قصائد للشاعر محمد أحمد الدسوقي، وهي تتعلق بولادة واستمرار تجربة الحداثة الشعرية، وهي التجربة التي تتجاوز الأحادية وتنادي بالتعدد، وبالفعل تمكنت الحداثة الشعرية العربية من تقديم لغة شعرية مجازية متعددة الدلالة، وتقديم بناء شعري متعدد، تدخل في خلقه الأغنيات الداخلية، والأقنعة، والمعنى الصوفي الإسلامي، ويمكن أن يفيد هذا البناء من كل مايدور حولنا في الحياة وفي الثقافة حتى أن الشاعر الكردي العراقي سليم بركات قدم لنا نصًّا شعريًّا يحتوي سيناريو مختصرا لفيلم سينمائي، كما أن التعدد قد فاض على الدلالة اللغوية وعلى مستوى الصوت فعرفنا القصيدة التي تعتمد على موسيقى أوزان الخليل التقليدية، وعلى النثر وعلى إيقاع السرد الحكائي في الوقت نفسه.   محمد الحمامصي

مشاركة :