باحثون يقرأون تجليات الموروث الشعبي في القصة والرواية والشعر

  • 12/20/2017
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

رأى د. خالد أبو الليل في تناوله للمـــوروث الشعـــبي ودوره في تأسيس الأنواع الأدبية الحديثة أن الموروث الشعبي عماد أي نهضة ثقافية أو حضارية؛ ومن ثم فإنه ضلع وركن أساسي في معادلة تحقيق نهضة المجتمعات العربية. ومن يتأمل تاريخ محاولات بناء النهضة العربية من خلال المشروعات النهضوية العربية، سواء في القرن التاسع عشر أو العشرين، سيلحظ أن المشكلة الرئيسية التي أعاقت هذه المشروعات هو تهميشها للدور الذي يلعبه هذا المورورث الشعبي في نهضة الأمة، وهو ما انعكس في نظرتهم المتدنية للعامة، فهم - في نظر الكثيرين من رواد النهضة - رعاع وقاع المجتمع؛ ومن ثم فإن أدبهم وفنونهم - من حكايات وسير وأغان ومعتقداتهم كالموالد والدوسة وحرف ومهن شعبية - ما هي إلا خرافات وخزعبلات، لا ينبغي الالتفات إليها. وبالرغم من ذلك فإننا نجد محاولات سعت إلى الاعتداد بالموروث الشعبي في مشروعاتهم النهضوية العربية، خاصة تلك المشروعات التي أسهمت في تأسيس نوع أدبي روائي عربي. واعتمد د. أبوالليل في تناوله الذي طرحه في ندوة عقدت ضمن فعاليات مؤتمر الدورة الـ 32 للمؤتمر العام لأدباء مصر والمنعقد بمدينة شرم الشيخ محورها الأدب الشفاهي وأثره في الأدب الكتابي على محاولتين من القرن التاسع عشر، أولاهما لرفاعة الطهطاوي، وعلي مبارك للتعرف على موقفهما من الحكي الشفاهي، وثانيهما التعرف إلى مدى تأثر بعض المحاولات الروائية وبخاصة في طور التأسيس للرواية العربية الحديثة، بتقنيات الحكي الشفاهي، سواء في الراوي، أو بنية الحكي/ السرد، أو بنية البطل الروائي، وتأثره ببنية البطل الملحمي، ليحلل روايات ملك فهمي سرور. رأى أبو الليل أن علي مبارك يتخذ من الاتكاء على المورورث القصصي الشعبي العربي، عن طريق المحاكاة لها، وسيلة لتقديم نماذج قصصية جديدة؛ استهدفت غايات تعليمية، أو محاولة تقديم النموذج الغربي، من خلال تقريبه وصياغته في أشكال سردية ذات صلة بالأشكال المألوفة والسائدة في الذهنية العربية. وهو ما يلمح إليه في مقدمة عمله الأدبي "علم الدين"؛ إذ يقول: "وقد رأيت النفوس كثيرا ما تميل إلى السير والقصص وملح الكلام بخلاف الفنون البحتة والعلوم المحضة فقد تعرض عنها في كثير من الأحيان لا سيما عند السآمة والملال من كثرة الاشتغال وفي أوقات عدم خلو البال. فحداني هذا أيام نظارتي لديوان المعارف إلى عمل كتاب أضمنه كثيرا من الفوائد في أسلوب حكاية لطيفة ينشط الناظر فيها إلى مطالعتها ويرغب فيها رغبته في ما كان من هذا القبيل فيجد في طريقه تلك الفوائد ينالها عفوا بلا عناء حرصا على تعميم الفائدة وبث المنفعة". وأشار إلى الرابط بين رواية "الزهور الفائتة" ورواية "صابحة" لملك فهمي سرور اهتمامهما بالطبقات الاجتماعية المهمشة الكادحة والمطحونة في المجتمع. فرواية "الزهور الفائتة" تلتفت مبكرا إلى عوالم الحارة المصرية الشعبية، وتنازعها بين طموحات التحول إلى الأفضل مع دهس قيم الحارة الشعبية، والرضا بالواقع مع المحافظة على تلك القيم الأصيلة. وقال أبو الليل إن هذه الحارة التي أصبحت – بعدئذ - الشغل الشاغل لنجيب محفوظ، فعالجها في عدد من رواياته. في حين تنشغل رواية "صابحة" - الأسبق تاريخيًّا - بفئة الصيادين، والعاملين بحرفة الصيد. فهي تدور