اكتشف علماء فرنسيون وكنديون ويابانيون تجويفا هائلا بحجم طائرة داخل الهرم "خوفو" بعد عامين من البحث والاستكشاف، بحسب دراسة نشرتها مجلة "نيتشر" البريطانية. وجاء في الدراسة أن التجويف الذي سماه الباحثون بـ"الفراغ الكبير" يبعد 40 إلى 50 مترا عن حجرة الملكة القابعة في منتصف الهرم الأكبر، وتم استخدام ثلاثة تقنيات مختلفة من التصوير الميوغرافي "muography" لاكتشافه وتحديد مكانه وحجمه، لكن دون تقديم تفسير لوجوده أو دلالته. ورغم ما أحدثه الاكتشاف الأثري من ضجة إعلامية واسعة النطاق في العالم، لكن مصر لم تستحسن ما اعتبرته "استعجالا" من الفريق البحثي في إعلان الاكتشاف ومخاطبة الرأي العام بشأنه. وقالت وزارة الآثار المصرية، في بيان آنذاك، إنه "كان لا ينبغي على الفريق البحثي الاستعجال ومخاطبة الرأى العام في المرحلة الحالية واستخدام مصطلحات دعائية وترويجية للمشروع الذي ما زال يحتاج إلى فترة دراسة واسعة وأبحاث إضافية لمعرفة أسرار هذا الأثر العظيم والفريد". وعزا أثريان مصريان بارزان، في أحاديث منفصلة للأناضول، دلالة التجويف المُكتشف حديثا داخل الهرم الأكبر، إلى حرص المصريين القدماء على إنشاء تجويفات ضخمة للحفاظ على أجساد الموتى والأثاثات الجنائزية والبرديات بعيدا عن عبث اللصوص، إضافة إلى خلق فراغات لتخفيف الضغط على قاعدة الهرم. وبُني "خوفو" في عهد فرعون مصري يحمل الاسم نفسه بين عامي (2509 -2483 ق.م)، وهو الأكبر بين أشهر ثلاثة أهرامات في مصر ( الآخران خفرع ومنقرع)، ويبلغ ارتفاعه نحو 146 مترا ويحتوي على ثلاث غرف داخلية واسعة وعدد من الممرات. * مليون حجر وسر موردا ما رأه سببا لتزايد الاكتشافات بالهرم الأكبر، قال مجدي شاكر، كبير الأثريين بوزارة الآثار المصرية، للأناضول، إن "خوفو" لا يزال يستحوذ على الاهتمام المحلي والدولي كونه أكبر أهرامات مصر حجما، حيث تبلغ مساحته نحو 20 فدانا (أي 84000 متر مربع) فوق سطح الأرض. وأوضح شاكر أن الهرم الأكبر يحوي أسرارا تتجاوز عدد أحجاره، لا سيما في ظل استعانة علم الآثار حاليا بالتقنيات والأجهزة الحديثة في المسح والتصوير، ما يضاعف من عدد الاكتشافات الأثرية. وفي عام 2002، أصدر المجلس الأعلى للآثار المصرية (حكومي) دراسة علمية وهندسية أكدت أن عدد أحجار الهرم الأكبر "خوفو" تتجاوز المليون حجر وأن وزن الواحدة منها يتراوح بين 2 إلى 20 طنا. وعزا الأثري المصري دلالة التجويف المكتشف حديثا داخل "خوفو" إلى عقلية المصري القديم الذي كان يبني تجويفات ضخمة داخل الأهرامات لتضليل اللصوص والعابثين بالأجساد والكنوز والمقتنيات الذهبية، لأن الهدف الأساسي هو الحفاظ على الجثامين من خلال التحنيط لسهولة تعرف الأرواح عليها بعد البعث. وارتبطت الحضارة الفرعونية القديمة في مصر بعقيدة البعث والخلود والتي كانت ترى الموت بوابة للعبور إلى حياة دائمة، وهو ما دفع المصريين القدماء إلى اختراع فن التحنيط للحفاظ على جثامين الموتى من الفساد لتخليدهم. * تجويف في الفراغ بدوره، اعتبر المؤرخ والخبير الأثري المصري، بسام الشماع، أن اكتشاف هذا التجويف هو أحد أهم الاكتشافات الأثرية داخل الهرم الأكبر خلال