تحمّل المعارضة السورية إيران المسؤولية الرئيسية في لعب دور المعرقل الخفي للمفاوضات، وعدم التوصل إلى حلّ سياسي في سوريا، من دون أن تبرّئ روسيا بشكل نهائي. ومع تمييزها بين أهداف كل منهما في هذه المرحلة، ترى أن إيران التي تنتهج نهجاً آيديولوجياً تسعى للبقاء في سوريا، في وقت بلغت فيه موسكو «مرحلة الكفاية المعنوية» وتسعى إلى إنهاء الأزمة قبل الانتخابات الرئاسية. وتستند المعارضة في اتهام إيران بالعرقلة إلى «أدلة عدّة كانت واضحة في السلوك الإيراني، كان آخرها في جولة مفاوضات جنيف الأخيرة، إضافة إلى عرقلتها تنفيذ اتفاقيات خفض التصعيد الناتجة عن (آستانة)». ويقول المتحدث باسم «الهيئة العليا للمفاوضات» ووفد المعارضة إلى آستانة، يحيى العريضي: «لا نحتاج إلى رؤية العمامة (في إشارة إلى المسؤولين الإيرانيين) لنتأكد من التدخّل الإيراني وعرقلة الحل، ونؤكد أنه لو كان القرار بيد طهران لما عاد وفد النظام إلى جنيف بعد مغادرته إلى دمشق لأسبوع، وإن كانت عودته من دون أي فائدة». ويلفت في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن الخلافات بين روسيا وإيران تظهر عبر هذا التباين في المفاوضات بشقيها السياسي والعسكري، موضحاً: «نقل لي أحد قياديي (أحرار الشام) المشاركين في (آستانة) عن لسان أحد الإيرانيين، قوله: (الاتفاق في إدلب لن يتم)، وهذا ما حصل وبقي حبراً على ورق بعدما أوجدت (جبهة النصرة) الذريعة، عبر إطلاقها معركة في المنطقة لنسف الاتفاق، وهو ما تؤكده أيضاً الحشود العسكرية الإيرانية في إدلب». وعن الدور الروسي أمام هذه العرقلة الإيرانية، يقول العريضي: «مصالحهم تجعلهم بين المطرقة والسندان؛ خاصة أنهم يحتاجون إليهم على الأرض، ويعتبرونهم وسيلة للضغط على الولايات المتحدة الأميركية». ويميز العريضي - كما الباحث اللبناني الدكتور بهاء بو كروم - بين طموح روسيا وطموح إيران في سوريا. ويقول بو كروم لـ«الشرق الأوسط»: «روسيا بلغت مرحلة الكفاية المعنوية التي تخوّلها الانتقال إلى المرحلة السياسية في سوريا، معتبرة أن آلتها العسكرية حققت إنجازاً، بينما هذا الأمر لا ينطبق على إيران التي تسعى إلى البقاء، ومن مصلحتها استمرار الأزمة لتحسين حضورها بشكل أكبر، وإنجاز معركتها التي بدأت من الأساس ضد المعارضة السورية وليس الإرهاب، وبالتالي تحويل سوريا إلى قاعدة متقدمة لها في الشرق الأوسط». من جهته، يرى العريضي أن الاستراتيجية الروسية تنفذ بأداة حربية، بينما تنتهج إيران نهجاً «آيديولوجياً» يستند إلى علاقة طورتها مع منظومة الأسد الأب وطوّرتها مع الأسد الابن، وتتغوّل في النسيج الاجتماعي والاقتصادي السوري، مضيفاً: «من هنا تعتقد روسيا أنها حسمت الأمور العسكرية، وتبدي استعدادها للبدء في الحل السياسي، بينما مشروع إيران الآيديولوجي يحتاج إلى وقت أطول، وبالتالي ليس من مصلحتها إنهاء الأزمة اليوم، وهو ما يخضع له النظام وينعكس عبر عرقلته للمفاوضات». ومع مصلحة إيران في استمرار الأزمة، لا يبرئ بو كروم «روسيا من طموحها لإبقاء رئيس النظام بشار الأسد في السلطة كنظام وشخص، ضمن وجودها في الشرق الأوسط، وإعطائه الشرعية عبر ضمانات ومعاهدات تستمر لعشرات الأعوام، وذلك عبر تسوية سياسية تعتمد على انتخابات يشارك فيها الأسد تحت شعار أن السوريين يقررون، بينما تتعامل إيران مع الأمر كمنتصر، وتحاول ترجمة انتصارها عبر حتمية بقاء الأسد، بعيداً عن أي مفاوضات أو مرحلة انتقالية». كذلك، يتّهم خالد المحاميد، نائب رئيس وفد المعارضة السورية لجنيف، إيران بالوقوف خلف المواقف المتعنتة لوفد النظام في الجولة السابقة من «جنيف». ويقول لـ«وكالة الأنباء الألمانية»: «مشكلتنا الحقيقية الآن ليست مع النظام؛ بل مع إيران، فهي من تحدد مسار التفاوض السياسي، وهي من أفشلت مفاوضات جنيف الأخيرة»، مضيفاً: «هي لا تريد حلاً سياسياً؛ بل تريد استمرار التصعيد العسكري لتضمن بقاءها في سوريا، فهي تدرك جيداً أنه ليس لها حضور ولا شعبية حتى بين صفوف الموالاة، كما أن عدم رغبتها في التوصل لحل سياسي إنما يندرج في إطار صراعها مع السعودية، وتدل على ذلك تصريحات وتلميحات خرجت من قبل رئيس وفد النظام للمفاوضات بشار الجعفري، تتهم المعارضة بالارتهان للقرار السعودي، وتحديداً فيما يتعلق ببيان مؤتمر الرياض الأخير، وهو الأمر غير الصحيح بالمطلق».
مشاركة :