معوقات موضوعية وأيديولوجية تحول دون تعليم الأمازيغية في الجزائريكاد الجدل لا يتوقف في الجزائر حول قضية إدراج اللغة الأمازيغية واعتمادها كلغة رسمية، حيث يرى أكاديميون وباحثون في القطاع أن هذا القرار ظل مغيّبا لعقود طويلة، لجهة تداخل الأسباب والمعوقات وترابطها، وقد تزيدها سياسة إدارة الظهر من المشرفين على قطاع التعليم في الجزائر تعميقا، ما أجج في الفترة الأخيرة مطالب شرائح واسعة تنادي بضرورة إعادة هيبة اللغة الأمازيغية وإعطائها أولوية كغيرها من اللغات.العرب صابر بليدي [نُشر في 2017/12/19، العدد: 10847، ص(17)]اعتراف منقوص الجزائر - لا يزال التعليم الأمازيغي في الجزائر في طور المشروع المتعثر وبعيدا عن طموحات المنظرين له لأسباب متشابكة وطروحات متضاربة في ظل غياب نقاش أكاديمي وتربوي حقيقي يرسي قواعد تعليم الأمازيغية كلغة تمثل جزءا من الهوية الجزائرية، وفي ظل تفرد الأيديولوجيا بمسارها ومستقبلها، الأمر الذي أعاق عمل المختصين والأكاديميين لإيجاد مقاربة حقيقية تسمح بإعادة هيبة هذه اللغة وإعطائها حظها في الأقسام الدراسية. وكثيرا ما يبدي الأمازيغ في الجزائر امتعاضا كبيرا من تهميش لغتهم وعدم اهتمام الدولة بموروثهم الثقافي. ويشكل الأمازيغ جزءا مهما من النسيج الاجتماعي الجزائري، كما أن الدراسات الأنثروبولوجية والتاريخية تتواتر مؤكّدة على أن الأمازيغ هم السكان الأصليون للجزائر ومنطقة شمال أفريقيا عموما منذ فجر التاريخ. واعترف الإعلامي والأستاذ السابق للغة الأمازيغية طاهر ولد اعمر في اتصال مع “العرب” بالتعقيدات المتشابكة التي تحول دون إرساء القواعد الطبيعية لتعليم الأمازيغية في الجزائر، وبتداخل المعوقات الموضوعية والأيديولوجية في الارتقاء بها إلى مصاف اللغات التي تدرّس في الجزائر بما في ذلك اللغات الأجنبية. وأكد على أن “تعليم اللغة الأمازيغية يتطلب فتح نقاش حقيقي بين الأكاديميين وتجاوز التجاذبات الأيديولوجية، لأن تعليمها يلبي مطلبا هوياتيا ويثري المدارك والمهارات اللغوية في البلاد، رغم أن المسألة تستدعي اهتماما وتركيزا على تهيئة اللغة الأمازيغية”.تعليم اللغة الأمازيغية تم إقراره بعدما استطاع المطلب الأمازيغي افتكاك اعتراف السلطة به، لكن تجسيده بقي على نطاق ضيق وشدد على أن “الأمازيغية تعرضت على مرّ العصور إلى انفجار داخلي حوّلها إلى شتات في الجزائر ومنطقة شمال أفريقيا عموما، يصعب معه التوصل إلى رصيد وقواعد علمية لتعليم أي لغة، فالملاحظ من طرف أي باحث أو أكاديمي محايد هو صعوبة وتعقيدات الوصول إلى الأسس اللازمة، لأن المتاح حاليا هو عبارة عن شتات أمازيغي متفرق على مناطق البلاد ومناطق شمال أفريقيا”. ولفت المتحدث إلى أن اللغة الأمازيغية في الجزائر، كغيرها من دول المنطقة تفجرت تحت ضغط التراكمات التاريخية القديمة، مما دفع كتّابا ومؤلفين وعلماء أمازيغ إلى التأليف بلغات أخرى غير الأمازيغية على غرار ابن خلدون، والعديد من المفكرين الآخرين، ربما لاعتقاد أو قناعة لدى هؤلاء بأن لغة المنطقة لم يعد بمقدورها احتضان العلوم والمعرفة. وكانت الحكومة قد قررت تعليم اللغة الأمازيغية منذ مطلع الألفية، بعدما استطاع المطلب الأمازيغي افتكاك اعتراف السلطة به ودسترته من لغة وطنية إلى لغة وطنية ورسمية، لكن تجسيد هذا المطلب بقي على نطاق ضيق رغم مساعي وزارتي التربية والتعليم العالي إلى وضع الأسس اللازمة لتعليمها في أفواج وأقسام بالتدرج. وانطلق التعليم الأمازيغي من المحافظات الممثلة لمنطقة القبائل في وسط البلاد على غرار تيزي وزو وبجاية وباتنة والبويرة، على أن يتم توسيع العملية لتشمل 37 محافظة من مجموع الـ48 المكونة للبلاد مع ترك الحرية للتلاميذ والأولياء لتعلمها بالحرف الذي تكتب به؛ العربي، اللاتيني، أو التفيناغ. وكان المتفقد في وزارة التربية عبدالقادر بن حواد قد لفت إلى أن تعليم اللغة الأمازيغية في الجزائر قطع أشواطا في السنوات