حول صابحة الابنة الوحيدة في إحدى أسر الصيادين، وما أعقب ذلك من رغبة قوية لديها في أن يكون لها أخ. وقد تحقق مناها، ولكن ليس بأخ شقيق، وإنما بتبني أسرتها للطفل "محرم"، الذي ماتت أمه عقب والدته، وسماح الأب بترك ابنه ترعاه وتربيه هذه الأسرة التي كانت تربطه بها علاقة جيرة وصداقة قوية، بعد أن عاد إلى موطنه الأصلي "بور سعيد". يعتري صابحة شعوران مختلفان، أولهما شعور الإخوة في حبها له، وشعور حب الأنثى للرجل، بعد أن يصير رجلا، فتتعلق به، وترغب في الارتباط به. ويعتري "محرم" شعور متناقض أيضا لم ينفك منه. شعور الارتباط الأخوي بصابحة، وشعور رد الجميل إليها، فهي التي ربته، فلم يتمالك أمام اعترافها بحبها له، سوى الإقرار بحبه لها، ولكن تعامله معها كان تعامل الأخ الحنون المخلص والراد للجميل لأخته، أكثر من كونه الرجل القوي الذي تتمناه صابحة، بالرغم من أن هذا هو ما شدها إليه، عندما رأت قوته وعقلانيته في تدبير أمره وأمور المحيطين به. ويقرر محرم إنهاء هذا التضارب في المشاعر بالرحيل عن قريته بلا عودة إليها أو إلى محبوبته "صابحة". حلل أبو الليل رواية "صابحة" ولفت إلى أنها تستمد من التيمات الشعبية تيمة تسمية المولود؛ إذ غالبا ما تكون تسمية الطفل مرتبطة بحادث ما. فلقد سُمِّي الطفل "محرم"؛ لأنه وُلِد في شهر "محرم". ولقد كان لهذا الطفل- في حياته - نصيب من اسمه؛ حيث كان الحرمان قدره. ففي المجتمعات الشعبية، يختار القريبون اسم المولود من اليوم أو الشهر الذي ولد فيه، فإذا ولد يوم الخميس صار اسمه "خميس"، وكذلك إذا ولد يوم "جمعة"، أو يوم عيد أو في شهر رمضان أو شعبان أو رجب. ولقد تبدى التأثر بالموروث الشعبي أيضا بميل الكاتبة أحيانا - رغم استخدامها اللغة الفصحى في السرد والحوار - إلى استخدام المثل الشعبي. على نحو ما جاء على لسان البطل "محرم" حينما قال: "كانت تذكر لي دائما هذا المثل (صدق من قال إن الطبع يغلب التطبع). ويبدو أنه لم يكتف بمجرد ذكر المثل، بل استلهم كذلك الصيغة والسياق الذي يرد فيه هذا المثل. فقد قام بتفصيح المثل العامي، وتفصيح الصيغة العامية التي تسبق دائما ذكر المثل "صدق اللي قال". وخلص أبو الليل على تأكيد ما للأثر الكبير الذي تركه الحكي الشفاهي، مثل السير والحواديت في كتاب ومفكرين مهمين، مثل رفاعة الطهطاوي وعلي مبارك وملك فهمي سرور. وتناولت أسماء عبدالرحمن مفهوم الازدواجية اللغوية وآلية توظيفها في الأمثال الشعبية التي وردت في ثلاثية حكايات الأيام القديمة للقاص والروائي زكريا عبدالغني، وهي ثلاثة أجزاء: صباح العمر ـ قلم الإشارات ـ أبو خرص. مؤكدة أن علاقة التأتير والتأثر بين الأدب وأي متغير سياسي أو فكري جدلية لا تنتهي، وأن الأديب ـ كما يقولون ـ ابن عصره، وإفرازًا طبيعيًّا لمشكلات بيئته، ومعوقات حياته وحياة المحيطين به، ومن ثم جاءت ثلاثية حكايات الأيام القديمة انعكاسا لذلك الصراع القائم بين الواقع والذات، فصورت ذلك الصراع السياسي والطبقي والتفاوت الاجتماعي ونقد الواقع المعيش، بجانب بصيص نور لاستشراف المستقبل. فعكست الأحوال الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لمصر قبل وبعد حكم الزعيم جمال عبدالناصر، وما خلفه ذلك من آثار نفسية على الشعب العربي عامة والمصري خاصة. وأوضحت الباحثة أن الازدواجية اللغوية التي مثلتها الأمثال الشعبية في الثلاثية ترجع إلى ذلك الانفصام النفسي