القرنين الماضيين، و إنجاز يضاف إلى علم المصريات (مختص بدراسة تاريخ مصر القديمة). وأوضح الشماع للأناضول، أن الاكتشاف عبارة عن تجويف مساحته 100 قدم (حوالي 30 مترا) ولا يوجد ممرات أو أبواب تؤدي إليه أو تخرج عليه، ما يطرح تساؤلا حول كيفية بنائه بهذا الشكل وكأنه "تجويفا في الفراغ". ورجح المؤرخ والأثري المصري البارز أن يكون الهدف من بناء هذا التجويف هو "الحفاظ على كنوز وأثاثات جنائزية وتماثيل طقسية وبرديات تفسيرية" بعيدا عن عبث اللصوص، إيمانا من المصريين القدماء بالبعث بعد الموت لحياة الخلود. واستدل الشماع على صحة ترجيحه بـ"عدم وجود مُجسم للملك خوفو (حكم مصر حوالي 26 عاما) سوى تمثال وحيد مصنوع من العاج طوله لا يتجاوز 8 سنتيمترات، إضافة إلى عدم وجود برديات للمهندس الفرعوني (حم أيونو) المسؤول عن بناء الهرم الأكبر". وقال الشماع إن "هذا الاكتشاف كأنه لم يحدث إذ لم تطور البعثات الأثرية من الأدوات والتقنيات لتتعرف على محتوى هذا الفراغ الكبير لتستدل على دلالة بنائه"، مؤكدا أن الاكتشاف الأثري صدر للعالم غموضا جديدا لا نمتلك حياله سوى الاجتهاد والتفسير. * تخفيف الضغط واعتبر كبير الأثريين المصريين مجدي شاكر، أن الهدف الثاني من إنشاء التجويفات والممرات الضخمة داخل الأهرامات هو خلق فراغات لتخفيف الضغط على قاعدة الهرم، خاصة وأن بناء الأهرامات كان يتم فوق سطح الأرض بدون عمليات حفر في العمق. واتفق مع هذا الترجيح بسام الشماع، مؤكدا أن التجويف يقع أعلى "البهو الكبير" والذي يعد أجمل غرف الهرم الأكبر (طولها 47 مترا، وارتفاعها 8 أمتار)، ولذلك تم بناء هذا التجويف ليخفف الضغط عن البهو الكبير. وأضاف الشماع أن "تخفيف ضغط الصخور في بناء الأهرامات" فكرة متعارف عليها في فن المعمار الفرعوني الذي كان يعد أحد أهم معجزات عصر الفراعنة ولا يزال الغموض يكتنف جوانبه. وقال مجدي شاكر إن بلاده تضم نحو 102 هرم تتركز معظمها في منطقة أثرية تعرف باسم "جبانة منف"، وتمتد من محافظة الجيزة (غربي القاهرة) إلى بني سويف والفيوم (وسط البلاد)، مؤكدا أن منطقة أهرامات الجيزة وحدها تضم نحو 18 هرما آخرين. وأرجع شاكر أسباب ارتفاع عدد الأهرامات الفرعونية في مصر إلى أن 90% من الحضارة المصرية القديمة كانت دينية وروحية وأخروية (تركز على الأخرة)، وهو ما بدا في بناء المعابد والأهرامات (المقابر) التي كان يطلق عليها المصريين القدماء (بيت الأخرة). ومؤخرا، تناقلت وسائل إعلام أجنبية، استخدام الفريق البحثي الذي يقوم بمسح الهرم الأكبر، جهاز روبوت لمعرفة أسرار وخبايا الحجرات داخله، حيث يتسنى للروبوت الوصول للممرات الداخلية الضيقة بالهرم والتي لا يستطيع أحد الوصول إليها. غير أن وزارة الآثار المصرية قالت في بيان إن "تلك الخطوة تحتاج إلى العديد من الأبحاث والدراسات العلمية ولا يسمح بالموافقة عليها أو استخدامها لمجرد إدعاءات شخصية، حفاظا على الآثار المصرية". ولا تزال الآثار الفرعونية في مصر تحمل أسرارا قادرة على جذب شغف واهتمام العالم لفك طلاسم غامضة غلفتها الأساطير والقرون. الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
مشاركة :