الأخيرة امتثالا لمضمون الدستور الجديد للبلاد الذي تم وضعه في العام 2016، بعدما رقاها إلى مصاف اللغة الوطنية والرسمية، حيث انتقل عدد الأفواج الدراسية من 10 آلاف فوج عام 2014 إلى أكثر من 12 ألف فوج في 2016، وبلغ عدد الأستاذة نحو 2600 ألف، بعدما كان في حدود 19 ألف أستاذ في ظرف عامين فقط. وأضاف أن “الوزارة وفرت كل الإمكانيات المادية والبشرية من أجل توسيع وتعميم تعليم اللغة الأمازيغية، فبعدما كانت محصورة في عدد محدود من محافظات الجمهورية، صارت متواجدة في 37 محافظة من مجموع 48، فضلا على إعداد الكوادر والهيئات المتخصصة في التدريس والتفتيش”. ويرى الأستاذ السابق للغة الأمازيغية أن “حرية الاختيار المضمون للتلميذ والولي وعدم الحسم في الحرف الذي تكتب به يعتبران من بين عوامل تعثر تعليمها في الجزائر لأن ذلك يخلق حالة من التشويش على الملقي والمتلقي، ولا يشجع على تعميمها في جميع المؤسسات الدراسية، كما هو الشأن للغات الأخرى، ويكرس حالة التيه والشتات التي تعاني منها هذه اللغة على مر العصور”. وألمح إلى أن “الحقيقة اللسانية والسياسة اللغوية في الجزائر غير متوافقتين لأسباب سياسية وأيديولوجية معروفة، والمقاربات المطروحة في هذا المجال لا تسمح بإرساء تعليم هذه اللغة وإنما تقدم علاجا أيديولوجيا للقضية، التي مازالت رهينة تجاذبات معينة، في حين يُغيَّب المختصون والأكاديميون، الذين يتوجب منحهم الفرصة لتقديم تصوراتهم في المسألة، وجعل تعليم الأمازيغية حقيقة ميدانية دون مزايدات”.الحقيقة اللسانية والسياسة اللغوية في الجزائر غير متوافقتين لأسباب سياسية وأيديولوجية معروفة، والمقاربات المطروحة في هذا المجال لا تسمح بإرساء تعليم هذه اللغة وأكد “من خلال سنوات قضيتها في تعليم اللغة الأمازيغية خلصت إلى أنه لا بد من تحقيق مصالحة جزائرية جزائرية، وتحضير أجواء معينة من أجل السماح بالمرور إلى تحصيل لغوي جديد يستجيب لمتطلبات الهوية وللثراء اللغوي في المجتمع، وهو ما يتطلب شجاعة من السلطة لكسر الحواجز النفسية والطابوهات، لأن الانتماء إلى الأرض كفيل بإنجاح هكذا مشروع، وليس الانتماء إلى لغة لأنه يغذي العرقية والتعصب”. ومن جهته يرى الباحث في التاريخ والكاتب محمد أرزقي فراد أن “أكبر المعوقات التي حالت دون تجسيد مشروع التعليم الأمازيغي في البلاد، هو تردد السلطة في إنشاء الأكاديمية المنصوص عليها في الدستور الجديد، لأن الخطوات المتخذة من طرف وزارتي التربية الوطنية والتعليم العالي، تبقى غير كافية في ظل عمل أكاديمي ينظر إليه مختصون لتأطير وترقية وتعميم التعليم الأمازيغي”. وقال “إن تعليم الأمازيغية لن يأخذ مجراه الطبيعي ما دام المنطق الأيديولوجي متفردا ومستحوذا على مهام ودور المختصين والباحثين والأكاديميين، فالتعامل مع الأمازيغية يتم كما التعامل مع بضائع استهلاكية، كما هو الشأن مع الحماقة البرلمانية الأخيرة، حيث يغذي ساحة التجاذب الأيديولوجي، ولا يسمح بإرساء تعليم متكامل يثري الرصيد اللغوي للجزائري ويستجيب لمتطلبات تاريخية”. وأضاف “تعليم لغة بهذه الخصوصيات والتعقيدات المحيطة بها ليس بالأمر الهين، ولا مجال فيه للتسرع استجابة للأصوات المتطرفة، وعلى السياسي أن ينسحب إلى الصفوف الخلفية بعدما حسم دستور البلاد في المسألة، والمنطق هو إتاحة المجال للأكاديمية المذكورة وللمختصين من أجل الوصول إلى أرضية توافقية تسمح بتعليم أمازيغي بعيدا عن القسر والنوايا المبيتة”. وتابع “تعليم الأمازيغية يتوجب نقاشا جادا وعميقا وليس لإجراءات آنية، فالقضية كما ضاعت على أيدي أجيال، لا بد أن يعاد لها الاعتبار وتبنى على مرّ أجيال أخرى، وليس بواسطة إجراءات سطحية تزيد من تعميق الوضع، فبقاء منصب رئاسة المحافظة السامية للغة الأمازيغية شاغرا منذ عام 2004 وعدم إطلاق الأكاديمية التي نص عليها الدستور لحد الآن يعتبران المتسببين في وقت ضائع من مسار التعليم الأمازيغي”.
مشاركة :