والاضطراب الفكري والتفكك الاجتماعي الذي تبعه تفككًا ثقافيًّا لغويًّا، لما مر به مجتمعنا المصري في تلك الآونه التاريخية من الظروف النفسية والمعيشية لكل أفراد المجتمع المصري، هذا لم يمنع الغاية التعليمية والتربوية للمثل الشعبي التي هدف إليها الأديب في كونها أيسر السبل لنقل تعاليم الآباء والأجداد، وإبلاغها بصورة فعالة, وإعلاء مجموعة من القيم بأسلوب تعليمي راق يخلو من التلقين والنصح المباشر كالصدق والشرف والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر والاعتماد علي النفس.. وغيرها من القيم التي هي أهم غايات المثل الشعبي ذلك بجانب إعلاء الذوق الفني. وفي بحثه الجدة ربة الحكي (حكي الجدات .. المصطلح والتأثير والتأثر) حلل الباحث محمد هلال ريان أوضح أن الجدة اصطلاح يعبر عن أصحاب الحجور المليئة بالحكي ـ جدة أو أم أو خالة أو عمة أو أب أو جد وغيرهم ـ وقال "آثرت استخدام مفردة الجدة تعبيرًا عن هؤلاء لسببين: أولهما شيوع استعمال تركيبة (حكايات الجدات) للتعبير عن حكي الكبار للصغار، وثانيهما: أنها صاحبة المرجعية في الحكي ومصدره الرئيس بحكم عمرها الذي يمنحها مخزونًا ضخمًا من الحكي وصدقها الفني الذي صنعه الفرق الزمني بينها وبين حفيدها.. والجدة ـ كاصطلاح ـ هي الراوي الأكثر مرونةً وإبداعًا؛ تطور القصة تبعًا لثقافتها وبيئتها الاجتماعية ولهجتها وتبعًا لعمر الصغير وجنسه؛ تجتزئ القصة أو تسردها كاملة فتقدم حكاية (يونس وعزيزة) كحكاية مستقلة أو تذكرهما في عجالة وهي تحكي عن (أبو زيد)؛ تخلط الفكاهة بالحكمة كما في حكيها عن جحا، تتوسل أحيانا بالأداء الصوتي لتخيفنا من الغول ومن النداهة وتضفر الحكي بالشعر أو تغني وسط حكيها غناءً حديثًا لا ينتمي لزمن الحكاية لكنه السياق الذي استدعته فطرتها المبدعة. وأشار إلى أن حكي الجدات كان المنتج الحكائي الموازي لتكون الأسطورة والحكاية الخرافية وتأثيرات الأديان عليهما وصياغة السير الشعبية عبر العصور، وكانت الجدة مشتبكة مع كل تلك الأجناس في حالة من التأثير ـ كونها جزءًا من الوجدان الشعبي المنتج لهاـ والتأثر من خلال التناص والتبسيط لمراعاة هدف الحكي عندها؛ ومما سبق يمكن اعتبار حكي الجدات حلقة من حلقات تطور الحكي الشعبي. وقال حول دوافع الحكي عند الجدة أن الدافع يختلف وراء إبداع حكي الجدات في تلك الصورة التي نعرفها عن تلك الدوافع الفلسفية التي حاولت الإجابة عن تساؤلات الإنسان الأول فكانت الأسطورة أو الدوافع العقدية التي أنتجت الحكاية الخرافية في عصور كان يؤمن فيها الإنسان بالسحر والخرافة؛ وتختلف أيضا عن دوافع ذلك الحكاء الشعبي الذي أراد تمجيد عشيرته والفخر بأمجادها فأبدع وتناقل السيرة الشعبية، كان حكي الجدات للمتعة الخالصة وتفجير الخيال وغرس القيم الأخلاقية والإنسانية في نفوس تللك الوجوه الجميلة التي في الحجور فجاءت الحكايات بسيطة ومبهرة في آن واحد؛ لقد عجنت الجدة أشكال الحكي الأخرى لتعطي الصغار لقمة لينة تناسب أعمارهم. وأكد ريان أن ظلال الأساطير واضحة في بعض قصص "حواديت" الجدات ويختلف مقدار تدخل الجدة ـ الراوي الشعبي المبدع ـ وتدخل عوامل التذكر والنسيان عبر العصور في الحكاية الأصلية من قصة إلى أخري، فنجد استدعاء تفصيله واحدة أو أكثر من إحدى الأساطير في بعض الحكايات؛ ونجد حكايات أخرى حافظت على حبكة الأسطورة في أغلب مستوياتها تقريبا.   محمد الحمامصي

مشاركة :